«من عرف مايطلب هان عليه مايبذل». « أطب مطعمك ولاعليك أن تقوم الليل وتصوم النهار». «إن أحببت أن تكون وليا فلا ترغب فى شىء من الدارين وفرغ نفسك لله واقبل عليه يقبل عليك» زهد فى متاع الدنيا و كل ما يحجبه عن الله، و متع الدنيا بين يديه. هو أبو اسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور ابن يزيد بن جابر- وقيل: ابن عامر – العجلى التميمى فهو عربى النجار، كريم الحسب. عن زهده يقول الدكتور يحيى أبو المعاطى العباسى أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة: خرج إبراهيم بن أدهم مع بعض أصحابه إلى الصيد، وبينما كان يكر ويفر جاداً إثر أرنب يروم رميه، إذ بهاتف من وراء الغيب يناديه باسمه قائلاً: «يا إبراهيم! (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً، وأنكم إلينا لا ترجعون). يا إبراهيم! ألهذا خلقت أم بهذا أمرت؟ فلم يبال به فى بادئ الأمر. فعاوده الثانية فالثالثة. فشد لجام فرسه ووقف حائراً من شدة الجزع. ثم هتف به الرابعة قائلاً: «والله، يا إبراهيم، ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت». فآمن آنئذ بأنه صوت الحق ونذير من رب العالمين، واطمأنت نفسه بعد اضطراب، وأنست بعد وحشة، فرجع إلى أهله، وخلّى عن فرسه، ثم جاء إلى راعٍ لأبيه فألقى إليه بما يلبسه من حلل الإمارة وحليها، وأخذ منه أطماره، ولف جسمه بها وهام على وجهه. ساح فى الأمصار الإسلامية، فجاب خراسان، ثم يمم شطر العراق وأقام بعض الوقت فى البصرة والكوفة. تعمق إبراهيم فى دراسة القرآن الكريم، وفقه الحديث الشريف ورواه، وتتبع سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسلوك أصحابه فنهج نهجهم، وثقف ثقافة عربية واسعة فكان بليغاً فصيحاً. وكان محدثاً ثقة وراوية صدوقاً مأموناً، «وكان إذا جلس على سفرة بها طعام طيب تخلى عنه لأصحابه، وأكل الخبز والزيتون، وكان آخر من يرفع يديه عن الطعام تأدباً . ومع أنه عزف عن الدنيا وما فيها، فلم يكن له أن يحمل قلبه على سلوان وطنه، بل ظل وفياً له نزاعاً إليه. فكان يردد دائماً قوله: «ما قاسيت، فيما تركت، شيئاً أشد على من مفارقة الوطن». و كان فارساً شجاعاً ومقاتلاً باسلاً. رابط فى العواصم والثغور، وخاض المعارك ضد البيزنطيين متخذاً شعاره قول الله تعالى: «وقاتلوا فى سبيل الله، واعلموا أن الله سميع عليم» وقوله، «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتاً، بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون». وشارك فى غزوات كثيرة منها غزاة عباس الأنطاكي، وغزاة محكاف . وما فتئ الجهاد ينازع نفسه ويملأ شغاف قلبه، وهو يعانى سكرات الموت. قال لأصحابه عشية موته، وكانوا فى عرض البحر يجاهدون ويقاتلون البيزنطيين: أوتروا لى قوسي، فأوتروه، فقبض عليه، فمات وهو قابض عليه يريد أن يرمى العدو به . ولا عجب من إبراهيم يقضى فى ساحة الجهاد فى سبيل الله وأمته وهو القائل: «من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل» مجد إبراهيم العمل فى سبيل الكسب المشروع والرزق الحلال، وقد بلغ من تمجيده له أن اعتبره كالعبادة. كان يقول: «أطِبْ مطعمك ولا عليك أن تقوم الليل وتصوم النهار» . وروى بعض أصحابه أنهم قالوا له وهم يعملون معاً فى شهر رمضان خارج المدينة: «يا أبا اسحاق لو دخلت بنا المدينة فنصوم العشر الأواخر فيها لعلنا ندرك ليلة القدر؛ فقال: أقيموا ها هنا وأجيدوا العمل، ولكم فى كل ليلة ليلة قدر» . كان إبراهيم بن أدهم صاحب مبدأ فى التصوف يرمى إلى تصفية النفس من أدرانها وأكدارها، وتنقية الروح من شوائب الجسد والسمو بها إلى مرتبة رفيعة من التأمل والتفكير فى الله والفناء فيه والخلوص إليه لذاته، لا رغبة فى جنته ولا رهبة من ناره وإنما وجد ومحبة له، وتطلع إلى الوصول إليه، وتوق إلى لقاء وجهه الكريم، وقد عبر عن ذلك أيضاً ببعض أقواله. قال كل من إبراهيم بن بشار ومحمد بن بحر: «سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: «اللهم إنك تعلم أن الجنة لا تزن عندى جناح بعوضة فما دونها إذا أنت آنستنى بمذاكرتك، ورزقتنى حبك، وسهلت على طاعتك، وفرغتنى للتفكير فى عظمتك، فأعط الجنة لمن شئت» . وقال: «إن أحببت أن تكون ولياً فلا ترغب فى شيء من الدارين، وفرغ نفسك لله وأقبل عليه يقبل عليك» . وتوفى مجاهدا زاهدا فى بلدة سوفنن حصن من بلاد الروم سنة 162ه.