يأتى رمضان، وتكثر البرامج الدينية،بالإذاعة والتليفزيون والفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة، تتعدد مصادر الإفتاء ويجد المشاهد نفسه حائرا بين الآراء المختلفة فتنتابه الشكوك والحيرة ويتساءل: أى الآراء أتبع؟ لحسم هذا الجدل الذى يقع فيه كثير من الناس يؤكد علماء الدين أن تعدد الآراء فى حد ذاته رحمة للأمة، لكن هناك أمرين متوازيين لابد من مراعاتهما معا، أحدهما يتعلق بمن تصدر عنه الفتوى والجهة الإعلامية المستضيفة له، والأمر الثانى يتعلق بالسائل أو المشاهد نفسه.
ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر، يجب على وسائل الإعلام المختلفة حينما تستضيف عالما فى برنامج معين للحديث عن قضية معينة، خاصة المسائل الفقهية الإفتائية، أن تعلن التخصص الدقيق لهذا العالم، وألا يكتفى بأن يقال: (أستاذ بجامعة الأزهر) فلا بد من بيان تخصصه الدقيق إن كان فقها أو تفسيرا أو حديثا أو نحو ذلك..مع العلم بأنه ليس كل أستاذ بالأزهر مؤهلا للفتوي، وهذا ليس قدحا فى شخصه، ولكنه احترام للتخصص. والأمر نفسه على الدعاة وأئمة المساجد، فليس كل إمام أو داعية فقيها ومفتيا، اللهم إلا كان متخصصا بالفقه ومؤهلا للفتوى رسميا. ثم تأتى مهمة المشاهد أو المستمع للفتوى بألا يتابع أو يسأل إلا المتخصصين، وإن تحرى وراعى ذلك ثم واجه اختلافا فى الرأى فإن هذا الاختلاف من المؤكد له وجاهته التى قد لا يعلمها السائل، أو لا يعلنها الفقيه. وعليه فللسائل أن يأخذ بأى الآراء شاء، بما يتلاءم مع حاله، على ألا يتعمد تتبع الفتوي، فكثرة السؤال من المنهيات. ويحذر كريمة من اجتراء وتطفل غير المتخصصين وأن ذلك ينتج عنه شيوع آراء قد تكون متعارضة، أو متضاربة أو متناقضة، والعيب ليس فى ذاتية الفتوى، إنما فيمن أقحم نفسه دون تأهيل حقيقى للإفتاء. قال الله عز وجل: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام، لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، (أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار)، اختيار الأيسر وأشار الدكتور محمود عبده نور، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، حينما كان يخير بين أمرين، كان يختار أيسرهما، ولذلك على المشاهد الذى يشعر باختلاف صادر عن علماء وفقهاء متخصصين، فعليه أن يتبع النبي، صلى الله عليه وسلم، ويأخذ بالأيسر، فعن عائشة رضى الله عنها قالت : (ما خير النبى صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم) فالاختلاف للرحمة، ومر المسلمون فى العصور السابقة بكثير من الاختلافات، ولم يؤد ذلك إلى بلبلة أو اضطراب، أو إلى فتاوى متضاربة، ولكن كان للتخفيف، هذا خير للمسلمين ورحمة، مادام هذا صادرا عن علماء الفقه المتخصصين، ومن هنا يجب على المشاهد، أن يتبع ضوابط مشاهدة البرامج الدينية فى رمضان، ولا يستمعها إلا من المتخصصين فى الفقه، سواء كان ذلك فى الإذاعة أو التليفزيون ويطمئن له، ولا ينكر أحد تغير الفتوى بتغير المكان والزمان، فتاوى الإنترنت وحذر د. نور، من الفتاوى عبر الإنترنت أو شبكات التواصل التى يتجرأ عليها القاصى والداني، وعن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)، وكذا الترويج لفتاوى وآراء قديمة قد لا تناسب عصرنا، وهى مسألة فى غاية الخطورة، وعلى المسلم أن يتحرى عن مصدره فى الفتوى، ومدى صحتها، لأنها مسئولية ليست بالسهلة، وليس له أى عذر فى هذا التهاون، لاسيما أن هناك مصادر كثيرة للتثبت من الفتوي، أولها دار الإفتاء حيث لها خط ساخن وبوابة إلكترونية من السهل الدخول عليها، وكذا الأزهر ولجان الإفتاء الرسمية المختلفة على مستوى الجمهورية، فما الذى يلجئنا إلى الفتاوى ذات المصدر المجهول؟. وقال لا ينبغى للمسلم أن يستسهل فى التعامل مع دينه إذا ما تعرض لمسألة تعجل فى أخذها من على الإنترنت دون أن يستوثق من مصدرها، ومن صحتها، فما أدرانا أن هذا الرأى صحيح وأنه بالفعل قاله فلان، وحتى إن كان صحيحا فقد يكون غير مناسب لحال السائل، لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص وما يناسب شخصا قد لا يناسب آخر، لذا فكثير من الفتاوى لا يصلح فيها القياس، كما أن العلماء وحدهم هم الذين يقيسون، حتى لا يقع المسلم فى حرج فقهي.