* بائعة صحف فقدت ابنها فى حادث فقادت سفينة الأسرة بعد أن اعتزل الأب الحياة * وفاء أجبرها زوجها على الخدمة بالمنازل لتوفر له المخدرات.. * ونادية تحملت مسئولية الأبناء الثلاثة بعد الانفصال * الدكتورة نادية حليم: أطالب وزارة التضامن بتعليمهن حرفة ومنحهن مساعدات وقروضا لإقامة مشروعات صغيرة
تشقى وتتعب دون كلل أو ملل، تشارك زوجها فى الإنفاق على المنزل وتتحمل معه مسئولية تربية الأبناء ولا تبخل بمرتبها أو ميراثها لتسير مركب الحياة وتصل بأولادها إلى بر الأمان، لكن عندما يتركها شريك الحياة وحدها فيقفز من المركب لا تتخلى عن قيادة الدفة، فمع أن الفطرة والشرائع السماوية تجعل الإنفاق على الزوجة حقا لها، لكن الواقع يكشف عن أن كثيرا منهن يتحملن وحدهن مهمة إعالة الأسرة، بما فيها الزوج أحيانا. تعمل سائقة «توك توك» - تصوير مصطفى عميرة عشرات الأمثلة يعرفها كل منا عن أمهات نزلن الى سوق العمل وهن فى ربيع العمر ليس فقط بسبب تخلى بعض الرجال عن مسئوليتهم، بل أيضاً لحماية الأسرة.. وهناك أطفال يجدون الأب يجلس بالمنزل أو على المقهى والأم تتحمل المسئولية. ما سبق يدعونا الى التساؤل حول ما حدث فى المجتمع المصرى ولماذا اضطرت المرأة المصرية للنزول الى سوق العمل لإعالة أسرتها وهل من الطبيعى أن تنتقل المسئولية كاملة لتتحملها المرأة فى أغلب الأحيان؟ كيف تحولت المرأة من ربة بيت الى رب أسرة ولماذا؟ الاجابات والتفاصيل المليئة بالحكايات الواقعية فى السطور التالية. الدراسات كثيرة والظاهرة منتشرة بين كل شرائح المجتمع، لكنها تتركز بشكل كبير بين نساء الشريحة الدنيا وتزداد يوما بعد يوم باتساع رقعة الفقر والفقراء، ومعظم الباحثين يؤكدون وفقا لدراساتهم أنه على الأقل ثلث الأسر المصرية تعولها المرأة، ولنبدأ بإحدى الحالات.. فعلى الأرض كانت تجلس السيدة هدى . أ (31عاما) فى شقتها المتواضعة بعزبة خير الله بدار السلام بعد أن هجرها زوجها وتركها مع طفليها الصغيرين ليواجهوا قسوة العيش ومتاعب الحياة. وبصوت حزين تقول : طلقنى واختفى وتركنى وأولادى بلا نفقة أو أى شيء يعيننا على الحياة. وللأسف أنا مريضة بالقلب ويرفض الأطباء اجراء العملية، لأنها تشكل خطورة كبيرة على حياتي. وكثيرا ما بحثت عن عمل وأحيانا أعمل خادمة فى المنازل، «لكن عندما يكتشف أصحاب العمل أننى مريضة يستغنوا عنى ويعطونى حسابى وأذهب لحال سبيلى والآن أفترش الأرض بلا سرير أو كرسى للجلوس ولا أملك حتى ما يسد جوع أولادى الصغار ونعيش على ما يقدمه لنا أهل الخير». زوجى بلا عمل فى استسلام وخضوع تام لإرادة المولى عز وجل، افترشت السيدة جميلة.أ. الأم المكلومة أحد أرصفة دار السلام لتبيع الجرائد والمجلات راضية بقضاء الله وقدره بعد أن فقدت ابنها وفلذة كبدها البالغ من العمر 19 عاما اثر حادث سير أليم، وتقول: الموت لا يوقف الحياة والعمل عبادة والبيت لا بد أن يظل قائما، فابنتى لا تزال فى المرحلة الإعدادية وأتمنى أن تكمل تعليمها ولن يكون ذلك الا بتوافر مصدر للرزق. ولا يمكن أن نستغرق فى أحزاننا ونعيش على هامش الحياة والحق ان اندماجى فى العمل وبقائى وسط الناس جعلنى أتغلب على الحزن على ابنى الكبير. أما زوجى فمنذ وفاة ابننا، فقد فضل البقاء فى البيت واعتزل الحياة ليعيش بلا عمل لنتحمل أنا وابنتى وحدنا مسئولية العيش دون عائل يتولى رعايتنا والانفاق علينا. والحق أن هذه الأم ضربت لنا مثلاً للمرأة القوية التى لم تنسها أحزانها مسئوليتها وواجباتها تجاه ابنتها التى لاتزال صغيرة، أما الابنة فبين الحين والآخر تساعد أمها فى هذا العمل البسيط. الأب الضال عندما يقطع الزوج تذكرة سفر بلا عودة ويذهب مع الريح مخلفا وراءه امرأة وأطفالا بحاجة إلى مأكل وملبس وسكن فهذا شىء مؤسف ومحزن ومخجل، وتقول نادية.م: مرت سنوات طويلة وأنا انتظر عودة الأب الضال الذى ترك لى بنتين وولدا فى مراحل عمرية مختلفة، لم يكن أمامى وأنا لا أقرأ أو أكتب الا العمل كخادمة منازل. الحمد لله تزوجت ابنتى الكبرى وانجبت والثانية تمت خطبتها ولم يعد لى هدف سوى أن يكمل يوسف تعليمه لينفع نفسه ويكون لى عونا، فأنا الآن أعانى أمراضاً تقعدنى أحيانا عن العمل. لكن الله لا ينسى أحدا وجيرانى دائماً يمدون لى يد العون والحمد لله مستورة. تبيع الترمس لتربية أولادها - تصوير- ايمن ابراهيم مدمن مخدرات عندما يجبر رجل زوجته على العمل كخادمة فى البيوت لتوفر له المخدرات والملذات فهناك بالطبع خلل كبير.. تقول وفاء.ع : كنت فى السادسة عشرة من عمرى عندما أجبرنى أبى على الزواج من أول عريس يطرق بابه حتى يفرح بى على حد قوله آنذاك. لم يمض وقت طويل حتى اكتشفت أن زوجى يتعاطى المخدرات وبدأ يضربنى ويسىء معاملتي.أجبرنى على بيع شبكتى البسيطة، وظل هكذا حتى بعد أن أنجبت طفلة جميلة. كنت ألجأ الى أبى »الأرزقي« ولكن اخوتى كثيرون والمسئولية كبيرة. فى الوقت نفسه كانت أمى تنصحنى بأن أتحمل. مات ولم يترك معاشا تقول أم رامي (35 عاما) من الصف بالجيزة: توفى زوجى منذ 7 سنوات ولم يترك لنا معاشاً أو أى مصدر للدخل نعيش منه، عشت فترة على الاحسان وما يقدمه لى الأقارب وأهل الخير، لكن مع مرور الوقت قررت أن اعتمد على نفسي، فالمساعدات ليست دائمة وربنا يعين كل شخص على ظروف الحياة. ولأننى فلاحة بسيطة بدأت أبيع البيض والجبن لأهل المدينة. ومنذ ذلك الوقت والأمور أفضل والحمد لله. ومنذ فترة اضطرت للبقاء مع ابنتى الصغيرة فى البيت التى تعانى نزلة معوية بعد أن تناولت طعاما فاسدا فنحن لا نملك ثلاجة لحفظ الطعام. أحياء شعبية توضح د. نادية حليم المستشارة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية: المقصود بالمرأة المعيلة، فهن إما أرامل أو مطلقات أو أزواجهن فى السجون أو فى عالم المخدرات وهناك رجال يرفضون الإنفاق، انتشرت الظاهرة خاصة بعد أن خرجت المرأة للعمل لتساعد فى الإنفاق، فانصرف بعض الرجال وتخلوا وتركوا المهمة للمرأة. ومنذ سنوات كانت لى دراسات ميدانية حول هذه الظاهرة والتى تنتشر بشكل واسع فى الأحياء الشعبية، وهناك شريحة كبيرة من النساء يعملن ثم تذهب الأموال للرجال الذين ينفقونها فى المخدرات أو الملذات، بالطبع السيدات حصلن على رعاية وحصلن على معاش تكافل وكرامة ووجهت الدولة اهتمامها لهذه الفئة البسيطة التى ليس لها شكل الأسرة، لغياب دور الأب الذى عادة ما يسيء العلاقة الزوجية ولا يشعر بالمسئولية ويترك مهمة الانفاق الى المرأة، أما الأولاد فكثيرا ما يتعرضون للضياع