اتسمت العلاقات الأمريكيةالإيرانية طيلة تاريخها بطابع عدائى تمثل أبرز تجلياته فى غياب التمثيل السياسى أكثر من أربعة عقود بجانب طوفان الاتهامات المتبادلة منذ الثورة الإيرانية حتى اللحظة ... تلك الإتهامات المنبثقة عن عنف مشاعر الكراهية ورفض الآخر، ولعل سيادة لغة التراشق والاحتداد بسبب الانسحاب من الاتفاق النووى لم تكشف فقط عن عمق دلالات انشقاق كيانات المجتمع الدولى وإنما عن تفعيل آليات الانشقاق بديلا عن البحث فى كيفية تكريس آليات التعاون والترابط حتى النسبى بسبب تعارض المصالح، فلم يعد العالم المعاصر بحاجة أكثر من دعم سبل الوحدة الإنسانية حتى على الصعيد النفعى بعد أن استحال استحضار لغة التسامح والتعايش والأخوة وبعد أن باتت تطوقه قضايا الإرهاب ومشكلات البيئة والتضخم السكانى وأزمات الاقتصاد وسباق التسلح النووى وغير ذلك. ونتساءل: هل يعنى ذلك الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى تقويض بنود الاتفاق كليا أو جزئيا؟ وما علاقة هذا الانسحاب باستمرارية الاتفاق وسريانه؟ وكيف السبيل لإصلاح الهياكل السياسية الدولية لتنهض بمسئوليتها إزاء مجتمع دولى تسوده الفوضوية؟ ولأى مدى يظل تصاعد وتيرة الانهيار العالمي؟ وإلى أى مدى أيضا يمكن أن تصمد إيران أمام الضغوط الاقتصادية؟ وهل يمثل إغلاق مضيق هرمز رادعا استراتيجيا إزاء تبديد الحلم النووي؟ ولماذا لم يصبح الاعتراف بالأمن القومى للدول الأخرى أولوية أمريكية باعتباره المصدر الرئيسى للنفوذ الأمريكي؟ وكيف لا تتحسب أمريكا بأن موقفها الجيوسياسى فى العالم قد تدهور حسب رؤية ويل أنبودن خبير قانون الأمن الدولي؟ وكذلك كيف لأمريكا أن تفتح جبهات عدائية، تتعدد مستوياتها, مع روسيا والصين واليابان وبعض الدول الأوروبية؟ ولماذا تصبح الأراضى العربية مسرحا عبثيا لحرب إقليمية ليست طرفا فيها؟! إلى غير ذلك من التساؤلات المتشابكة التى تحتوى محاور القضية على إجمالها لكن فى كل الأحوال تظل فكرة أن السياسة حرب باردة والحرب سياسة ساخنة من أبرز الموروثات الإستراتيجية التى تطل برأسها على جميع الأزمنة والأمكنة. فرغم ما يقطع به تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى من اندلاع حرب مقبلة بين اسرائيل وايران لكن تظل للسياسة التفاتاتها وانحناءاتها التى لا يستطاع معها القطع بشىء مهما تعل نبرات التهديد وترتق أسباب الترجيح، فتصعيد منظومة المصالح يعد الآن ضمن فقه أولويات العصر وضروراته ولن يسمح بحرب تطيح بهذه المنظومة أو تعرقلها، فحين تحفل هذه المنظومة بدول كروسيا والصين وإيرانوأمريكا وإسرائيل فى ظل التصارع المحموم بين أطرافها فإن المساس السلبى بالمصالح، فى الرؤية الاستراتيجية، إنما يفوق كثيرا خسائر الحروب وضحاياها وهو ما يتوافق مع الميثاق الترامبى القائل بأنه لا أصدقاء ولا أعداء ... مصالح فقط. وعلى ذلك فتصدير الخصومة لا يعنى بالضرورة إشعال فتيل الحروب لكن إذا حدث وانزلقت الأطراف نحو هذا المسار تظل الخصومة أبدية ولنا فى تاريخ الحضارات نماذج تشبعت بثقافة العدوانية والعنف طيلة قرون حتى استعبدتها وقادتها نحو مهالك سياسية وإستراتيجية قاتلة، لكن كيف إذا كان الطابع الزمنى قد تغير وتحول تحولا جذريا باتت معه ثقافة الحرب سلبية لأن هناك الأدوات الأفعل. لمزيد من مقالات ◀ د. محمد حسين أبو العلا