يبدو أننا سنظل حتى منتصف شهر يونيو 2020 نعيش أحداث الفيلم الكرتونى الأشهر فى العالم, توم وجيري, متجسدًا فى صورة بشرية.. فالقط توم وهو هنا الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية سيكمل مطاردته للفأر جيرى الذى يجسده أصحاب الضمائر التى غابت عن الحياة من مسئولى مصانع بئر السلم التى تعيد تدوير السرنجات المستخدمة حيث زاد عدد السرنجات غير الآمنة إلى نحو 23 مليون سرنجة سنويا أى نحو 8% من أعداد السرنجات فى مصر وهو ما يشكل تهديدًا واضحًا لمبادرة 100 مليون صحة والقضاء على فيروس سى بل وزيادة معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب الإيدز وفقا لإحصائية منظمة الصحة العالمية. ربما كان غياب رقابة وزارة الصحة على كيفية التخلص من مخلفات العيادات والمستشفيات وبخاصة السرنجات هو الذى أدى إلى تفاقم الأزمة بشكل كبير بعد أن أدخل بعض أصحاب مصانع المستلزمات الطبية تعديلًا خطيرًا أبدل طبيعة هذه المستلزمات وبخاصة سرنجات الحقن من أن وظيفتها نقل العلاج والشفاء للمرضي، إلى نقل الأمراض وتلويث جروح المرضي!, ويبدو أن وزراء الصحة المتعاقبين على المنصب قد فقدوا كل الأمل فى أن تفيق الرقابة الصحية التابعة لوزارتهم من غيبوبتها وتقطع الطريق على مافيا إعادة تدوير المستلزمات الطبية وتحديدًا السرنجات, فلم يجدوا أمامهم سوى الاتجاه نحو تصنيع السرنجات ذاتية التدمير فكانت البداية منذ عام، حين نجحت جهود الدولة فى جذب استثمارات من احدى شركات أبو ظبى لإنشاء مصنع لإنتاج هذا النوع من السرنجات إذ من المتوقع بدء مضاعفة طاقته الإنتاجية الحالية التى تبلغ 100 مليون سرنجة سنويا خلال الأشهر القليلة المقبلة بعد انتهاء تجهيزاته، ليعمل بمعايير منظمة الصحة العالمية للوفاء باحتياجات مصر من هذه النوعية. ولأن احتياجات مصر من السرنجات ذاتية التدمير تصل إلى مليارى سرنجة سنويا لاستخدام المرضي، وتكوين مخزون استراتيجى منها.. وإلى حين يكتمل رصيد مصر منها فقد أصدرت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، قرارا بمنع استخدام السرنجات العادية فى حقن المواطنين المرضى بداية من منتصف شهر يونيو 2020، حيث سيجرى استبدال السرنجات ذاتية التدمير, المصطلح على تسميتها أحادية الاستخدام, بتلك العادية لمنع تكرار استخدامها لأكثر من مريض، حفاظًا على مكتسبات حملة القضاء على فيروس سى بمصر وضمان عدم تولد إصابات جديدة بهذا الفيروس وغيره مما يشكل خطورة على صحة المواطنين. وتتميز النوعية الجديدة من السرنجات أنها تدمر نفسها فور استخدامها للمرة الأولى حيث إنه بمجرد خروج إبرة السرنجة من جسم المريض تنكمش مقدمتها مما يستحيل استخدامها مرة أخري، فضلا عن عدم إتاحة مكبسها مرة أخرى لاستخدامه نظرا لعدم المقدرة على عودته للحالة الأولى التى كان عليها على عكس السرنجات العادية التى تعمل على زيادة انتشار العدوى بالأمراض الفيروسية، نظرا لسهولة استخدامها مرة أخرى بجانب غياب ثقافة التخلص من السرنجة بطريقة آمنة عن ذهن المواطنين. ربما كان تسجيل الفيديو الذى انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى أخيرًا كان سببًا رئيسيًا فى صدور قرار وزيرة الصحة بمنع استخدام السرنجات العادية على الرغم من أن هذا الفيديو كان مسجلًا عن واقعة جرت قبل 3 سنوات كاملة وليست حديثة.. إذ جرى ضبط شركة كبرى بالقليوبية تمتلك مصنعًا آخر بمدينة كفر شكر لإعادة تدوير المستلزمات الطبية منتهية الصلاحية ووضع تاريخ صلاحية حديث عليها وحفظها فى مخازن تابعة لها غير مرخصة وبيعها وترويجها على أنها حديثة الإنتاج ومن بينها مليون إبرة وعبوة أدوية. عمليات الغش هذه لم تتوقف عند مصانع بير السلم بل كانت قد امتدت إلى شركات متعاقدة مع وزارة الصحة, وقت حالة الفساد التى كانت منتشرة قبل يناير 2011, إذ كثيرا ما جرى ضبط منتجات إحدى الشركات المشتركة مع دولة عربية والمسجلة بوزارة الصحة, غير صالحة للاستخدام. نقطة أخيرة تتعلق بتلك المهزلة التى لا تزال قائمة فى سوق السيدة عائشة بالقاهرة حتى الآن جسدتها سطور نشرت يوم 21 اكتوبر الماضى فى ذات المساحة تحت عنوان: فى السيدة عائشة الإيدز بجنيه, حيث يعرض الباعة الجائلون على مدمنى المخدرات 3 سرنجات مستخدمة بجنيه واحد إلا أن هؤلاء الزبائن يدركون ان هذه السرنجات جرى استخدامها من قبل، غير أن الأمر يختلف تماما بالنسبة للآلاف من المرضى الذين هم معرضون للإصابة بأمراض إضافية زائدة على ما يعانونه أصلًا وهو ما يفرض على أجهزة الرقابة تصحيح وضع خاطئ يمكن أن يتسبب فى زيادة معاناة المرضى دون ذنب اقترفوه إلا الثقة فى هذه الشركات التى حصلت على تراخيص من وزارة الصحة بمزاولة بيع وإنتاج هذه الأدوات الطبية المهمة.. الأمر جد خطير حتى لا يهدر مجرد سن إبرة المكاسب التى حققتها مبادرة 100 مليون صحة.. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولمواطنيك السلامة دائما. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش