الضجة الكبيرة التى صاحبت فيلم الممر ولا تزال، وكلمات اللواء أركان حرب أحمد خليفة مدير الشئون المعنوية بالقوات المسلحة فى العرض الخاص له، عن رسالة الفيلم للأجيال وإشادته بدور القوة الناعمة، تؤكد أهمية التعامل الإعلامى بكل الأشكال مع بطولاتنا الكثيرة التى يذخر بها تاريخ مصر، وتسليط الضوء عليها أمام الرأى العام لتنمية الوعى الوطني، وانعاش الذاكرة القومية، وبث الروح المصرية فى وجدان شباب الأمة الذين لم يعايشوا بعض هذه البطولات. نحن نحتاج إلى الكثير فى معركة إعادة بناء الوعى التى نخوضها الآن، خاصة أن شبابنا تعرض ويتعرض لموجات كثيرة من التشكيك فى كل شىء، الانتماء.. القيم.. التاريخ الوطني.. الدولة.. المؤسسات.. الأسرة.. الدين.. المجتمع...الخ. ولذلك لابد من استخدام كل الأدوات المتاحة، لمواجهة هذه المعركة وإيقاظ الوعى الوطني، من خلال السينما والمسرح والأعمال الدرامية ووسائل الإعلام المختلفة والمناهج الدراسية والأزهر والكنيسة والأوقاف ومراكز الشباب والمجتمع المدني، وباستخدام كل أدوات التكنولوجيا الحديثة، ووسائل الاتصال الجماهيرى التى تصل إلى أكبر قدر ممكن من الرأى العام، وخاصة الشباب والأجيال الجديدة. لقد سبق أن طالبنا بأهمية تخليد بطولاتنا العسكرية فى أفلام سينمائية ومسلسلات، وقد كان فيلم الممر بداية مهمة بما توافر له من إمكانات اتاحت الخروج بهذه الصورة، ولكننا لا نريد له أن يتحول إلى فيلم موسمى مثل الرصاصة لاتزال فى جيبى والعمر لحظة والوفاء العظيم، نشاهده فقط فى المناسبات الوطنية. نريد أن تظل بطولاتنا فى الوعى الجمعى المصرى إلى الأبد، وهو لن يحدث إلا بالاستمرار فى دعم وإنتاج مثل هذه النوعية من الأفلام والمسلسلات بشكل مستمر، ونتذكر هنا أن هناك آلاف الأفلام انتجتها السينما العالمية عن معارك الحرب العالمية الثانية ولاتزال، ونحن لدينا فى تاريخنا الحديث والمعاصر آلاف من البطولات الحقيقية التى تحتاج فقط إلى من يحولها إلى أعمال درامية بحرفية عالية فى الكتابة والتمثيل والإخراج وكل عناصر العمل الفني، لتستمر الرسالة التى تحدث عنها باقتدار اللواء أحمد خليفة للأجيال المختلفة، ونظرة سريعة على تاريخنا الوطنى تؤكد ذلك. فتاريخنا الحديث والمعاصر ارتباط ارتباطا وثيقا بالعمليات العسكرية والحروب التى خاضها الجيش المصرى دفاعا عن أرضه وعرضه، فقد شهدت مصر عمليات مقاومة كثيرة ضد قوات الاحتلال البريطانى خاصة فى منطقة قناة السويس حتى أجبرتها على الرحيل عام 1954، من موقعة الإسماعيلية فى 25 يناير 1952 التى استبسلت خلالها قوات الشرطة فى الدفاع عن كرامتها وأسلحتها فى مواجهة غير متكافئة مع القوات البريطانية، إلى العمليات الفدائية التى شنتها المقاومة الشعبية ضد المعسكرات البريطانية فى منطقة القناة، والتى اشرف عليها ضباط الجيش المصرى بعد ثورة 23 يوليو وكبدت البريطانيين خسائر ضخمة أجبرتهم على توقيع معاهدة الجلاء عن مصر عام 1954. ثم البطولات العسكرية والشعبية فى مواجهة العدوان الثلاثى الذى شاركت فيه انجلترا وفرنسا واسرائيل عقابا على قيام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وهى بطولات كثيرة