فى ورشة صغيرة فى قلب خان جعفر بحى الحسين يستقر فنان هو واحد من قليلين يعٌدون على أصابع اليد الواحدة فى العالم كله فى خراطة السبح اليدوية. ينحت بالصبر فى كتل من أحجار كريمة ليخرج من قلبها حبات من أشكال وألوان تمر عليها أصابع المسبحين والمستغفرين والحامدين .. فينال مع الصبر الأجر والثواب و الأجرة أيضا. هنا على كرسى صغير يرتفع عن الأرض بقليل يجلس الحاج ناجى أمام مخرطته الخشبية التى صنعها بيديه وصنع أخرى مثلها تماما لابنه مصطفى الذى ورث كل شيء عن أبيه ماعدا التدخين وعشق القهوة. يقول عم ناجى بفخر إن مخرطته هذه دونت بنفس هيئتها على جدران المعابد الفرعونية وتم تنفيذها بالضبط وعاش عليها «أسطوات» و فنانو خراطة الخرز فى العالم. و بعد الدمار الذى لحق بالعراق خسرت المهنة عددا من الحرفيين المهرة لتصبح بذلك مخرطته وأنامله من نوادر العمل اليدوى الفنى فى العالم. صحيح أن المنتج الصينى اكتسح السوق إلا أن الفن الحقيقى الذى يقدمه عم ناجى مازال يجد زبائن فى الخليج العربى الذى يعرف كثيرون من أهله قيمة هذا الفنان، بل ويستأمونه على كميات من الكهرمان والأحجار الكريمة التى يرسلونها له لتعود إليهم فى هيئة تحف فنية ملضومة فى خيوط. وكل ذلك دون أن يلتقوه ولو لمرة واحدة. وبعد أن قضى ناجى فى هذه المهنة سنوات عمره ما بين طفولته وشيب شعر رأسه وهو منكفئ عليها، يجزم اليوم بأن كل حجر تعامل معه كان يبوح له بسر من أسرار الصبر.