ما أحوجنا إلى أن نأخذ من ماضينا دروسا وعبرا نتعامل بها مع حاضرنا ومستقبلنا، وفى كتاب تقويم النيل لأمين باشا سامى عثرت على هذه القصة الغريبة: كان مفتش الزراعة بمديرية المنوفية حائرا فى كيفية التصرف مع أحد كبار الأعيان الذى أهمل فى زراعاته، فظهرت فيها الحشائش الضارة، فقد لفت نظره عدة مرات ولكن لم يبد أى استجابة أو اهتمام بالموضوع. ولما يئس المفتش من الأمر أرسل رسالة إلى الوالى محمد على الجالس على عرش مصر فى مكانه بالقلعة، يقول فيها إن الحشائش كثرت فى غيط الوجيه فلان وأنه لا يستجيب لملاحظاته، ولا يستطيع أن يوقع عليه جزاء لمكانته ونفوذه. فماذا فعل محمد علي؟, أرسل الباشا رسالة إلى الوجيه فلان المشكو فى حقه، قال له: لقد ورد إلينا أن غيطك به حشائش، وأن مفتش الزراعة لم يستطع أن يقنعك بإزالتها، فدعنى أسألك كيف يتقدم الوطن وغيطك به حشائش؟ وختم محمد على باشا رسالته إلى الوجيه يطلب منه رعاية زراعاته على الوجه الأمثل حتى لا يتعطل تقدم الوطن. انتهت الحكاية. فانظر إلى تصرف مفتش الزراعة الذى شعر بجسامة مسئوليته عن أى خطأ فى أى أراض زراعية يشرف عليها وجرأته فى أن يخاطب الباشا نفسه ويحيل إليه المشكلة!. وانظر إلى الوالى الذى لم يستصغر الشكوى أو صاحبها، وإلى طريقته الودية فى مخاطبة المشكو فى حقه وتوعيته وتبصيره بأهمية المشكلة دون زجر أو لوم أو عقاب، وقد حمله مسئولية تعطيل الوطن عن التقدم!. هذه الرؤية الشاملة والإخلاص الحقيقى للوطن كانا سببا فى أن تنهض مصر وتحتل مكانة كبيرة بين الأمم فى عصر محمد على. لمزيد من مقالات فوزى عبد الحليم