جدا منها بطولات الفدائيين والمقاومة الشعبية التى خلدها التاريخ مثل قصة البطل محمد مهران الذى لقن رجال المظلات البريطانيين دروسا قوية وتسبب مع زملائه فى قتل الكثيرين منهم ببورسعيد، وعندما وقع فى الأسر اقتلعوا عينيه عقابا له، وكرمه الرئيس جمال عبد الناصر وخلده التاريخ الوطني. والبطل جواد حسنى طالب الحقوق الذى خاض بمفرده معركة ضخمة ضد القوات الفرنسية شرقى قناة السويس لدرجة ان الفرنسيين طلبوا تعزيزات ظنا منهم انهم يواجهون قوة مصرية كبيرة، ليكتشفوا فى النهاية أنه شاب صغير بمفرده، ونقلوه جريحا الى معسكرهم ليكتب على جدران زنزانته قصته بالدماء التى تنزف منه حتى استشهد من هول التعذيب الذى تعرض له. ولا يمكن عند الحديث عن بطولات المصريين فى مواجهة العدوان الثلاثي، تجاهل معركة البرلس البحرية التى واجهت فيها زوارق الطوربيد المصرية أكبر سفينة حربية فرنسية (جان بارت) والوحيدة فى العالم التى كانت تمتلك ردارا وقتئذ، ونجحت فى اصابتها وإجبارها على الهروب، وهى المعركة التى استشهد فيها الضابط السورى جول جمال، وخلدتها السينما المصرية فى فيلم عمالقة البحار. وشهدت حرب 1967 بطولات كثيرة أيضا رغم النكسة، وهو ماتناوله فيلم الممر، وتبعتها حرب الاستنزاف التى شهدت ملاحم وطنية عديدة لأبطال الجيش المصرى والمقاومة الشعبية ايضا، فمن ينسى منظمة سيناء العربية التى قامت بمئات العمليات الفدائية ضد العدو الصهيونى فى شرق القناة، وكبدته الكثير من الخسائر فى الأرواح والمعدات، وكرم ابطالها الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات. وكذلك معركة رأس العش التى وقعت بعد 24 يوما فقط من النكسة، وخاضت خلالها قوات الصاعقة مواجهات شرسة مع المدرعات الاسرائيلية واضطرتها الى الانسحاب نحو غرب القناة، وتدمير المدمرة إيلات، فخر البحرية الاسرائيلية، وعملية تدمير الحفار كينتنج ومنع وصوله إلى خليج السويس، وعملية تدمير مطار الطور، والملاحم الكبرى التى قام بها الشهيد إبراهيم الرفاعي، ومعركة شدوان التى اجبرت فيها قوات الصاعقة العدو على الانسحاب منها بعد مواجهات عنيفة وغيرها الكثير. أما بطولات معركة النصر فى أكتوبر 1973، فهى لا تعد ولا تحصي، ومازال الكثير منها لم ينشر فى وسائل الإعلام، ومازال أبطال كثيرون جنودا مجهولين حتى اليوم لم يلق عليهم الضوء، وتحتاج معاركها إلى عشرات بل مئات الأفلام والمسلسلات. وحتى اليوم مازالت مصر تخوض معركة ضخمة شهدت بطولات كثيرة، وشهداء ارتوت أرض الكنانة بدمائهم، هى معركتنا فى مواجهة الإرهاب والتطرف، التى اثبتت أن مصر ولادة وأن معين الجيش المصرى من الأبطال لا ينضب، فرأينا أسطورة الشهداء أحمد المنسي، واستاذه بطل الصاعقة العقيد رامى حسنين، ورفاقهما من كتيبة الأساطير الكتيبة 103 صاعقة، وعشرات الشهداء من أبطال الجيش والشرطة والذين يستحق كل منهم سجلا ضخما للكتابة عنه، وبطولاتهم الكثيرة من الجندى الذى احتضن ارهابيا ملغما وانفجر معه ليفتدى زملاءه إلى القائد الذى رفض إخلاء موقعه وحارب حتى الشهادة ليقضى على الإرهابيين. بطولاتنا كثيرة، وكلها تستحق التسجيل والتوثيق. لمزيد من مقالات ◀ فتحى محمود