مؤتمر صناعة الإعلام يثير أسئلة المشاركة الواسعة فى الاستفتاء قبل أن يحدث، فقد نشبت معركة حامية بين أجهزة التواصل الاجتماعى والنشر الإلكترونى من ناحية وبين مؤسسات الإعلام التقليدية على مدى أسبوعين من ناحية أخرى قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فتغريدات كتائب المعارضة على مواقع التواصل والفيسبوك تعتبر أن الاقبال الجماهيرى والصفوف الطويلة للمواطنين أمام صناديق التصويت ولجان الاقتراع مجرد حشد مصنوع وراءه كراتين الوجبات والزيت وأتوبيسات أصحاب المصالح، صنعته تأثيرات الفوتو شوب على صور جوجل وتقنيات الاعلام الحديث، أما تقارير مراسلى مؤسسات الإعلام التقليدى والقومى من صحافة وتليفزيون فرأت أن الإقبال كان حقيقة ودرسا بليغا قدمه المصريون للعالم، وأنا هنا لا أتحدث عن النتيجة، ولكنى أنقل ما شاهدته عيناى فى لجنة مدرسة محمد عمر بالهرم التى فاق التصويت فيها كل توقعاتى بالقياس لهذا النوع من الاستفتاءات الخاصة بالدساتير أو تعديلاتها، فقد جرت العادة أن المواطنين, الموالين قبل المعارضين, لا يجدون منافسة، فلا يوجد مرشح يسانده أو حزب سياسى يؤيد مبادئه، لكن بدأ شعورى بالتغيير من حماس ابنى الشاب، الذى تولدت لديه الرغبة فجأة لعدم المشاركة فى زفة التصويت والتشكيك على الفيسبوك وقرر الذهاب للإدلاء برأيه فى الصندوق، ليشهدنى على «الضغوط» التى ستملى عليه موقفه التصويتي، وحين تأملت وجوه المستفتين وتحدثت مع بعضهم وجدت أن لديهم نفس الرغبة فى الاحتكام, بالاعتراض أو بالموافقة, للصندوق، وهذا متغير جديد فى الممارسة السياسية فى مصر بعد 25 يناير، وأنا شخصيا عشت هذه الحالة فى التسعينيات، الفارق الوحيد بين جيلنا وهذا الجيل أن جيلنا كان يستفزه الأوامر بنعم من كل الجهات الإعلامية فى البيت والغيط والعمل، وجربنا أن نقول لا بعد 12 سنة من حكم الرئيس مبارك، فلم نجد لنا بطاقة انتخابية،التى كانت تجدد فى أيام معدودة فى السنة، وكان نظام خليهم يتسلوا يتسلى فى تسويد البطاقات نيابة عن الأحياء والأموات! أما هذا الجيل فلم يعدم وسيلة الرفض أو الاعتراض أو التعبير عن موقفه بالبوستات والتغريدات، ولا توجد أى فرصة للتلاعب فى التصويت بالبطاقات، وهذا الجيل بالذات وأقصد به شباب الجامعات فى العشرينيات والثلاثينيات لا تحركه معارضة ولا أحزاب، ولا ميكروباصات الوزارة ولا أتوبيسات الشركات، ولا صراخ مذيع يزعم أن مايقوله يحرك الناس، بل على العكس يشعر الجيل الجديد أن هذه مزايدات كاذبة وأن هذا البلد بلده ولا أحد يدفع له من جيبه العطايا والحقوق!. وهذا بالضبط محور الدراسات التى ناقشها الخبراء والباحثون فى الإعلام وصناعة الرأى العام، فى المؤتمر السنوى ال25 الذى عقدته كلية الإعلام بجامعة القاهرة والذى انتهت أعماله قبل بدأ الاستفتاء بيوم واحد: قال فيه أسامة هيكل رئيس لجنة الاعلام والثقافة فى البرلمان إنه لا يوجد لدينا وسائل إعلام قادرة على الحشد، وأن ما يقال عن برنامج كذا أو صحيفة كذا لم يعد لهم تأثير، وأننا مجرد متلقين لما يرد الينا، أما هويدا مصطفى أمين عام المؤتمر فقد اعترفت صراحة بأننا نلهث وراء الإعلام الإلكترونى، وكلما اعتدنا على التقنيات الحديثة فى النشر الالكترونى لتحقيق السرعة والجودة بعدنا عن المصداقية وقل تأثيرنا عند الناس، والنتيجة مخيفة كما وصفها رجل الصناعة والإعلام محمد أبو العينين أن عقول الناس تتشكل خارج أجهزة الإعلام، وهناك أجهزة مخابرات وإعلام من الخارج تملى على مراسليها فى القاهرة ما يجب أن يكتبوه أو يذيعوه عن مصر، وأن صورتنا فى الخارج كانت فى أسوأ حالاتها على مدى التاريخ قبل 30 يونيو، أما رئيس جامعة القاهرة فقد جاء بعد حفل وقف فيه على المسرح، وأعلن مجموعة «حقوق» للطلاب تستحق الشكر والتقدير، لكنه أعلنها فى شكل «زفة انتخابية» فبدت مخالفة لمكانة منصبه وهو خليفة أستاذ الأجيال أحمد لطفى السيد، الذى رفض منصب رئيس الجمهورية بعد ثورة يوليو، كما رفض تدخل السياسة، وقدم استقالته من رئاسة الجامعة احتجاجا على فصل طه حسين، كما استخدم الدكتور الخشت أسلوب الحشد على المسرح وشكا أمام المؤتمر من أننا نواجه سياسة القطيع التى يتبعها الاعلام الغربي، والتى جعلت الديمقراطية الغربية هشة لأن رأس المال يتحكم فى اتجاهات التصويت!. والخلاصة: إذا كان الإعلام التقليدى فقد قدرته على الحشد، وأن الإعلام الحديث سقط فى مستنقع الشائعات وفقد قدرته على التأثير وصارت عقول الناس تتشكل فى أجهزة خارج مؤسسات الإعلام، فالسؤال للباحثين: ماذا وراء هذه المشاركة الواسعة فى الاستفتاء المصري؟ هل هو ارتفاع درجة الوعى السياسي، أم شعور الناس بالخطر الخارجى من حولنا،أم السر فو المادة 102 عن منح 25٪« لعظيمات» مصر أم أن غرائز المصريين وعقولهم مازالت فى واد وتقعيرات الخبراء وتغريدات المنظرين فى واد آخر؟. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف