لم تفارقه الابتسامة وهو يستعد لسماع «صافرة» البداية لخوض سباق الجرى، وكانت نظرات عينيه مليئة بالتحدى لتحقيق أول أحلامه، وما إن انطلقت إشارة البدء، حتى أخذ يركض بمساعدة «المشاية» بكل قوته، وبعد تجاوزه منتصف السباق بدأت حبيبات العرق تتصبب منه، والإجهاد يظهر على وجهه، وما هى إلا ثوان معدودة حتى أختل توازنه وسقط على الأرض، مما جعله يبكى، ليس لسقوطه وتألمه، ولكن لتخوفه من عدم استكمال السباق.. إلا أن روح التحدى جعلته ينهض سريعا ويستكمل السباق حتى وصل لنقطة النهاية لتعود له ابتسامته مجددا. إنه مشهد صغير من مشاركة الطفل براء شريف، فى سباق ماراثون القاهرة لمسافة 2 كيلو الذى أقيم منذ شهر، وبالرغم من صغر سنه حيث لم يتجاوز ال 9 سنوات، فإنه أعطى درسا لمن حوله فى قوة الإرادة وأثبت أن فى اختلافه تميزا وليس إعاقة. ولحظة وصوله الى خط النهاية بدأت التحدث مع «براء» كما أتحدث مع أى طفل، ولكن سريعا ما أبهرنى بذهنه المتيقظ ولباقة حديثه وسعادته بكل ما يقوم به وعدم خجله حين اعترف لى: «وقعت وبكيت ولكن أكملت السباق للنهاية»، واتخاذه من اللاعب محمد صلاح قدوة، فشعرت إننى أتحدث مع شاب بجسد طفل، كما أدركت أن وراءه والدين لم ييأسا أو يستسلما بل قاما بفعل كل ما بوسعهما وكرسا مجهودهما كى يصبح ابنهما «البطل براء». ولمعرفة المزيد عن براء توجهت للحديث مع والدته منة سويفي، وقالت: «بدأت مشكله براء مع ولادته حيث عانى نقص الأكسجين مما تسبب فى إصابته ب «C.P.» أى الشلل الدماغى، وكان الأمر فى البداية صدمة، ولم أكن أعلم كيف أتعامل معه بشكل صحيح، مما جعلنى أعتمد على مجهوداتى الذاتية بالبحث والقراءة، وبفضل الله لم يترك الشلل الدماغى أثارا على قدراته العقلية ولكن كان التأثير الأكبر على ذراعه وساقه، لذا حرصنا على تقويتهما وهو فى سن صغيرة، حيث بدأنا معه جلسات العلاج الطبيعى منذ أن كان عمره 6 أشهر فقط، وقد حدث تحسن كبير فى ذراعه ومازلنا نعمل على ساقه بتقوية عضلاتها، وقد اجرى عمليتين جراحيتين، حيث إن أوتار الساق تكون أقصر من الطبيعى بمعنى أن العظام تنمو ولكن الأوتار لا تنمو مما يتسبب فى عدم قدرته على فرد ساقه بشكل طبيعى، مما يتطلب تدريبات محددة تكون مؤلمة جدا وحينما لا تأتى بنتيجة مما يتطلب عملية لإطالة الأوتار، ولكن للأسف كثرة العمليات ليست صحية لأنها تضعف العضلات، ولكن هناك عملية سيقوم بإجرائها بعد سن البلوغ». وحول رحلة سفره للخارج، أوضحت: «سافرنا بولندا مرتين كل منهما استغرقت شهر تقريبا، وبالرغم من النفقات المادية الباهظة والمجهود إلا فإننا لم نيأس ولم نستسلم قط، وأثناء وجودنا فى بولندا تعرفنا على رجل إماراتى، هو من أوحى لنا بفكرة «المشاية» الخلفية ذات ال 4 عجلات، التى ساعدته كثيرا فى الاعتماد على نفسه والانطلاق بحرية دون مساعدة أحد». وعن بداية مشوار براء الدراسى أكدت: «لم يكن الأمر سهلا بل كان متعبا وجارحا، فهناك بعض المدارس كانت ترفض من البداية إجراء مقابلة معه دون حتى أن يختبروا قدراته العقلية، رغم ان قدراته العقلية متميزة كما يستطيع الاعتماد على نفسه، والدليل أن المدارس التى قامت بإجراء المقابلات معه وافقت على قبوله على الفور، وهو حاليا فى الصف الثانى الابتدائى ويصنف مستواه الدراسى، طبقا لما يذكره معلموه، قرب المتميز، كما أنه إنسان اجتماعى جدا وله شعبية كبيرة وسط أصدقائه». وهنا انتقلنا للحديث عن مشواره الرياضى مع والده المهندس شريف لطفى: «بدأ بالسباحة حيث تدرب منذ أن كان عمره 5 سنوات، وذلك لأنها الأنسب لحالته وتساعده على تقوية عضلاته، ويتقدم بها بشكل كبير وقد شارك فى بطولة ودية مؤخرا ونجح فى إنهاء السباق. كما أن المركز العلاجى الذى كنا نتابع معه حاله براء فى بولندا نصحنا بأن يمارس ركوب الخيل، ورغم غرابة الفكرة بالنسبة لنا فإننا بالفعل ساعدناه على ممارسة الخيل وتبين لنا لاحقا ان الهدف منها هو ضبط الاتزان، خاصة أنه خلال عامين تقريبا سيتوقف عن العلاج الطبيعي، وستكون الرياضة بمثابة تدريب عملى له». وأضاف والد براء: «كانت أول مشاركة لبراء من خلال «ماراثون القاهرة» لمسافة 2 كيلو، وكانت المسابقة الثانية هى «كيدز رن» فى سهل حشيش، مسافة 2 كيلو أيضا، وكان براء سعيدا جدا حينما ابلغته بأنه سيشارك، وظل يلح على بأن يضاعف جلسات العلاج الطبيعي، كما كثف تدريبات الجرى قبلها بشهرين من أجل المشاركة بشكل لائق، والجميل أنه بعدما انهى السباق أصر عدد من المشاركين والجمهور على التصوير معه بهاتفى، وذلك كى يشاهدها براء لاحقا ويعلم أن من حوله يسعون للتصوير معه لكونه بطلا رياضيا مما سيسعده ويزيد من عزيمته ويدفعه لتحقيق المزيد من النجاحات». وعدنا مرة أخرى إلى والدته لنتعرف منها على معاناتها مع نظرات الناس وأسئلتهم الفضولية، فقالت: «لا شك عانيت كثيرا من النظرات الجارحة والتساؤلات التى لا هدف منها سوى التطفل وإشباع الفضول، مما كان يتسبب لى فى البداية فى أذى نفسي، إلا أننى تدريجيا أصبحت أقوي، فهناك سيدات يسألن عن سبب حالة براء، وإذا شعرت بأنه لمجرد التطفل يكون رد فعلى صادما ورافضا لإشباع فضولهن، فى حين من تأتين لمعرفة تفاصيل لحالة لأن لديها حالة مشابهة ولا تعرف كيف تتعامل معها أو تريد الاستعانة بخبرتى، فأحكى لها باستفاضة عن أدق التفاصيل وأرشدها وأنصحها وأحرص على مساعدتها». أما وعن رد فعلها إذا تعرض براء لمضايقات، فتقول: «فى البداية كانت ردود أفعال براء عصبية جدا، ولكن تدريجيا حاولت أنا ووالده من خلال حديثنا معه جعله أكثر ثقة وأقل عصبية، فكنا نحرص على أن يدافع عن نفسه بنفسه مع الحرص على إشعاره بأننا معه وإذا لزم الأمر تدخلنا للدفاع عنه.. لن نتهاون ولن نترك حقه.. ولكنى أتمنى من كل أم وأب أن يعلما أبناءهما احترام الاختلاف».