ادانت المانيا علي الصعيد الرسمي بشكل واضح وقاطع الفيلم المسيئ للرسول الذي أشعل موجة غضب جديدة في العالم العربي, ونعته كبار المسؤلين الألمان بنعوت مختلفة مثل الفيلم الحقير, التافه, المشين إلخ, مؤكدين إنتهاكه لمشاعر ملايين المسلمين. غير أن تصريحات المسؤلين الألمان وابرزهم المستشارة انجيلا ميركل ووزير الخارجية جيدو فيسترفيله كشفت عن إشكالية في تعامل المانيا مع هذه الاحتجاجات القابلة للتكرار في المستقبل.. فالمستشارة الألمانية تركت إدانة الفيلم لوزير خارجيتها وكان همها الأكبر في البيان الذي اصدرته هو إدانة الإعتداءات علي السفارة الألمانية في السودان والبعثات الدبلوماسية الأمريكية في العالم العربي وإدانة العنف كوسيلة للنقاش السياسي, في حين يتوقع المسلمون في المانيا منها ومنذ فترة موقفا أكثر تضامنا منها يشعرهم بأنهم حقيقة جزء من المجتمع الالماني. اما فسترفيله فكان الثقل الأكبر لتصريحاته في البداية علي ادانة اللجوء للعنف وإقتحام السفارة الأمريكية في ليبيا ومصر مؤكدا ان الفيلم المعادي للإسلام رغم انه يستحق الإحتقار فإنه لا يبرر مطلقا هذا العنف ضد البعثات الدبلوماسية. وقد تغيرت تصريحات فسترفيله مع تزايد وتيرة الإحتجاجات فاسهب بعد ذلك في إدانة الفيلم والتأكيد علي تفهمه الكامل لإسائته لمشاعر الملايين من المسلمين في العالم. وفسر الوزير الإحتجاجات العنيفة بالخلط القائم لدي الشعوب العربية بين دور الحكومة وما تقوم به قلة متعصبة في إطار حرية التعبير. وهو تفسير رائج هنا كرره روبرشت بولنس رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان موضحا أن المواطنين العرب عاشوا في ظل نظم سلطوية تتحكم فيها الدولة بكل شئ فهم يعتقدون الحكومات الغربية مسئولة عن كل ما يفعله مواطنيها. وتناسي فسترفيله وبولنس الدور الذي يلعبه الدين في حياة المواطنين في العالم العربي والإسلامي وفي الشرق عموما وما يمثله من قداسة قد يضحي المرء من اجلها بحياته كما يقول المستشرق الالماني جيدو شتاينبرج تعليقا علي ذلك. كذلك ابدي فسترفيله دهشته من الإعتداء علي السفارة الألمانية في الخرطوم معتبرا أنه تم إقحام المانيا في نقاش وجدل ليست طرفا فيه, علي إعتبار ان الفيلم أمريكي والإحتجاجات ضد امريكا وأن المانيا تدين الفيلم المسئ. وهنا ايضا تجاهل وزير الخارجية أن إحتجاجات الخرطوم سببها الرئيسي قرار المحكمة الإدارية العليا في برلين الصادر منذ بضعة اسابيع ويسمح لليمين المتطرف بحمل الرسوم المسيئة للرسول في وقفات إحتجاجية امام المساجد في المانيا, وهو قرار إنتقده وزير الخارجية السوداني وتسبب هنا في المانيا في إستياء كبير بين الجاليات المسلمة عندما صدر مع إستعدادهم للإحتفال بعيد الفطر الأخير. وقد برر القضاة قرارهم بأن الوقفة لا تشكل إنتهاكا لمعتقدات المسلمين وبأن الرسوم تنضوي تحت حرية الفن. ايضا كان احد دوافع الإعتداء علي سفارة المانيا في السودان الإنتقادات لموقف المستشارة انجيلا ميركل من تكريمها لصاحب الرسوم المسيئة فسترجارد منذ عامين في بوتسدام ومنحه جائزة إعلامية إعلاء لحرية التعبير. وبغض النظر عن صحة ما ذكره فسترفيله بأن هناك من المتطرفين في الدول العربية من يستغلون الفيلم الأمريكي لنشر الكراهية, فإن المانيا عليها ان تحذر متطرفيها اليمينين, والذين يمثلون الآن الخطر الاكبر علي المجتمع الالماني. فحتي الآن كانت ردود فعل الجالية المسلمة( قرابة5,3 مليون مسلم) متوازنة للغاية تجاه الفيلم الأمريكي, ولكن إستفزازات ليمين المتطرف متمثلا في حزب برو دويتشلاند مستمرة. وقد بلغت ذروتها منذ3 اشهر عندما تظاهر انصاره امام مساجد كولونيا وزولينجن رافعين الرسوم المسيئة للرسول فإستفزوا سلفيا قام بطعن شرطي وشرطية المانيين. والآن أعلن الحزب عزمه عرضه الفيلم المعادي للإسلام في برلين, ما دفع وزير الداخلية هانس بيتر فريديرش للتحذير من سكب البنزين علي النار, ودفع فسترفيله لمناشدة القضاء الالماني بشكل غير مباشر,بملاحقة كل من يحتقر الأديان الأخري.