تتمثل الصناعة بمفهومها الواقعى بغض النظر عن الزمان والمكان فى مثلث القوى المتساوى الأضلاع الذى قوامه رأس المال والإدارة - الكتيبة العمالية - الآلات وأدوات الإنتاج، هذا كل لا يتجزأ وأى خلل فى أحد عناصره يؤدى إلى انهيار المثلث بالكامل. والأمر ليس موضع جدل من أن الكتيبة العمالية هى أقوى أضلاع المثلث وتقع فى قاعدته لتثبت من أركانه إذ أن رأس المال يمكن اقتراضه إذا تآكل أو استعواضه بشركاء جدد،كما أن الآلات وأدوات الإنتاج يمكن شراؤها واستبدالها وتحديثها من الأسواق المفتوحة دون حدود،أما الكتيبة العمالية فهى رأس المال البشرى الفعال فى أى مؤسسة صناعية وفى حسن اقتنائها وتطويرها تتقدم المنشأة الصناعية،إذ أن العامل هو أساس منظومة الجودة والتطوير والإبداع بل حماية المؤسسة نفسها من الأخطار الخارجية حيث يتحول عمالها إلى حماة لها فى مواجهة أى اعتداء عليها باعتبارهم أصحاب حق أصيل فى هذه المؤسسة وعكس هذا أيضاً صحيح من أن فى إهمال رأس المال البشرى تراجعا لمنظومة الجودة والتطور والإبداع بل تردى المنظومة الأمنية من داخل المؤسسة قبل أن تكون من خارجها. وقد يتصور البعض أن المسيرة الاقتصادية للمنشأة الصناعية والهادفة إلى زيادة الإنتاج كماً وخفض التكاليف نوعاً ستصل فى مرحلة من مراحلها إلى وجود تعارض بين زيادة دخول العمال والعمل على خفض التكلفة، وقد يُبرر ذلك على سبيل الخطأ أو محدودية النظرة المستقبلية إلى أن إنتاجية العامل ثابتة مما لا يوجد مبرر لزيادة دخله أو رفع الأجر المقابل لناتج العمل باعتبار أن التكلفة والعائد هى محك التقييم. إلا أن هذه الرؤية الحسابية القاصرة قد يقع فيها رئيس المؤسسة إذا كان محاسباً يتعامل مع الأرقام دون الخوض فى مدلولها الصناعي،أما الكتيبة الصناعية التى يقودها رجل صناعة فإن الرؤية ستكون مختلفة،ونحن نسلم دونما اختلاف فى الرأى فى أن التكلفة والعائد يجب أن تظل معادلتهما الحسابية متوازنة ومساحة الاختلاف فى الرأى تكمن فى أن أداء العامل قابل للزيادة فى الأداء والقيمة كلما ارتفعت إمكاناته الفنية درجة أو درجات على سلم المهارات الفنية وقيمة العمليات الصناعية الموكولة له.فمن غير المنطقى أن يتصور أن عاملاً فنياً التحق بمؤسسة صناعية عن عمر17عاماً وأهل فيها ليمارس عملية إنتاجية محددة مثل عملية لحام أو كبس لقطعة معدنية أن يظل يمارس نفس العمل حتى يصل عمره إلى 45 عاماً دون زيادة إمكاناته عن طريق الدخول فى الاستعانة بآلات إنتاجية عالية التقنية والإنتاجية. وبالقطع فان هذه الحالة -إن وجدت- فإن معناها الأوحد أن هناك خللاً كبيراً فى سياسة تنمية الموارد البشرية فى هذه المؤسسة بل إن الأمر موضع شك كبير فى أن هذه المنشأة الصناعية ستستمر موجودة على الساحة الصناعية لحين وصول هذا العامل لسن الأربعين. ويؤمن خبراء التنمية البشرية بأن دورهم الرئيسى فى إنجاح أى منشأة صناعية هو أن يقوموا بدورين متكاملين يتصلان ببعضهما اتصالاً عضوياً ينحصر شقه الأول فى الحصول للمنشأة على أفضل العناصر البشرية التى تحتاجها بالتكلفة المناسبة وينحصر الشق الثانى فى المحافظة على تفوق وتنمية رأس المال البشرى الذى تقتنيه كل مؤسسة وتفتخر به بحيث تطول دورة حياة هذا العنصر البشرى أكثر ما يمكن مع الحفاظ على تفوق الفرد من ناحية وتوفير الدخل المُرضى له طوال فترة حياته الوظيفية مع تحقيق ما يسمى سعادة العامل فى مكان عمله وبسببه. هذا الأمر لا تستطيع أى منشأة صناعية أن تصل إليه إلا بالتدريب المستمر لكل فرد فى المؤسسة طوال فترة حياته الوظيفية كما أن التدريب المستمر للفرد تأمين لمستقبل المؤسسة. بقى أن نؤكد أن قضية الإنتاج والارتقاء بمستوى الأيدى العاملة حفاظاً على رأس المال البشرى لقوى الشعب العاملة هو أمر له أولوية متقدمة فى منظومة العمل الوطنى تحقيقاً لمصالح الدولة العليا.كما أن اتحاد مصالح أصحاب الأعمال والصناعة بياقاتهم البيضاء وعمالهم بياقاتهم الزرقاء كان وسيظل المحرك الرئيسى للنهضة الصناعية المرتقبة التى تستهدفها البلاد حالياً،وفى هدير آلاتهم وجودة إنتاجهم المعبر الرئيسى لمصر على طريق الرخاء. مصر ستنهض بشعبها وكثافتها السكانية التى نرجو لها أن تتحول إلى طاقة إنتاجية داعمة للاقتصاد ومحققة لطموحات الفرد والمجتمع والدولة. تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر فى عيدهم، أول المنظومة والقاعدة التى يرتكز عليها سوق العمل فى شكله الهرمى والذين كانوا وسيظلون فى أول الصفوف للذود عن الوطن متى دعا الداعي،وهنيئاً لمصر بعمالها الأوفياء. لمزيد من مقالات د. نادر رياض