والانحراف، وأتمنى أن تقدم وزارة التضامن حلاً جذرياً لهذه الظاهرة بتعليم المرأة المعيلة حرفة من خلال مراكز مهنية ثم تعطيهن قروضا متناهية الصغر لتعتمد على نفسها من خلال مشروعها الصغير، فالإحسان ليس هو الحل. ثقافة المخدرات تفسر الدكتورة سهير عبد المنعم الأستاذة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية سبب انتشار عمالة المرأة فى المجتمع لعدم وجود عائل إما لفقده أو مرضه أو خنوعه، وهناك ظاهرة أخرى لا أحد يرصدها وهى الرجل موجود بالفعل لكنه ينتظر أن تعمل زوجته لتعطيه المال. ومنذ سنة 2000 الى الآن ازداد عدد السيدات اللاتى خرجن للعمل خصوصا مع انتشار المخدرات وهو ما يثبت أن المرأة قوية تستطيع العمل داخل وخارج البيت، وأنواع العمل متدنية لدى هذه الشريحة معظمهن خدم بالمنازل وبعضهن يروجن مخدرات، فمثلاً هناك حالة لسيدة زوجها أصيب بالشلل وابنتها معاقة فدعتها جارتها لترويج المخدرات. وتضيف أن الدراسات المسحية قدرت أن عمل المرأة يمثل 21% فى القطاع الرسمي، أما فى قطاع الخدمات غير الرسمية فتمثل 48،6% من قوة العمل ويأتى العمل فى المحال التجارية والصناعية فى الصدارة، يليه قطاع السياحة ثم الخدمة فى البيوت، ويرجع فقر النساء إلى ضآلة فرصهن فى الحصول على الموارد وقبولهن أعمالا لا تدر عليهن أجوراً مجزية وتعرضهن للمخاطر. وتضيف : لفت نظرى منذ سنتين عمل درامى عن عمالة النساء حيث قالت احدى السيدات: «أتمنى أكون راجل أقعد فى البيت وألاقى حد يصرف علي، أنا باشتغل وأصرف على أبويا وأخويا«. أسباب جذرية ترصد الدكتورة مجدة إمام حسنين مديرة مركز التخطيط الاجتماعى والثقافى بمعهد التخطيط القومى بعض الأسباب الجذرية لانتشار الظاهرة أولها سوء اختيار الزوج من الطرفين ويترتب على ذلك أن يهجرها، وهو نوع من الانفصال غير الرسمي، أو يطلقها. والثانى ارتفاع نسبة البطالة فتضطر المرأة للخروج للعمل وهى مسألة منتشرة بين الشرائح الفقيرة نتيجة الفقر أو الهجر أو الطلاق. كما تلعب زيادة حجم الأسرة دورا فى الظاهرة التى تتنامى بسبب الجهل وعدم التعليم. وتدعو الأسر المصرية إلى عدم إجبار بناتها على الزواج من شخص غير قادر على تحمل المسئولية وأن تعود قيم «إحنا بنشترى راجل» للأسر عند اختيار شريك حياة لبناتهم، وتقترح عمل برامج توعية لكل الأسر فى مراكز الشباب أو من خلال وزارة التضامن. وصاية الرجل وتصف الكاتبة الصحفية فريدة النقاش قضية المرأة المعيلة بأنها ظاهرة خطيرة وواسعة، وطبقاً لما هو متاح لدينا من أرقام تشكل المرأة المعيلة أكثر من 31% من نسبة الأسر، وللأسف لدينا قانون أحوال شخصية عفا عليه الزمن، وهناك بعض المسائل لا يقترب منها كوصاية الرجل على المرأة وقد قدمت الحركات والمنظمات الحقوقية النسائية مبادرات ومشاريع كثيرة، ففى القانون الرجل ينفق والمرأة تطيع، لكن الواقع يعكس شيئا آخر فالغالبية العظمى من النساء سواء عاملة أو غير عاملة تساعد فى الإنفاق، فالمرأة فى الريف تعمل فى الحقل وفى البيت ولا تتقاضى أجراً والمرأة فى الحضر تعمل خارج المنزل لتساعد فى الانفاق ثم «هناك الوردية الثانية فى حياة المرأة العاملة». وتضيف: نحن بحاجة الى تغيير جذرى وحقيقى فى قانون الأحوال الشخصية وأن تحل النظرة الموضوعية والعادلة محل النظرة الذكورية، ولابد من اعادة ترتيب الأمور بحيث نعزز فكرة احترام الأسرة واعالتها بالمعنى الواسع ليس بمعنى الانفاق عليها فقط ولكن أيضاً احترام المرأة وعدم التعامل معها على أنها منافس والتأكيد على فكرة الاحساس بالمسئولية والبناء المشترك للأسرة واحترام كرامة الآخر وعلى رأسهم المرأة على أجندة العلاقات الانسانية وعلى أجندة المجتمع كله. الرجل فى البيت تقول انتصار السبكى باحثة وخبيرة فى ملف قضايا المرأة المصرية : هناك تفسيرات لظاهرة المرأة المعيلة فى المجتمع المصرى اما أنها موجودة بالفعل ولكن لم تجد التركيز الاعلامى على ابرازها، إما نتيجة ما يتبع الثورات من كساد تترتب عليه مشاكل اجتماعية واقتصادية وخلافات زوجية وحالات انفصال وطلاق. وهناك ظاهرة المرأة المعيلة فى بعض البيئات الخاصة فى المجتمع المصرى هذه البيئات تقوم المرأة بالعمل ويجلس الرجل فى البيت يأخذ أموالها وينفقها على مزاجه. وهى ظاهرة قديمة ومنتشرة منذ زمن بعيد. هذه البيئات تحتاج الى تركيز المراكز البحثية والاعلامية معا لدراسة الظاهرة من الناحية الاجتماعية والاعلامية فى توعية ولفت انتباه الرجال فى هذه المناطق الى دورهم المجتمعى والدينى المنوط بهم تجاه أسرهم ويذكر للحكومة المصرية متمثلة فى وزارة التضامن أنها حددت معاش كفالة وكرامة للمرأة المعيلة. ولم تكتف بالمرأة بل حددت مبالغ مالية لأولادها فى مراحل التعليم المختلفة شريطة ألا يتسربوا من التعليم وتعد هذه خطوة مهمة على طريق حل المشكلة وابرازها لمعالجتها علاجاً جذرياً. مجتمع مترابط يقول الدكتور اسماعيل شاهين، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: ظاهرة المرأة المعيلة خطيرة للغاية فكثيرا ما نراها تكد وتتعب من أجل أسرتها وهذا ما يستوجب دوراً أكبر للدولة والمجتمع المدنى للتخفيف من عبء هذه المرأة، وقد قدم الدين حلولا جذرية فالدين يقول ان المجتمع المسلم مجتمع مترابط، الغنى يعطى الفقير ووجوب اخراج أموال الزكاة والصدقات لمستحقيها، فقد قال المولى جل جلاله «وتعاونوا على البر والتقوى». هناك شىء من التعاون بين الناس ولو التزمنا باخراج الزكاة لمستحقيها لما وجدنا فقيراً واحداً. ولهذا لا بد من وجود آلية للمستحقين بأن تكون فى كل حى لجنة منضبطة تتبع الأزهر أو وزارة الأوقاف أو احدى الجمعيات الخيرية المعترف بها وتعمل على مصلحة المسلمين. لكن التساؤل الملح وكما أرى وأشاهد وأعرف كثيرا من الرجال الذين تخلوا عن مسئولياتهم ويكلفون أولادهم بالتسول والتنطع على البيوت وينفقون من عمالة زوجاتهم. وفى القرآن الكريم «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم». والرجل الذى لا يعمل ولا يتحمل المسئولية فلا أقل من أن يوصف بعدم الشهامة والمروءة وكلها صفات تأباها النخوة والإنسانية. .. أخيرا، عندما تضطر المرأة للخروج للعمل لتعول أسرتها، فهناك بالقطع رجل تخلى عن دوره وشهامته ونخوته ومروءته. عندما يقطع الزوج تذكرة سفر بلا عودة ويذهب مع الريح مخلفاً وراءه امرأة وأطفالا بحاجة الى مأكل وملبس وسكن فهذا شىء مؤسف ومحزن ومخجل، عندما يجبر الزوج زوجته للعمل كخادمة فى البيوت لتوفر له المخدرات والملذات فهناك خلل كبير.