عبر سنوات كثيرة مضت وبعض الباحثين والمفكرين يبحث مسألة منظومة القيم فى المجتمع المصري، التى تحكم بدورها سلوكيات المواطنين وتصرفاتهم، وكثيرًا ما يتحسر البعض على أخلاق فترات زمنية ماضية، ويعتبرها أفضل حالًا من الوقت الراهن، ما ساعد على تعاظم حالة النوستالجيا التى تتسع وتزداد يومًا بعد آخر، وتتجلى بوضوح على صفحات السوشيال ميديا وفى غيرها من وسائل الإعلام. إن القيمة، حسب أساتذة علم الاجتماع وخبرائه، هى مجموعة من المعتقدات تتسم بقدر من الاستمرار النسبى وتمثل مواجهات للأشخاص نحو تحديات أو وسائل لتحقيقها أو أنماط سلوكية يختارها ويفضلها هؤلاء الأشخاص بديلًا لغيرها، وهى تنشأ نتيجة تفاعل بين الشخصية والواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافي، وتفصح عن نفسها فى المواقف والاتجاهات والسلوك اللفظى والعقلى والعواطف التى يكونها الأفراد نحو موضوعات معينة، هنا يتكون النسق القيمي، ويُقصد به مجموعة القيم والمعايير التى يؤمن بها أفراد المجتمع، وتكون هى القيم السائدة فى المجتمع. ويشير الواقع إلى أن هناك الكثير من القيم التى تبدلت وتغيرت، فيما يُعرف بظاهرة تبدل القيم، أو تغير القيم، داخل المجتمع الواحد، من زمن إلى زمن آخر، بسبب تداخل وتشابك عوامل مجتمعية وظروف متنوعة، من حيث غياب أو ضعف قيم إيجابية وصعود سلوكيات وممارسات سلبية، كما تزايدت جرائم السرقة والقتل بصورة ملحوظة لمن يتابع صفحات الحوادث فى الصحف. يترحم البعض على قيم الشجاعة والشهامة والتضحية والكرم والعطاء والإخلاص والوفاء والارتباط الأسرى ورعاية الوالدين، وقبول الآخر، واحترام التنوع والاختلاف، أمام انتشار قيم أخرى منها المادية والأنانية وإعلاء المصلحة الشخصية على المصلحة العامة والفوضى وإهمال العمل وضياع الوقت وعدم احترام الوعود والتنمر بالضعيف، فضلًا عن سلوكيات وممارسات سلبية منها التعصب والتشدد والفهلوة والرشوة والبلطجة، والصراع بين الأبناء والآباء، ما يُسبب عدم استقرار البناء الاجتماعي. يتطلب الأمر وقفة جادة لبحث مسألة تبدل القيم والإجابة عن السؤال: ماذا حدث للمصريين؟، خاصة أن مسألة تغير القيم يجب أن تكون مدروسة وموجهة للأفضل، وليست عشوائية، فلا نتركها للظروف والأحداث، وكأننا ريشة فى مهب الريح، وإنما من خلال تخطيط وترتيب ونظام، وثمة مجموعة من الأساليب والآليات لمواجهة تبدل القيم.. أولًا: نشر العلم والثقافة، والاهتمام بغرس القيم الأصيلة فى نفوس الأطفال باعتبارهم شباب الغد وقادة المستقبل، وتنمية الوعى بحقيقة التغير، والتوعية بأن دور الفرد ليس تقبل التغير فحسب، وإنما المساهمة فى صُنعه، وتنمية وعى الشباب بمشكلات وقضايا المجتمع ودوره فى حل هذه المشكلات والانتقال بالمجتمع إلى آفاق أرحب من النهضة والتنمية، وإحياء التراث الثقافى والاجتماعى وتأكيد هوية المجتمع وذاتيته إلى جانب الانفتاح على الثقافات الأخرى والأخذ بما يوافق ثقافة مجتمعنا. ثانيًا: إطلاق مبادرات مجتمعية، عبر اشتراك مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، التى يمكنها تبنى خطة قومية غرضها دعم وترسيخ منظومة القيم الإيجابية، وهنا يبرز دور الأسرة، والمؤسسات الدينية، إسلامية ومسيحية، والمؤسسات الثقافية والتعليمية والفنية والإعلامية والتشريعية، بالإضافة إلى جهود الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. ثالثًا: أتطلع إلى أن تأتى منظومة القيم فى المجتمع المصرى على رأس أولويات اهتمام الباحثين فى مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، عبر القيام بمشروعات بحثية مشتركة لدراسة المسألة من جميع جوانبها، والخروج بتوصيات واقتراحات تُمكننا من تجاوز الأزمة الأخلاقية. لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق