رغم الصراعات والحروب التى يصنعها أصحاب المصالح السياسية، يبدو أن الإنسانية هى المعيار الأساسى رغم اختلاف الأديان والأجناس والثقافات، خاصة فى الدول التى تنصهر فيها جنسيات مختلفة، لنجد الدعم الإنسانى قبل المادي. وهو ما ينعكس فى الأزمات والكوارث. ففى أول صلاة جمعة بعد حادث إطلاق النار الجماعى الذى استهدف مسجدى كرايست تشيرش فى نيوزيلندا، سارع يهود نيوزيلندا، لأول مرة فى التاريخ، بإغلاق أبواب المعابد فى أول سبت بعد المذبحة، فى حين حرصت الجالية اليهودية فى دولة مثل أمريكا على تأمين مساجد المسلمين للسماح لهم بالصلاة تعبيراعن تضامنهم. وشارك المئات من غير المسلمين أهالى ضحايا الهجوم فى الوقوف دقيقتين حدادا على أرواح الشهداء. واحتراما للدين الإسلامى الحنيف، ارتدت العديد من السيدات الحجاب والثوب الأسود ومن بينهن جاسيندا أرديرن رئيسة الوزراء التى باتت نموذجا للتضامن و القيادة الإنسانية، خاصة بعد كلمتها التاريخية أمام مسجد النور. وبعد كارثة حريق كاتدرائية نوتردام فى باريس، أعربت الطوائف الدينية الرئيسية فى فرنسا - المسيحيون والمسلمون واليهود- عن حزنهم العميق ومواساتهم لهذه الفاجعة. والجدير بالاحترام والتقدير أن مانحين كرماء تعهدوا بتقديم مليار يورو لإعادة بناء الصرح الفرنسي، فى الوقت الذى دعت فيه الجالية المسلمة فى فرنسا والقيادات الدينية الأخرى إلى المساعدة والتبرع. فدعا كامل قبطان رئيس مجلس مساجد إقليم «رون» الجالية المسلمة إلى التبرع «لترميم هذه التحفة المعمارية التى هى مجد بلدنا»على حد وصفه. وفى أكتوبر الماضى ، ظهر تعاطف مسلمى أمريكا جليا بعد حادث إطلاق نار استهدف معبدا يهوديا فى مدينة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا والذى أسفر عن مقتل 11 شخصا وإصابة 6 أخرين،حيث أطلقت المنظمات الإسلامية حملة تبرعات عبر الإنترنت لجمع 120 ألف دولار لصالح ضحايا الحادث، فى إطار التضامن بين الأديان، وتوجيه رسالة تعاطف قوية إلى الجالية اليهودية بأنه لا يوجد مكان لأى شكل من أشكال الكراهية والعنف فى أمريكا أو فى أى مكان فى العالم.» وفى فبراير عام 2015، وقفت الجالية المسلمة فى الدنمارك وقفة رجل واحد تضامنا مع اليهود عقب وقوع هجومين على معبد يهودى ومركز ثقافى بالعاصمة الدنماركية «كوبنهاجن»، حيث شارك عدد لا يحصى من المسلمين فى مسيرة قام بها عشرات الآلاف من الدنماركيين احتجاجا على التهديد المتنامى للعنف المعادى للسامية فى المنطقة. وأكد إمام المركز الإسلامى الدنماركى بالعاصمة حينئذ أن الجالية المسلمة فى الدنمارك تعبر عن تضامنها مع الجالية اليهودية، مشيرا إلى أن الهجمات استهدفت كل يهودى ومسلم ومسيحى وامتدت فكرة التضامن إلى النرويج والسويد، حيث تحدثت القيادات الدينية، خاصة المسلمة دفاعا عن اليهود. وفى أوسلو، أنشأت الجالية المسلمة سلسلة بشرية من السلام والتضامن حول الكنيسة الرئيسية فى استعراض للدعم. وفى كوبنهاجن، زار العشرات من الأئمة المعابد اليهودية، تعبيرا عن االتضامن بين الجالية اليهودية والمسلمة. وتأكيدا على التسامح الدينى بين الشعب الواحد، أطلقت عام 2010 مبادرة لإنشاء مشروع «البيت الواحد» الذى يهدف إلى بناء أول بيت للعبادة فى قلب العاصمة الألمانية برلين ليضم مسجدا وكنيسة للمسيحيين، ومعبدا لليهود . والمتوقع أن يتم بناء البيت فى كنيسة القديس بترى الأثرية. وتجاوزت حملة التبرعات لتنفيذ المبادرة التى تواجه العديد من الصعوبات المالية حصيلة واحد مليون يورو بفضل أكثر من 1700 متبرع . ورغم عدم تنفيذ المشروع حتى الآن فيكفى روح الحب والسلام والوحدة التى يعيشها المعتدلون من مختلف الأديان ليس فى ألمانيا فحسب بل فى كل بقاع العالم.