مهنة «المسحراتى» تكاد تنقرض فى سوهاج خاصة بالمدن عاما بعد عام ليحل محلها الفضائيات وقنوات التواصل الاجتماعى، اما فى القرى فهى وسيلة تبعث على البهجة حيث يبدأ المسحراتى جولته فى الأحياء الشعبية والقرى موقظاً أهلها من خلال ضرب طبلته وصوته الجميل الذى ينطلق بأجمل الكلمات، وهو يطوف الشوارع والميادين، ويتعلق الأطفال فى القرى بشخصيته ويتلهفون عليه، وينادونه من الشرفات والنوافذ ب «عمو المسحراتى» ويطالبونه بأن ينادى على أسمائهم بعد أن يرسلوا إليه قطعا من النقود المعدنية،ومنهم من يسير خلفه بالمناطق الشعبية والقرى. «يا نايم وحد الدايم يا غافى وحد الله» و« اصحى يا نايم وحد الدايم.. رمضان كريم» و «قوموا الى سحوركم.. جاء رمضان ليزوركم». يقول سعيد بكرى 55 عاما عامل بأحد المعاهد الأزهرية إنه ورث مهنة المسحراتى عن والده الذى كان يصطحبه فى ليالى شهر رمضان للتجول فى الشوارع الضيقة والطرقات بعد منتصف الليل وانتهاء سهرات القران الكريم بدواوير عائلات قرية الرويهب بمركز المنشاة، وهو ممسك بيده مصباحا او « لمبة جاز بشريط قبل توصيل الكهرباء للقرية فى السبعينيات،حيث كانت الشوارع مظلمة، وأحيانا شمعة بالإضافة لضوء القمر فى منتصف الشهر الكريم ومعه طبلة صغيرة الحجم مصنوعة من الحديد تسمى « النقارة « لإيقاظ الصائمين لتناول السحور. ويضحك سعيد قائلا:رغم ذلك كانت أياما حلوة، الجميع متحابون وكان بعض اهالى القرية يصرون على ان نتناول السحور معهم، او يقدمون لنا سحورا نتناوله بمنزلنا مع باقى الأسرة عقب الانتهاء من جولتنا بالقرية بالكامل سيرا على الاقدام دون خوف من شيء بالإضافة للعيدية سواء النقدية وكعك العيد. وأضاف انه كان يتم إيقاظ اهالى القرية قبل انطلاق «مدفع المنع» بوقت كاف حتى تستطيع السيدات إعداد السحور فى الفرن البلدى وكانت الحياة بسيطة. وعاد سعيد ليقول: كانت القلوب والوجوه زمان تشع بالطيبة رغم الظروف الصعبة،وبعد دخول الكهرباء أصبحت أتجول فى الشوارع بسهولة ويسر، وأصبحت مهمة المسحراتى أكثر يسرا حيث كان من النادر ان تجد فى بيت راديو يعمل بالبطارية، اما الآن فالقنوات الفضائية تعمل طوال 24 ساعة متواصلة،والجميع مستيقظون والشوارع لا تخلو من الاهالى حتى صلاة الفجر ولم يعد لهم حاجة للمسحراتى. ويضيف سعيد نبرة كلها أسى انه لن يستطيع هذا العام مواصلة المهنة التى يحبها وظل يمارسها حتى العام الماضى ابتغاء الثواب من الله، وإيقاظ أهل القرية وذلك لرفض أولاده وعددهم 7 منهم 4 ذكور و3 إناث استمراره فى القيام بدور المسحراتى، بالإضافة الى ارتفاع إيجار « النقارة » التى كان يستأجرها من قرية العيساوية كل عام فى شهر رمضان من 300 الى 1000 جنيه. فى حين أكد عدد من أهالى القرى ان المسحراتى لا يتقاضى أجراً خلال الشهر الكريم، ولكن ينتظر حتى أول أيام العيد فيمر بالمنازل ومعه طبلته فيهب له الناس المال والهدايا والكحك ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد، وسيظل المسحراتى باعث البهجة مجانا، وتأثيره له طعم آخر فى هذا الشهر الفضيل.