أنا فتاة عمرى أربعة وعشرون عاما، نشأت فى أسرة طيبة لأبوين تربطهما علاقة قوية، وقد كرسا حياتهما للاهتمام بى، حيث إننى ابنتهما الوحيدة، واجتهدت فى دراستى، وحصلت على مؤهل عال، وحاولت كثيرا أن يكون بيننا حوار مثل كل بنت مع والديها، لكنهما أغلقا باب التفاهم معى، وفرضا علىّ إملاءات كثيرة، وحاصرانى فى كل تصرفاتى، وأبديا دائما تحفظا عليها، فأنا فى نظرهما مخطئة، وأوقع نفسى فى أخطاء لا حصر لها، ولذلك انطويت على نفسى، وصار لى عالمى الخاص بعيدا عنهما، والتحقت بعمل فى إحدى الشركات، وتعرفت على زميل لى أقل منى فى المستويين المادى والاجتماعى، ولم ألق بالا لذلك، وكان يكفينى أنه يحبنى، وتوطدت علاقتى به، وبمرور الأيام تعودت عليه، وظللنا على هذه الحال عاما، وتقدم لى فى تلك الفترة عرسان كثيرون، فرفضتهم تباعا، ولم أجد مبررا لتأجيلى الزواج سوى أننى لم أرتح لأى منهم، ولم أستجب لكلام أمى التى ألحت علىّ كثيرا لقبول أحدهم، لكننى لم أرد سوى هذا الشاب، وبمرور الوقت، لم أستطع إخفاء حقيقة مشاعرى نحو فتاى، وأفضيت إليها بهذا السر عندما أصر أبى على تزويجى لشاب مناسب لى، ومن أسرة متوافقة مع أسرتنا، وتعرضت للضرب والحبس، ولم أبال بأى إيذاء، وأمام موقفى الثابت بأننى لا أريد سواه، وافقت أمى على مقابلته، والحديث معه، ورتبت لقاء لهما، حتى تكون أمى على بينة من أمره. والحقيقة أنها كانت واضحة وصريحة، وفاتحته فى كل ما يخصنى، فكل أم تريد أن تفرح بابنتها الوحيدة وتطمئن عليها مع شاب صالح وعاقل لا يعرضها للبهدلة، وللأسف لم يكن ظنى به فى محله وقتها، إذ ردّ على أمى ردا حادا، قائلا: «بنتكم دى سلعة، وعايزين تبيعوها لمن يدفع أكثر، واعتبروا الموضوع منتهيا بالنسبة لى»، وكان المفروض أن أنهى الموضوع عند هذا الحد، لكنى التمست له الأعذار، فإمكانياته لا تساعده على تلبية الطلبات التى أملتها عليه أمى من ضرورة أن تتوافر لديه شقة وعمل ثابت، وما يضمن لى حياة مستقرة، وقد بادرت إلى الاتصال به، ورجعت علاقتنا من جديد، وتصورت أنه يقدر موقفى بأننى أحبه، فإذا به يعنفنى، ويقول لى إننى لن أكون له لأن أهلى يريدون تزويجى بشاب جاهز، وتجاهل حبى وإخلاصى له، وأوجعتنى كلماته القاسية التى طالما رددها على مسامعى بأن لا همّ لهم إلا المال، وتفجرت بيننا مشكلات عديدة لهذا السبب، وعلقت بنفسيتى شوائب كثيرة، ولم يكن مقبولا بالنسبة لى أن أكون معه فى العمل، فتركته، وبحثت عن عمل آخر، وهناك تعرفت على شاب جديد أخذ يبثنى حبه، ووجدتنى أميل إليه، فشتّان بين معاملة الأول الذى كال الاتهامات لأهلى، وبين هذا الشاب عذب الحديث، وهكذا تحوّلت علاقتى به إلى الحب، وكم كنت محتاجة إلى من يبثنى كلمات حانية، لا أن يعايرنى، ويشعرنى بأننى غير موجودة. وبكل أسف فإننى انجرفت مع هذا الشاب فى الكلام بلا حدود، حيث تحدثنا فى كل شىء، وكان مجرد كلام لا أكثر، ولم