ما ان يطرق اسم التتار أسماع أبناء المشرق والمنطقة العربية حتى تتقافز إلى الاذهان أبناء المغول والتتار الذين عاثوا فسادا فى هذه المناطق فى بداية القرن السادس الهجرى بقيادة جنكيز خان. وفى ذلك ظلم بَيٍن لأبناء تتارستان المضيافة ، المحبين للعمل والسلام الذين اعتنقوا الإسلام طواعية مع بداية القرن التاسع الميلادي، بل هناك من يقول ان ذلك حدث قبل هذا التاريخ بسنوات طويلة . فماذا تقول الحقائق التاريخية وما تيسر لنا من شهادات ووثائق حول هذه القضية الجدلية التى كان الواقع حسمها منذ قرون طويلة مضت ؟ فى لقاء حرصنا على ان يجمعنا مع البروفيسور اسكندر جيليازوف مدير معهد الانسكلوبيديا التتارية التابع لاكاديمية العلوم لجمهورية تتارستان، استمعنا الى شرح واف للفروق الإثنية والطائفية والاجتماعية بين أولئك التتار من القبائل التى جرى ضمها قسرا الى جحافل المغول خلال غزواتهم التى نُكبت بها المنطقة العربية ومساحات شاسعة من الاراضى الروسية خلال القرون الاولى من الالفية الثانية ، وبين من يسمونهم بالتتار الذين جمعتهم مملكة البولغار من مجموعة الشعوب الناطقة باللغة التركية . وبعيدا عن السقوط فى شرك التنظير فى مقال فى غير مقام، نقول ان لفظة «التتار» تطلق على الكثير من القبائل الناطقة بالمغولية ومنها التتار فى شرق اسيا قبيل تشكل الامبراطوية المغولية بقيادة جنكيز خان، على خلفية عداء سافر من جانبه، لأولئك الذين اتهمهم باغتيال والده. وقال البروفيسور جيليازوف بضرورة التمييز بين التتار الناطقين بالمغولية والتتار من المجموعة الاثنية الناطقة باللغة التركية. وأضاف ان جنكيز خان لم يكن راضيا عن ضم القبائل التترية الى حملاته. وهناك من المصادر الصينية التى جرت ترجمتها الى الروسية تقول ان التتار فى مجملهم ينقسمون الى ثلاث مجموعات ومنهم «التتار البيض» الذين استوطنوا الصحارى الجنوبية بمحاذاة سور الصين العظيم ممن وقعوا تحت تأثير الثقافات الصينية . وهناك «التتار السود» ممن عاشوا فى البرارى وكانوا على عداء مستعر مع أقرانهم «البيض»، فضلا عن قبائل التتار التى استوطنت جنوب سيبيريا وعملت بالصيد من الشعوب التى تحمل اليوم اسماء قوميات البوريات والتوفيين والايفينكيين. ما يهمنا هنا هو توضيح ان التتار الناطقين بالمغولية جرى تسخيرهم مع ممثلى القبائل الاخرى للقتال فى صفوف جحافل المغول بقيادة جنكيز خان الذى كان حريصا على ان يكونوا فى مقدمة قواته لسببين: اولا :ايمانا من جانبه بقدراتهم وشجاعتهم واتقانهم لفنون القتال، وثانيا للتخلص من أبرز مقاتليهم وتصفية لثأر قديم وهم الذين كانوا وراء اغتيال والده. واستطرد البروفيسور جيليازوف ليؤكد ان التشوش والخلط المتعمد الذى ينال من مكانة وتاريخ التتار، لم يقتصر على المنطقة العربية تحت تأثير ما اصابها من دمار وخراب إبان غزوات جنكيز خان، بل نجده ايضا موجودا لدى الكثيرين من ممثلى شعوب الامبراطورية الروسية وحتى سنوات انهيار ما سمى ب«الاورطة الذهبية» وما كان مقدمة لتشتت قبائل التتار وظهور ما كان يسمى بخانات التتار فى كل من سيبيريا والقرم واستراخان وحوض الفولجا، الى جانب مناطق مودوفيا ومارى إل وتشوفاشيا وتوفا التى صاروا ينسبون فيها التتار المقيمين فى هذه البقاع الى الشعوب التى تقطن هذه المناطق. ما استمعنا اليه خلال زيارتنا الاخيرة لقازان، وهى زيارة تستمد بداياتها من زيارات سابقة كثيرة قمنا بها الى هذه الديار الطيبة على مر سنوات طويلة بداية من النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضي، يقول ان علاقاتنا مع الاشقاء فى التاريخ والعقيدة تعود الى أيام الصحابة إبان سنوات الفتوحات الاسلامية لمنطقة القوقاز وما وراء النهر وخوارزم وفرغانة فى آسيا الوسطى، وإن كان هناك من يقول انها تعود الى سنوات بعثة أحمد ابن فضلان مبعوث الخليفة العباسى المقتدر بالله الى مملكة البُولْغَار بناء على طلب خان البولغار، وملك الصقالبة (الامير فلاديمير حاكم روسيا) فى عام 922 ميلادى وانطلاقا من هذه الاقوال، المتضاربة فى الكثير من جوانبها، والمثيرة للجدل تجاه بعض مضامينها حول الاصول التاريخية والانتماءات الاثنية، نقول ان ما يعنينا هنا يتمثل فى نقل ما يؤكده شعب تتارستان حول اصولهم الاثنية المرتبطة بالمجموعة الناطقة باللغة التركية بعيدا عن تشوهات تاريخ القبائل التتارية من المجموعة الشرقية الناطقة باللغة المغولية، كما أشرنا عاليه. وفى هذا الصدد يتوقف الكثيرون من أبناء التتار عند انتساب تتار العصر الحديث الى مملكة البولغار فى حوض نهر الفولجا خلال القرون من العاشر الى الثالث عشر بالكثير من الارتياح والفخار ، وما صار فى مقدمة الاسباب التى تقف وراء الصحوة الثقافية التى تعيشها اليوم مدينة بولغار التى وضعتها اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي.