* كوارث الصناعة تحملها المبدعون .. ولولا المواهب لخرجت الأعمال «أسوأ» * حنان مطاوع وريهام عبد الغفور ودينا الشربينى وإنجى المقدم والجيار وسوسن بدر نجوم أثبتوا جدارتهم * الاستهتار بالنص أصبح سمة رئيسية.. وتجرؤ محمد رمضان على سيناريو عبدالرحيم كمال المثال الأوضح
انقضى السباق الدرامى الرمضانى لعام 2019، والذى يعد «الأسوأ والأصعب منذ سنوات»، بشهادة معظم العاملين فى صناعة الدراما المصرية، والذين اضطر عدد منهم لقبول العمل فى ظل ظروف صعبة، مثل العمل لساعات طويلة خصوصا مع تحديد عدد أيام تصوير أى عمل درامى بحد أقصى 60 يوماً. والمفارقة أنه رغم تقليل عدد المسلسلات المنتجة هذا العام (15 مسلسلا) إلا أن الأعمال التى أنتجت لم تكن بالجودة المتوقعة، فى حين أن ما تم عرضه هو 25 عملاً درامياً بعضها أعمال كانت مؤجلة من مواسم سابقة. وهناك مسلسلات لمنتجين آخرين تم إنتاجها لمصلحة قنوات «أم بى سى» السعودية، لذلك اعتبره كثيرون موسماً هزيلاً من حيث الكم والكيف. وفعليا لا يوجد مسلسل نستطيع أن نطلق عليه لقب «الحصان الأسود» فى السباق. ....................................... شهد الموسم الدرامى غياب النصوص الأصلية التى تعبر عن واقع المجتمع المصرى، كما أنه لا يوجد عمل استثنائى يشكل نقلة نوعية فى صناعة المحتوى الدرامى التليفزيونى، مثلما حدث فى سنوات سابقة حيث شاهدنا عرض أعمال من نوعية «هذا المساء»، و«أفراح القبة»، و«الجماعة»،و»العهد»، و«جراند أوتيل»، رغم أنه «فورمات» أجنبى، واقتصر الأمر هذا العام على «ثيمات» محددة لم تخرج عن (الانتقام، وتجارة المخدرات، والجريمة، والدراما النفسية)، وشهدنا غيابا تاما للدراما الاجتماعية، والتاريخية، والسير الذاتية. ويبدو أن فقر الموسم الدرامى الرمضانى فى 2019 انعكس أيضا على الكوميديا التى جاءت باهتة و»ثقيلة الظل»، ومستهلكة، حيث لم يكن هناك عملاً كوميديا واحداً يحمل مفاجأة حقيقة. وللأسف كان أغلب نجوم الكوميديا يتسابقون فى الحصول على عدد أكبر من الايفيهات المتداولة على «السوشيال ميديا». وأعتقد أنه لولا وجود نجوم وأصحاب مواهب من العيار الثقيل، ومخرجين موهوبين، وفنيين محترفين، لخرج الموسم أسوأ بكثير، فهم الذين تحملوا كل تبعات هذا الموسم الصعب. مسلسل ولد الغلابة محنة الدراما هل يستطيع أحد منا أن ينكر أن سوق الدراما المصرية كان يحتاج العديد من الضوابط، وأنه كان يعانى من بعض العشوائية؟. بالتأكيد لا، الدراما المصرية كان ينقصها الكثير من المحاولات الجادة لضبطها، خصوصا فى ظل ارتفاع الأجور، والميزانيات، وأن العملية الإنتاجية كانت تسير بعكس المنطق، بمعنى أنه كان من المفترض أن يكون هناك سيناريو جاهز، وبناء عليه يتم اختيار المخرج والأبطال والنجوم المشاركين، وتحديد ميزانية المسلسل، واختيار الديكورات وجميع التحضيرات، إلا أنه مؤخرا وفى السنوات السابقة صار السيناريو هو الحلقة الأضعف فى العملية الإنتاجية حيث كانت الفضائيات تتسابق على الحصول على توقيع نجم بعينه، ويكون لهذا النجم الحق فى اختيار من يكتب له ومن يخرج له، ومن يشارك معه من نجوم، ليس ذلك فقط بل أحيانا يتلبس النجم دور الكاتب، حيث إن بعضهم يقوم بدور المؤلف ويصوغ مشاهد بعينها لنفسه، وهو ما أدى لظهور مصطلح «الكتابة على الهوا»، وأكبر مثال معبر عن تلك الحالة من العشوائية ما قام به الفنان محمد رمضان، الذى ألف ورشة من شباب الكتاب يقومون بالتغيير والقص واللصق فى سيناريو الكاتب عبدالرحيم كمال لمسلسله «زلزال» وهو ما أدى إلى قيام عبدالرحيم كمال بالتقدم بشكوى إلى نقابة السينمائيين. هذا الأمر وغيره من التفاصيل كانت تنعكس بشكل كبير على