كنت لا أزال طفلا فى اليوم الذى توفى فيه آينشتاين لكنى أتذكر الناس وهم يتكلمون عن حياته وموته بأصوات منخفضة. وفى اليوم التالى شهدت فى الصحف صورة لكتبه، وعليها المخطوطة غير المنتهية لعمله الأعظم غير المنجز. سألت نفسي: ما الشيء المهم الذى لم يستطع أعظم عالم فى عصرنا أن ينهيه؟ ذكر المقال أنه كان لآينشتاين حلم مستحيل، مشكلة صعبة جداً بحيث كان من غير الممكن لبشر أن ينهيها. هكذا يتحدث اليابانى الحائز جائزة نوبل ميشيل كاكو مضيفا: استغرق الأمر منى سنوات لأكتشف ما الذى كانت المخطوطة تدور حوله: «نظرية كل شيء» موحدة، عظيمة. لقد ساعدنى حلمه الذى استغرق منه العقود الثلاثة الأخيرة من حياته على تركيز مخيلتى. لقد رغبت بطريقة متواضعة أن أكون جزءا من مجهود إكمال عمل آينشتاين فى توحيد قوانين الفيزياء فى نظرية واحدة. العالم ميشيل كاكو الذى بدأ كتابه فيزياء المستحيل بمقولة آينشتاين: إذا لم تعد الفكرة من البداية عبثية فلا أمل فيها، راح يبحث عن المستحيلات الثلاثة فى الفيزياء، فهو من ذلك الصنف من العلماء الذى يمشى بعلمه وراء خياله الجامح من أجل الوصول إلى نظرية كل شيء. فيتساءل: هل يمكننا يوما السير خلال حائط؟ وقراءة أفكار الآخرين؟ والاختفاء عن أعين الناس؟ وتحريك الأشياء بقوة عقولنا؟ ونقل أجسامنا فورا عبر الفضاء الخارجي؟ إنه منذ كان طفلا كان شغوفا بهذه الأسئلة. يقول: خلال حياتى القصيرة شاهدت ما يبدو مستحيلا يصبح حقيقة علمية مؤكدة. فهل من المستحيل أن نبنى سفينة فضائية تأخذنا يوما إلى النجوم التى تبعد عنا سنوات ضوئية؟ عادة ما تعتبر هذه الأمور مستحيلة من علماء الفيزياء اليوم، فهل يمكن أن تصبح ممكنة بعد عدة قرون عندما تصبح ثقافتنا أكثر تقدماً؟ ويطرح صاحب نوبل السؤال: هل مجرد أن يكون شيء ما مستحيلاً اليوم يعنى أنه سيبقى كذلك بعد قرون؟ لقد اعتقدنا فى الخمسينيات أن القنبلة الذرية مستحيلة! يقسم كاكو فى كتابه الصادر عن عالم المعرفة المستحيلات إلى ثلاثة أصناف أولها ثقافات مستحيلة اليوم لكنها لا تناقض قوانين الفيزياء المعروفة. وبالتالى فهى ممكنة فى هذا القرن، وتشمل النقل الفورى عن بعد، التخاطر عن بعد، الاحتجاب عن الرؤية. أما مستحيلات الصنف الثانى فتستغرق آلاف السنين فى المستقبل وتشمل آلات الزمن، والسفر عبر الفضاء الفائق. ومستحيلات الصنف الثالث أشياء تناقض قوانين الفيزياء ولو ظهر أنها ممكنة فستمثل تحولا مهما للفيزياء. يقول: هذا التصنيف مهم لأن ثقافات عديدة فى الخيال العلمى تستبعد من العلماء على أنها مستحيلة تماما، فى حين أن ما يعنيه ذلك أنها مستحيلة بالنسبة لحضارة بدائية كحضارتنا. تعتبر الزيارات إلى النجوم مستحيلة لأن المسافات كبيرة جدا، لكن هذا قد يكون ممكنا لحضارة تتقدمنا بآلاف السنين. فالأشياء المستحيلة لحضارتنا ليست مستحيلة على أنواع أخرى من الحضارات فى المستقبل يقول كاكو: ركزت فى بحثى على إتمام حلم آينشتاين فى نظرية كل شيء، وشخصيا أجد العمل على نظرية نهائية يمكنها الاجابة عن الأسئلة المستحيلة فى العلم، فيما إذا كان السفر عبر الزمان ممكنا، وما يقع فى مركز الثقب الأسود، وما الذى حدث قبل الانفجار الكبير للكون. ولا أزال أحلم فى يقظتى بعلاقتى الغرامية الطويلة بالمستحيل وأتساءل: متى يمكن لهذه المستحيلات أن تصبح ضمن الأمور اليومية. هذه هى أحلام العالم اليابانى ميشيل كاكو منذ كان طفلا، فماذا عن أحلامنا وأحلام أطفالنا؟ بالتأكيد، الاجابة محزنة. يشهد عليها واقع أحلامنا الذى ينتظر دائما المعجزات من السماء بدلا من العمل على تحقيقها بالعلم حتى لو كان ذلك «المستحيل» كما يقول العالم اليابانى كاكو. لمزيد من مقالات محسن عبدالعزيز