قمة تشاورية لشركاء السودان الإقليميين، دعا إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، واستضافتها القاهرة. والملف الليبي كان علي رأس أولويات اجتماعات قمة الترويكا التي استضافتها القاهرة أيضًا. وبعد جولته الخارجية التي زار خلالها غينيا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، كوت دي فوار، والسنغال، غادر الرئيس آمس الأول، إلي العاصمة الصينيةبكين، لحضور قمة منتدي الحزام والطريق، تلبية لدعوة الرئيس الصيني شي جين بينج. منذ أن صار القرار المصري يخرج من القاهرة، وليس من أي عاصمة أخري، استطاعت مصر بسياستها الخارجية المتوازنة، أن تتحرك في دوائر عديدة، شرقًا وجنوبًا وغربًا، وأن تستعيد مكانتها في إقليمها وقارتها والعالم، وأعادت صياغة علاقتها بالدائرة التي حاولت أن تبتلع العالم العربي وقارة إفريقيا والعالم كله. وكما أسقطت مصر مشروع الشرق، أو الشر، الأوسط الكبير، فإن تغيُّر موازين القوى ومنظومة القيم الضابطة للعلاقات الدولية، منع إعادة استنساخ تجارب ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأنهي عمليًا مشروعات التوسع الغربيةالأمريكية التي انطلقت بعد الحرب الباردة،. ولم يعد ممكنا تطبيق استراتيجية التوسع بإشعال اضطرابات أو توترات تنتهي بالسيطرة علي المناطق المضطربة أو المتوترة، بعد أن صعدت قوي أخري علي الساحة الدولية، واستطاعت أن تجتذب إلي مدارها نصف الكرة الأرضية تقريبًا. اجتذابًا لمزيد من الدول إلي المدارين، الصيني والروسي، تستضيف بكين قمة منتدي الحزام والطريق، كما انطلقت، آمس الأول، في موسكو أعمال الدورة الثامنة لمؤتمر الأمن الدولي، الذي تنظمه وزارة الدفاع الروسية سنويًا. بمشاركة ممثلين عن 111 دولة. وأمامهم، قال نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر: إن منظومة التكتلات العسكرية التي تشكلت خلال فترة الحرب الباردة قد تآكلت. ودعا إلي تشكيل منظومة أمنية دولية شاملة وحقيقية. والأهم، هو أنه اتهم لاعبين خارجيين غير إقليميين بالسعي إلي إعادة رسم موازين القوي في إفريقيا دون مراعاة إرادة الأفارقة أنفسهم. وأرجع حالة عدم الاستقرار التي تعيشها القارة، إلي تصارع هؤلاء اللاعبين علي مواردها الطبيعية. معروف أن سبب التنافس أو الصراع بين اللاعبين، الإقليميين وغير الإقليميين، بشأن دول المنطقة العربية، وقارة إفريقيا، هو محاولة هؤلاء اللاعبين، انتزاع نصيب أكبر من «الكعكة» التي تريد الولاياتالمتحدة أن تنفرد بها. ولأن وجود مثل هذه الصراعات يطيل الأزمات ولا يحلها، يكون علينا أن نعود إلي الكلمة الافتتاحية للقمة التشاورية، التي أكد فيها الرئيس السيسي دعم مصر الكامل لخيارات الشعب السوداني وإرادته الحرة في صياغة مستقبل بلاده، وما سيتوافق عليه في تلك المرحلة المهمة والفارقة من تاريخه. كلام سكرتير مجلس الأمن الروسي عن اللاعبين الخارجيين غير الإقليميين، يعيدنا أيضًا إلي كلمة الرئيس السيسي خلال افتتاح أعمال قمة الترويكا، التي جدّد فيها تأكيده أهمية ترسيخ مبدأ الحلول الإفريقية لمشكلات القارة، باعتبارها أكثر قدرة علي فهم تعقيدات مشكلاتها وخصوصية أوضاعها. ودعا إلي ضرورة تمكين المؤسسات الوطنية الليبية، وقوات الجيش والشرطة الوطنية، للقضاء علي الإرهاب. مع التقارب المصري الروسي، شهدت العلاقات بين مصر والصين تطورًا كبيرًا، ونقلت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، التعاون القائم بين البلدين إلي مستوي جديد، وارتفع حجم التبادل التجاري إلي نحو 14 مليار دولار، سنة 2018، بزيادة بلغت نحو 30% عن 2017، ووصل عدد الشركات الصينية التي تعمل في مصر إلي نحو 1500 شركة. كما انعقدت خلال السنوات الخمس الماضية، 6 قمم مصرية صينية جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الصيني شي جين بينج، الآولي كانت في 22 ديسمبر 2014. وقبلها لم يلتقي قادة البلدين غير 11 مرة، منذ لقاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رئيس مجلس الدولة الصيني شو إن لاي في أبريل 1955، علي هامش مشاركتهما في المؤتمر الأفروآسيوي بمدينة باندونج الإندونيسية. زيارة الرئيس الحالية للصين، هي السادسة منذ توليه الرئاسة، سنة 2014، وكانت الزيارة الخامسة، في سبتمبر الماضي، للمشاركة في منتدي الصين- إفريقيا، أحد أهم الفعاليات الاقتصادية والسياسية التي تعكس الاهتمام الصيني بالقارة الإفريقية، وتعزز علاقاتها الصينية مع دول القارة السمراء، ومصر علي رأسها. وما يجعل الزيارة السادسة مختلفة، هو أنها تأتي بعد إعلان نتيجة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، وبعد أن تم ترسيخ أركان الدولة المصرية. بالإضافة إلي كون مصر شريكًا رئيسيًا في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني سنة 2013، لإعادة إحياء طريق الحرير، وتحقيق الترابط بين 68 دولة يمر بها الطريق، إلي جانب البعد التجاري أو الاقتصادي. بتمدّد مصر، شرقًا وجنوبًا وغربًا، وباستعادتها مكانتها في إقليمها وقارتها والعالم، وبإعادة صياغة علاقتها بالدائرة التي حاولت أن تبتلع العالم العربي وقارة إفريقيا والعالم كله، وبدورها في الصراع العربي الإسرائيلي، وبموقفها الثابت من الأزمة السورية واليمنية، وبجهودها في الملفين الليبي والسوداني، وبتكثيفها التواصل والتنسيق مع أشقائها الأفارقة، لن تتيح للاعبين الخارجيين، إقليميين وغير إقليميين، أن يعيدوا رسم خريطة موازين القوي في المنطقة العربية وقارة إفريقيا، وستظل تعمل علي قطع الحبل السري الذي لا يزال يربط بعض دول المنطقة والقارة بالاستعمار القديم أو الحالي. لمزيد من مقالات ماجد حبته