الميزانيات وتضخمها، إضافة إلى أن كل فنان أصبح لديه جيش من المساعدين، ومسلسلات يتم تسويقها ومنتجين لا يحصلون على حقوقهم من القنوات العارضة، لذلك نحن لا ننكر أن الدراما كانت تعانى من أزمة، ولكن هل كان الحل هو احتكار شركة بعينها للإنتاج وقنوات العرض، وهل كان الحل فى نفى الآخر الذى هو الشركات الأخرى صاحبة التاريخ فى الإنتاج الدرامى، هل كان الحل فى جعل معظم الفنانيين يجلسون فى منازلهم بلا عمل؟. الإجابة بالتأكيد لا، لذلك فالسؤال الضرورى والحتمى يتعلق بالكيفية التى تم بها إدارة ملف الدراما المصرية بهذا الشكل، لأن صناعة الدراما المصرية من أهم الصناعات الرائدة فى المنطقة، والتى حققت لمصر وجودا ثقافيا واجتماعيا، وليس من مصلحة أحد تراجع هذا الدور فى ظل تقدم وتفوق ملحوظ للدراما السورية واللبنانية والخليجية. الحالة التى تمر بها الدراما المصرية، والموسم الصعب، زاده لجنة الدراما التى مارست وظيفة «غير مفهومة» بأن تحاول جعل الدراما «أكثر نظافة وأخلاقية»، حيث إن تقارير اللجنة ومشاهدتها رصدت ألفاظاً اعتبرتها «خارجة» فى بعض الأعمال رغم أنها تعبر عن الشخصيات المرسومة وطبيعتها الاجتماعية مثلما حدث فى مسلسل «زى الشمس»،ورصد التقرير ما يزيد على ألف مخالفة فى 18 مسلسل ومن بين هذه المخالفات 114 لفظا سوقيا فى مسلسل «هوجان « لمحمد عادل امام ولاحظ أن شخصية البطل هى شخصية شعبية أو لنكن أكثر دقة مهمشة و2 إيحاءات جنسية، و18 مشهد تدخين، وهى التقارير التى أثارت سخرية «السوشيال ميديا»، والعاملين فى الدراما خصوصا وأنها تخاصم ألف باء صناعة الفن. وفى ظنى أن الأمر بات يحتاج إلى وقفة جادة مع كل صناع الدراما ودون استثناء أحد، لأن الأهم هو الصناعة والعمالة التى تعمل بها، فالأمر لا يتعلق فقط بالنجوم، بعيدا عن تصفية الحسابات أو شخصنه الأمور. نجوم ومخرجون ورغم صعوبة هذا الموسم إلا أنه وكما قولنا سابقا تحمل الفنانون والفنيون تلك التبعات ولولا جهودهم لم يكن يخرج الموسم، والمفارقة المبكية والمضحكة فى آن واحد هو أن أكثر أعمال متميزة فى هذا الموسم÷ هى مسلسلات مأخوذة عن أعمال أجنبية وحسبما يقول الناقد محمود عبدالشكور فإن «حرفة السرد، وطريقة الحكى، تنوعت وتقدمت، فى مقابل ضحالة مفزعة فى المضمون، يعنى المسألة تحولت أحيانا إلى لعبة درامية خاوية، حشد من الشخصيات تتصارع بلا هوادة، وخطوط تتقاطع بلا توقف، وناس تظهر، وناس تختفى، أما الرؤية عن البشر والناس والواقع، فكل ذلك تائه أو معدوم، مجرد شكل خالص». إذا ماذا عن الأفكار؟ وهل يمكن أن تستر الصنعة غياب المعنى أو تهافت الفكرة؟ سبب ذلك فى الغالب أنهم يصنعون المسلسلات من المسلسلات، وليس من الواقع مضافا إليه رؤية الكاتب، كما كان يفعل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ورفاق جيلهما، والذين كان لهم موقف، وكانت لهم رؤية لما يحدث فى مجتمعهم، تعمقت بالخبرة الأدبية والحياتية، ثم جاءت حرفة السرد والسيناريو لتترجم هذه الرؤية، أما كتابة دراما عن دراما، فيحول المسلسلات إلى «كليشيهات» كاملة ومن بين الأعمال المعروضة إلا أن هناك ظواهر لافتة أيضا، على مستوى التكنيك والرؤية البصرية لأعمال منها «قابيل» للمخرج كريم الشناوى، وهو المخرج الذى يملك رؤية شديدة الخصوصية لعمله و«علامة استفهام» للمخرج سميح النقاش، والمخرج أحمد سمير فرج والذى تحمل عبأ البطولة الأولى للفنانة ياسمين صبرى فى مسلسل «حكايتى» و التى رغم جمالها لا يزال أمامها الكثير كممثلة وتحتاج إلى الكثير من التدريب على فن التمثيل، فى حين تألقت حنان مطاوع بشكل كبير، تؤكد عاما بعد الآخر أنها نجمة من العيار الثقيل،. نجاحها وتمكنها