هاجرت إلى بلاد الحبشة فرارا بدينها لتظفر بنعمة التوحيد، فلما ارتد زوجها هناك عن الاسلام صبرت واحتسبت وفارقت زوجها الذى ترك دينه، وظلت قابضة على دينها وهى تعيش بين غربة الوطن وغربة الأهل، فلقد أصبحت وحيدة فى بلد الغربة لكنها كانت تأنس بربها وما هى إلا أيام حتى تنزلت عليها منحة ربانية وأرسل النبى صلى الله عليه وسلم ليعقد عليها فى بلاد الحبشة فأصبحت أما للمؤمنين وزوجة لسيد الأولين والآخرين وذلك بعد حياة حافلة بالتضحية والفداء. كل هذه الصفات والمواقف الجليلة صاحبتها الصحابية الجليلة السيدة رملة بنت أبى سفيان بن حرب وليس فى أزواجه من هى أكثر صداقا منها ولا من تزوج بها وهى نائية الدار أبعد منها فلقد عقد قرانها بالحبشة وأصدقها عنه صاحب الحبشة أربعمائة دينار.وعلى الرغم من أن أم حبيبة كانت ابنة أبى سفيان الذى كان وقتها مشركا وظل زمانا طويلا على الشرك، فإن الله الذى يخلق ما يشاء ويختار قد اختار أم حبيبة لا لتكون مؤمنة فحسب بل لتكون أما للمؤمنين وسبحان الله الذى يعلم من يستحق أن يكون عبدا له ومن الذى لا يستحق، وذلك لأن نعمة العبودية نعمة عظيمة لا تعادلها نعمة فى الوجود.أبو سفيان الذى كان سيدا من سادات قريش لم يخطر بباله لحظة واحدة أن هناك من يستطيع أن يخالف أمره ويخرج عن سلطانه ويا حبذا لو كانت ابنته التى شرح الله صدرها للاسلام فاستجابت لدعوة الحق من أول لحظة وأسلمت لله وتركت دين الآباء والأجداد. لم يستسلم أبو سفيان لهذا الأمر بسهولة بل حاول بكل ما أوتى من قوة أن يعيد ابنته وزوجها عبيد الله بن جحش إلى دين الآباء والأجداد ولكن دون جدوى، لأن الإيمان اذا لامس شغاف القلوب لا يستطيع الكون كله أن يقتلعه من هذه القلوب.فشل المشركون عندما حاولوا اقناع النجاشى بابعادهما عن بلاده وتسليمهما لمن حضرا ممثلين عن المشركين، بل انتهى ذلك باعلان النجاشى إيمانه بالله وعاش المؤمنون فى أمن واطمئنان فى بلاد الحبشة مع ملكها العادل، وعند ذلك ظنت أم حبيبة رضى عنها أن السعادة والراحة ستبدأ منذ تلك اللحظات ولم تكن تعلم أنها ستمتحن امتحانا قاسيا بعد أن ارتد زوجها «عبيد الله» عن دين الاسلام، وجلست تفكر فى مصيرها ولكن عناية الله أكبر من كل شىء، فلقد جاءت جارية من عند النجاشى لتبشر أم حبيبة بأن رسول الله يخطبها لنفسه. مرت الأيام وجاء اليوم الذى مات فيه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وظلت على عهدها عابدة قائمة صائمة وطالت بها الحياة الى أن أصبح أخوها معاوية أميرا للمؤمنين، ولما حان وقت الرحيل توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين فى خلافة أخيها معاوية.