لم تعد الأزمة في سوريا مقصورة علي الصراع بين السلطة الحاكمة وقوي المعارضة المحلية , حيث دخلت علي خطوطها دوائر خارجية, لكل منها هدف أو أكثر يسعي إلي تحقيقه. ووسط المعارك التي بدأت تتصاعد بين الطرفين الآن, سطع نجم مقاتلين ينحدرون من دول عربية مختلفة, معظمهم ينتمي إلي التيار الإسلامي, بعد فتوي بعض شيوخه بأن الجهاد ضد نظام بشار الأسد فريضة. بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع هذه الفتوي, لكن نتائجها الظاهرة تثير علامات استفهام كثيرة حول قضايا مهمة. لأن ذهاب عشرات من الشباب العربي أو أكثر, من مصر والأردن وفلسطين والعراق.., للقتال ضد نظام بشار, يعزز البعد الاقليمي للأزمة السورية, الذي تسعي قوي كبري للوصول إليه منذ فترة, واستثماره في وضع قواعد لتوازنات جديدة في المنطقة. كما أنه يكشف حجم التناقض داخل الحركات الإسلامية التي تؤيد هذا الاتجاه, مباشرة أو مواربة, لأنها لم تتبن فتاوي مماثلة سابقة أكدت محاربة اسرائيل, التي تحتل أراضي عربية( فلسطينية وسورية ولبنانية) وقامت بشن حرب علي غزة سبقتها بأخري علي لبنان قبل أعوام قليلة. ولم تتوان عن القيام بغارات وانتهاكات متقطعة داخل الأراضي الفلسطينية واللبنانية. وقتها لم نسمع ضجيجا عن زحف أي من جيوش( شباب) الحركات الإسلامية لنصرة أشقائنا في فلسطين أو لبنان. ما يدور علي أرض سوريا الآن يمكن أن يكون مقدمة لإعادة انتاج ظاهرة الأفغان العرب تحت مسمي السوريون العرب. وهناك أوجه شبه متعددة, ربما تدفع للوصول إلي حصيلة متقاربة. ففي الحالتين, تم ارسال شباب ينتمي إلي جماعات اسلامية متباينة تحت سمع وبصر جهات عربية رسمية ومباركة أمريكية, بذريعة تقديم مساعدات انسانية. وهو ما تؤيده التقارير التي نشرتها جريدة التحرير مؤخرا حول سفر شباب مصري ينتمون مثلا ل( حازمون والجماعة الإسلامية والجهاد والإخوان) إلي سوريا ولم تجد تكذيبا أو نفيا قاطعا منهم. كما أن موسكو كانت لاعبا وهدفا أساسيا في حالة أفغانستان وشبحها يطل الآن في الأزمة السورية. وإذا كان العائدون العرب من أفغانستان مثلوا مشكلة كبيرة لعدد من الدول العربية, فإن من سيعودون مستقبلا من سوريا قد يتسببون في مجموعة من المشكلات. أبرزها مع السوريين أنفسهم, فمهما بلغت حدة العداء لنظام بشار فلن ينسي هؤلاء أن بلدهم كان فضاء لتصفية حسابات سياسية وضمن لعبة اقليمية وعرة. الأمر الذي يعطي لاحقا ذريعة لهم ولغيرهم من مواطني أي دولة عربية للقتال علي أراض أخري بحجة مواجهة ظلم قد يقع علي إخوان لهم هناك. الحاصل أن من عادوا من أفغانستان حملوا في جعبتهم أفكارا متطرفة, تسببت في أزمات أمنية لبعض الدول العربية. والخطورة في الحالة السورية أن من سيعودون عقب حسم الأزمة, حربا أو سلما, سوف تكون متاعبهم أشد وطأة, لأن غالبيتهم علي صلة بدوائر أصبحت في الحكم ومركز صناعة القرار, بعد أن كانت في صفوف المعارضة في حالة أفغانستان. بالتالي فالتعامل معهم باللين أو القسوة سيترتب عليه دفع أثمان سياسية باهظة من قبل أصحابه. وإذا وضعنا هذه المعطيات داخل اطارها الصحيح في مصر, فإنه يجب الالتفات إلي نقطتين. الأولي, ضرورة التعامل مع ما يجري في سوريا علي أنه أزمة خطيرة, تتشابك فيها خيوط كثيرة, قد نعجز عن الفصل بين الأبيض والأسود فيها. وهو ما يستوجب الحذر في التصريحات والمبادرات. أما النقطة الثانية, يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الأزمة يمكن أن تستمر سنوات, بعد أن أصبح الانسداد الراهن وعدم الحل مطلبا لبعض القوي, بمعني أن دفع المزيد من الشباب العربي والمصري تحديدا للقتال هناك, سوف يؤدي إلي توظيف السوريون العرب لاشعال حروب جانبية, توقف تقدم أي مشروعات للنهضة علي أسس اسلامية. والاستفادة منهم لإحياء ما يوصف بحرب مكافحة الإرهاب التي ترمي إلي تكتيف مصر وغيرها من الدول العربية باتفاقيات أمنية تسمح بقبول اسرائيل والتعاون معها كمحور ارتكاز اقليمي. المزيد من مقالات محمد ابوالفضل