من أداء شخصية « عايدة» فى مسلسل لمس أكتاف» للنجم ياسر جلال، وهى الشخصية التى تحمل الكثير من التناقضات النفسية، «حنان» وزنت الشخصية بميزان حساس ولم تفلت منها فى لحظ واحدة، ووظفت تعبيرات الوجه، ولغة الجسد والصوت بمعلمة شديدة، ولمع فى هذا العمل أيضا « فتحى عبدالوهاب» فى دور حمزة، وشريف الدسوقى فى دور «عبدالمنجى». ويحسب للنجم أحمد السقا تغيير جلده فى مسلسل «ولد الغلابة» والذى بدا بداية مبشرة إلا أنه فى الحلقات الأخيرة صار أقرب إلى الهزل منه إلى منطقية الأحداث، ورسم الشخصيات وتطورها، ورغم ذلك لمعت النجمة «انجى المقدم» فى دور «صفية»، وهو الدور المغاير تماما عن كل أدوارها السابقة حيث تبدو شخصيتها أقرب إلى الشخصيات الملحمية، التى تعيش تحولات مركبة فهى فى بداية الأحداث تبدو هادئة، أقرب إلى الاستكانة والانكسار، وسرعان ما تتحول إلى نار تحرق كل من يقترب منها، ولا تعرف الرحمة طريقا لقلبها. كما قدم النجم هادى الجيار دورا مميزا فى «ولد الغلابة» حيث جسد دور عزت الدكتور صاحب الشهادة المزيفة وتاجر المخدرات الشرير والمستغل، إلا أنه ليس مجرد شرير نمطى بل أنه يملك نقطة ضعف وهى حبه ل «فرح» خريجة الجامعة الأمريكية وابنة صديقه الذى أدخله السجن، وفى داخله قسوة تريد الانتقام والعنف، إلا أنه فى كل مرة يغلبه ضعفه تجاه فرح، وجسد هادى الجيار هذه التناقضات ببراعة فى الكثير من المشاهد. أما فى مسلسل «زى الشمس» تميزت دينا الشربينى بأداء مدروس وواع للشخصية التى تجسدها، وتألقت ريهام عبدالغفور فى دور فريدة تلك الشخصية صاحبة الروح الحرة، والتى يصعب على المجتمع فك شفرتها أو تفهمها لذلك تدفع الثمن أكثر من مرة أما النجمة سوسن بدر والتى جسدت دور الأم فى حلقات « زى الشمس» تعيدنا إلى زمن الأداء الراقى لكبار النجوم والنجمات من أصحاب المواهب الكبيرة والتى نادرا ما تتكرر حيث جسدت دور الأم المكلومة بعد مقتل ابنتها من خلال عينين شاخصتين وذاهلتين ووجه شديد الذبول وانحناءة فى المشى، وخطوات ثقيلة خصوصا وأنها لا تريد أن تعترف بالفقد، كل هذه المشاعر جسدتها سوسن بدر بدون بكاء أو صراخ أو مبالغات انفعالية، وهناك أيضا محمد ممدوح فى قابيل وولد الغلابة رغم مشاكل الحلقات الأولى فيما يتعلق بصوت ممدوح إلا أنه قدم شخصيتين متميزتين. وللعام الثانى على التوالى يتفوق نجوم الأدوار الثانية على أبطال عدد كبير من الأعمال ومن بين هؤلاء على الطيب فى «قابيل»، وكريم عفيفى فى «ولد الغلابة»، ومحمد على رزق فى «أبو جبل»، وأحمد العوضى فى مسلسلى « كلبش»، ولآخر نفس»، وادوارد فى «ولد الغلابة»، وحكايتى»، وعارفة عبدالرسول فى «قابيل»، إضافة إلى النجوم الشباب فى مسلسل « زودياك» والذى شكل واحدا من مفاجآت رمضان رغم أنه عرض فى 15 حلقة ولم يحظ بدعاية كافية ومن أهم أبطاله أسماء أبو اليزيد والتي تألقت أيضا في « هوجان». المنصات الإلكترونية.. والمستقبل يسير العالم كله فى اتجاه المنصات الرقمية والتطبيقات، في مجال الدراما والسينما، وهي الخطوات التي تأخرنا فيها كثيرا، لذلك كان إطلاق تطبيق «watch it»، خطوة مهمة فعليا، ولكن الأهم وما يجب أن نطرحه هو فلسفة إطلاق تلك المنصة، وطبيعة المنتج الذي يتم بثه عليه، ويبدو إعلانها والتحضير لها لم يكن مدروسا بالشكل الكافى، ولم يتم تجربتها، أو التجهيز لحملة ترويجية أو تسوقيه تسبق الانطلاق، كما أن فكرة عرض مواد درامية متاحة على القنوات الفضائية المفتوحة عليها، هي فكرة مغلوطة وضد منطق هذه المنصات، والتى يجب إنتاج مواد مخصصة للعرض عليها فقط تماما مثلما يحدث في الشبكات الأمريكية متل «نيتفليكس»، و«إتش.بى. أو»، و«أمازون» وغيرها.