لم تكن جريتا ثنبرج، تلك المراهقة السويدية ضئيلة الحجم تتصور أن قرارها بترك المدرسة كل يوم جمعة للجلوس علي الرصيف أمام مقر البرلمان السويدي من أجل مكافحة تغير المناخ ستتحول إلي حركة عالمية يشاركها فيها الطلاب في أكثر من 70 دولة حول العالم، وتشتهر باسم اضراب المدارس من أجل المناخ. وخلال تسعة أشهر فقط أصبحت ثنبرج (16 عاما) من أشهر النشطاء في مجال البيئة ونموذجا للإصرار والعمل الايجابي، تتجول عبر الدول الأوروبية مطالبة بالحد من الانبعاثات الكربونية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وتلتقي رؤساء الدول والبابا فرانسيس، وتلقي كلمة مؤثرة أمام منتدي دافوس. كما حظيت أخيرا بتغطية اعلامية واسعة فى أثناء زيارتها بريطانيا للمشاركة في مظاهرات المناخ التي شلت العاصمة لندن علي مدي تسعة أيام خلال آخر شهر أبريل.. ومما يزيد التقديروالاحترام لثنبرج ليس فقط ايمانها الشديد بقضايا الدفاع عن البيئة وحرصها،منذ أن سمعت لأول مرة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وهي في الثامنة من عمرها، علي الإلمام بكل الجوانب العلمية حول ما يهدد الكوكب الذي نعيش فيه، وانما لرفضها الاستسلام للقيود التي قد تفرضها عليها معاناتها من مرض متلازمة اسبرجر الذي يصنف ضمن اضطرابات مرض التوحد. ويعاني المصابون بمتلازمة اسبرجر(يرجع الاسم إلي الدكتور هانز اسبرجر طبيب الإطفال النمساوي أول من اكتشف المرض في عام 1944) من الافتقار لمهارات التواصل غير اللفظي ومهارات التكيف الاجتماعي، ويجدون صعوبة في التفاعل وفهم مشاعر الآخرين وبالتالي يظهرون تعاطفا محدودا ويفشلون في تكوين صداقات.كما يميل المصابون بمتلازمة اسبرجر نحو الارتباط ببرامج روتينية التكرار ويركزون علي اهتمامات محددة وواضحة، حيث تدفع عقولهم للتركيز والتخلص من التشتت والقلق الاجتماعي. هو إذن مرض قد يفرض علي الشخص الانزواء والانطواء خاصة في فترة المراهقة، حيث لا يتقبل الآخرون الاختلاف وينظرون إلي كل ما لا يشبههم علي انه شاذ وغرائبي. ولكن ثنبرج ،التي طالما عانت التنمر والسخرية،تصف مرضها بانه “هبة، حيث إنه يسمح لها برؤية الأشياء من منظور مختلف تماماعن الآخرين، فهي تري الأمور بالأبيض والأسود فقط ولا توجد ألوان أخري. لا تخضع ثنبرج لمصادر الالهاء الاجتماعي ولا تعرف المراوغات أو الدبلوماسية أو التوازنات، وبالتالي يكون تركيزها علي ما تدافع عنه كاملا وغير قابل للمساومة. وقد لا يظهر تأثير ثنبرج علي الساحة البيئية بصورة فورية، بمعني أن ما تسعي إليه من حد هائل في الانبعاثات الكربونية لن يحدث بين يوم وليلة، خاصة انه يحظي بقدر لا يستهان به من المقاومة من قبل الجماعات المستفيدة.ولكن لا يمكن لأحد أن يغفل تأثيرها كقدوة ومصدر الهام لكثير من المراهقين، خاصة ممن يعانون متلازمة اسبرجر.أثبتت ثنبرج أن الجرأة علي الاختلاف في وجه التطابق أمر يدعو للتقدير والاحترام لا الاستهجان والنفور. وأنه يتحتم علي المرء السعي للتخلص من فخ النمطية والقولبة التي يقع فيه كثيرون .كما أن نموذج ثنبرج يدعونا لاعادة التفكير في مسألة وصم المصابين ببعض الأمراض بالعجز وقلة الحيلة. ومثلما تري ثنبرج ان متلازمة اسبرجر «منحة» وهبها الله إياها من أجل رؤية الأمور بصورة أوضح وتحقيق هدف أسمي، يجب علينا نحن أيضا شكر الله علي نعمة التفاعل الاجتماعي وسهولة التواصل والتي ربما كنا نتعامل معها وكأنها من المسلمات ونحاول ألا نسىء استغلالها. لمزيد من مقالات هناء دكرورى