لعل أكثر من أبدوا ارتياحهم بنتائج الانتخابات هم المستثمرون وأسواق المال. ومع ذلك، فعليهم الاستمرار في توخي الحذر وتأجيل احتفالاتهم لحين متابعة تأثير هذه النتائج،وإذا كانت ستأتي بمزيد من الاضطرابات علي مجريات الأوضاع السياسية والاقتصادية بين الدول الأعضاء،خاصة تلك التي تعتقد أن أحزابها ستحقق لها المزيد من الانتصارات التاريخية. فقد انتهي الأمر بالأحزاب المؤيدة لأوروبا إلي السيطرة علي 503 من مقاعد البرلمان الأوروبي البالغ عددها 751 مقعدًا، لكن مع ذلك فقد أثيرت المخاوف من أن تفتح النتائج الباب لمؤيدي فصل الوحدة الأوروبية والشعبويين للسيطرة علي السلطة وعلي ميزانيات الاتحاد ومناصبه. وبعد النتائج، كان هناك انتعاش سريع في الأسهم، لكن الأسواق فشلت في الاستفادة من تلك المكاسب. فما زال مصير اقتصاد منطقة اليورو معلقا بالدعوات التي انتشرت بسرعة الصاروخ لإجراء انتخابات مبكرة داخل عدد من دول الاتحاد بعد نتائج البرلمان الأوروبي، خشية أن تعيد هذه الانتخابات رسم الخريطة السياسية في هذه الدول. ومن المقرر إجراء الانتخابات في بولندا بحلول نوفمبرالمقبل، وسيتوجه الناخبون في النمسا إلي صناديق الاقتراع في سبتمبر المقبل بعد انهيار الحكومة. ودعت اليونان كذلك لانتخابات مبكرة قبل أيام، كما قد تحذو إيطالياوبريطانيا حذوهم. ففي هذه الدول، بما في ذلك النمسا واليونان وبولندا، تعتبر نتائج برلمان الاتحاد الأوروبي مؤشراً علي اتجاه التصويت في الانتخابات الوطنية في وقت لاحق من هذا العام وهذا قد يعني الفوز لحزب الشعب المحافظ في النمسا والرابطة اليمينية المتطرفة في إيطاليا وحزب الديمقراطية الجديدة في اليونان. وفي بريطانيا، يمكن لحزب المحافظين الحاكم أن يري نفسه خارج السلطة، بعد أن تحمل الصخب من حزب «البريكست» الجديد المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإيطاليا بشكل خاص تتصدر قائمة الدول التي تثير القلق. وبعد أن واجهت الحكومة الإيطالية احتمال فرض غرامات من الاتحاد الأوروبي علي الإنفاق المفرط، فقد كشف رئيس الوزراء ماتيو سالفيني ان النتائج القوية التي حققها حزبه اليميني المتطرف في الاتحاد الأوروبي، تبرر التخلي عن الحدود المالية التي حددتها الكتلة الأوروبية. ويتوقع كثيرون أن يقوم سالفيني بحل ائتلافه المنقسم ليستقل بنفسه، خاصة بعد أن أكد مؤخرا أن الانتخابات المبكرة في بلاده ستشهد تفوق حزبه علي نواب البرلمان الحاليين. و يثيرهذا الأمر التساؤل مجددا حول نوايا سالفيني في البقاء في الاتحاد أوالانفصال عنه. فالخطر يكمن في أن النزاع بين سالفيني والاتحاد الأوروبي قد أصبح أكثر عدوانية علي كلا الجانبين، مما قد يؤدي إلي تحول بعض الناس عن مواقفهم. فالسندات ذات العشر سنوات الإيطالية يتم تداولها الآن بعائدات تزيد بنحو 300 نقطة عن نظيرتها الألمانية، وهذا تحذير من أن الأسواق ستعاقب روما إذا ظهرت علامات علي تدهور السياسة. كما أنها تحقق عائدا يتجاوز 20 نقطة فقط عن السندات اليونانية ذات العشر سنوات، علي الرغم من ان تصنيفها يزيد بأربع درجات - وهي علامة محتملة علي تحول بعض المستثمرين من إيطاليا إلي اليونان. ومع ذلك، فلا يري الجميع الانتخابات المبكرة كأخبار سيئة. ويرون أن حكومة يمين وسط جديدة في إيطاليا يمكن أن تقلل من عدم الاستقرار الناجم عن المشاحنات في الائتلاف الحالي. وفي اليونان، أدي احتمال هزيمة حزب سيريزا اليساري لرئيس الوزراء أليكسي تسيبراس إلي ارتفاع أسواق الأسهم، في حين تراجعت عائدات السندات إلي مستويات قياسية قريبة من 3%. وبالفعل دعا تسيبراس إلي التصويت المبكر بعد أن تعرض حزب سيريزا اليساري لهزيمة شديدة أمام حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ المعارض في الانتخابات البرلمانية الأوروبية. وهو ما يعني رغبة اليونان الحقيقية في تحقيق إصلاح للخروج من الأزمات الاقتصادية المتوالية منذ سنوات. كما أنه من المتوقع أن يتدخل البنك المركزي الأوروبي ويدعم الكتلة بمزيد من المحفزات، الأمر الذي من شأنه تعويض أي تقلبات مرتبطة بالانتخابات. وفي كل الأحوال، فقد تعلمت الأحزاب الشعبوية واليمينية التي تختلف بشكل واضح مع الاتحاد الأوروبي، أن الأمر ليس بهذه السهولة. ففي الفترة التي سبقت الانتخابات، لم تظهر أي إشارة علي سعي حقيقي للخروج من الاتحاد الأوروبي، بخلاف بريطانيا. ولذلك، ومهما كانت النتائج أو المواجهات بين الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأعضاء، فقد ينتهي الأمر بمساومات ومفاوضات جديدة دون الانفصال الفعلي والتسبب في المزيد من الاضطرابات سواء داخل الهيئة التشريعية للكتلة المتمثلة في البرلمان أو داخل هذه الدول نفسها.