يصل إلى مستوى الفعل، واستمررنا على هذه الحال فى عدة مكالمات، ثمّ ندمت أشد الندم على صنيعى، ولم أتصور أن يصل بى الانحدار إلى هذا المستوى، واستغفرت ربنا كثيرا، فلست أنا التى ترتكب فعلا خاطئا بهذه الصورة. وأصدقك القول أننى برغم ما فعلته، فإننى لم أحبه، ولم أحس به مثل الطرف الأول، ولم يكن بالنسبة لى سوى وسيلة لملء «نقطة الفراغ» فى حياتى، وتركت عملى إلى مكان آخر عن طريق الشخص الثانى، ثم أنهيت علاقتى به، وحظرته من حياتى، وتخيلت أن الموضوع انتهى عند هذا الحد، لكنه لم يكن كذلك، إذ كان يسجل كل مكالماتى معه، وعندما ابتعدت عنه ابتزنى بها، وقد عرضها على فتاى الأول، مع إضافة كلام آخر من عنده، فانكسرت تماما، ولم أجد ما أدافع به عن نفسى، ونزلت من نظر فتاى الأول، الذى نعتنى بأننى غير محترمة، وسبنى بأفظع الألفاظ.. لقد انهرت نفسيا، وأحس بالذنب، ولا أستطيع أن أحيا حياتى بشكل طبيعى، ولا أدرى كيف أتخلص من هذه العقدة؟، وما هو السبيل لاستعادة نفسى، والحياة بصورة مستقرة مثل الأخريات.. إننى أموت فى اليوم مائة مرة، وأشعر أن الكل ينظر إلىّ، وكأنهم يعرفون جميعا حكايتى؟.. لقد فقدت الثقة فى جميع الناس، والدنيا تضيق حولى، فبماذا تشير علىّ للخروج من هذه الدوامة؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول: برغم صغر سنك فإنك تعيشين حياة غير مستقرة نفسيا، كلها أمواج من نار، سوف تقضى عليك إذا استمررت فى هذا الطريق، فالمسألة ليست فى الكلمات والعبارات التى تبادلتها مع الشاب غير الأمين الذى سجلها لك فقط، وإنما الأخطر فيما ستجره عليك، فالكلام يتبعه دائما فعل، فإن كان الكلام مشينا، يكون الفعل أكثر بشاعة، وبمرور الوقت يصبح أمرا خارج السيطرة، ويمارسه المرء، وكأنه شئ عادى، والمرأة التى تنخرط فى علاقة مشبوهة مع رجل تظل أسيرة له، ولا تستطيع أن تعصى أمره، وعندما تريد الخلاص منه تفاجأ بما يملكه عليها من أدلة الخيانة، فلا تجد وسيلة للفكاك منه، وهذا ما فعله الشاب الثانى الذى أوقعك فى حبائله، وسجل لك مكالمات الغرام التى لم تخل من الحديث عن العلاقة الجسدية بين الزوجين. وإذا كانت هذه حالك وأنت لم تتزوجى بعد، فكيف سيكون الأمر بعد الزواج؟.. المؤكد أن من تصنع هذا الصنيع تتمادى فيه حتى بعد الزواج، ودون أن يعلم زوجها بذلك، فالخيانة مرض نفسى يصيب جسد الحياة الزوجية فينهكه ثم يهلكه، وهى بمثابة الرصاصة الثاقبة التى تقتل كل علاقة حب بين طرفين. وبالرغم من أن الخيانة الزوجية إثم ومعصية وانحراف عن القيم الدينية والاجتماعية السليمة، فإنها قد تكون تعبيرا عن العدوانية والغضب، وسلاحا تستخدمه الزوجة ضد زوجها، وهذا السلاح مدمر بالطبع لكلا الطرفين، فالخائنة يمكن لها أن تشعر بنوع من القوة، وتزداد فى نظرها أهميتها وتقديرها لذاتها، كما تشعر بأنها قد فرغت غضبها على زوجها وأنها انتصرت عليه ولو بشكل منحرف، كما أنها قد تعتقد أن فعلتها لن تكشف لغفلة زوجها، وغالبا ما يسهل التلاعب بها وبمشاعرها، وتكون مطيعةً فى معظم الأوقات وتتسم بالتوتر دوما وانعدام الثقة فى النفس، وكل هذه الصفات تؤهلها لأن تكون فريسة سهلة هينة لرجل يعرف كيفية السيطرة على قلبها ومشاعرها وتفكيرها، وعندما تخون الزوجة أو تقع فى فخ الخيانة لا تستطيع التكتم على مثل هذا الفعل الفاضح، فهى دائمة الشعور بالذنب، وتصرفاتها قد تفضحها فى أى وقت، عندها تبدأ تغيرات واضحة فى السلوك والعاطفة نحو زوجها. وهناك أسباب محتملة لخيانة الزوجة لزوجها، لكنها بالطبع لا تبرر الخيانة، فمهما تكن الحال سيئة، فإن ترك العلاقة والانفصال عنها خير من الخيانة، سواء خيانة العاطفة والعلاقة أو أكثر من ذلك. إن اضطراب الشخصية يؤدى إلى الوقوع فى الخيانة الزوجية مثل بعض حالات الشخصية الحدية التى تتصف بالاندفاعية والسلوكيات الخطرة وتقلب المزاج والغضب. ومن مؤشرات الخيانة أن الزوجة التى تقترفها قد يتملكها التذمّر باستمرار، والذى يبدأ بالظهور بعد الخيانة؛ حيث تكون أيام التناغم بين الطرفين واحتمال أخطاء بعضها البعض قد ولّت، وحلت محلها أيام يملؤها الضيق وعدم الاكتراث وتصيد الأخطاء، ثم تبدأ فى لفت انتباه الزوج لكل عيوبه فى محاولة لتخفيف وطأة الخيانة، مبررة فعلها الجسيم وخيانتها المريرة معللة لماذا اختارت أحداً غير زوجها ليكون لها سنداً وظهرا فى الخطيئة. كما أنه تقل رغبة الزوجة فى ممارسة العلاقة العاطفية مع الزوج، بل وقد تشعر بالملل وتفكر فى شخص آخر فى أثناء العلاقة، وتقضى وقتا كبيرا خارج المنزل وتنشغل عن أساسيات العلاقة الزوجيّة، وعن واجباتها الزوجية من اهتمام بالبيت ورعاية الأطفال، وبعد أن يكتشف الزوج أمرها يمر بحالة كآبة وحزن وبكاء ويبدأ باجترار الأيام التى عاشها ويسأل نفسه: هل كانت تلك اللحظات تمثيلا وكذبا؟، ويحس أنه كان مادة استهزاء فيشعر بالدونية، ويرى صورة الخيانة متمثلة أمام عينيه فتجعله غير قادر على استمرار الحياة معها، ومتى استقامت المخطئة، وتابت ورجعت إلى الله عز وجل فالحمد لله، فالتوبة بابها مفتوح, ومن تاب تاب الله عليه إذا كان صادقا، فأما إن لم يحصل منها الرجوع والتوبة واستمرت على حالها السيئة فإن مثل هذه لا ينبغى بقاؤها بل لابد من فراقها؛ لأنها ستجر عليه شراً كثيرا فى نفسه, وفى أولاده, وفى سمعته ولا حول ولا قوة إلا بالله. فى ضوء هذه المحاذير، يجب أن تعيدى النظر فى تعاملك مع الآخرين، وأن تراعى عدم الانزلاق إلى الخطأ، ولو بالكلام، فما مضى فات وانتهى، وإياك أن تعودى إلى مثل هذه العلاقات الفاشلة، ولا تفتحى المجال للعلاقات غير المحسوبة، وإذا جاءك من يريدك شريكة لحياته، ووجدت فى نفسك قبولا له، فليتبع طريقا واضحا بأن يخطبك من أهلك، وأن تمنحا نفسيكما بعض الوقت للتقارب، ثم الزواج والحياة فى هدوء واطمئنان، والله المستعان.