يستخدمون كلمة شيخ لإضفاء هالة من التدين والزهد على أنفسهم، وصفة عالم روحانيات لتأكيد الدراية والإلمام التام بغياهب الغيبيات، وحبذا لو أضافوا تفصيلة أنه مغربى للدلالة على الخبرة الواسعة فى أعمال السحر وفكها. ثم يسردون بعد ذلك الانجازات الضخمة والقدرات الهائلة على فك السحر والأعمال السفلية وهى بالطبع المتهم الرئيسى وراء تأخر الزواج والانجاب! وبعد أن كانت المنافسة خلال العامين الماضيين بين العلماء الروحانيين تركز على القدرة على رد المطلقة وجلب الحبيب، وكأن هناك طرفا ثالثا أو عفريتا اختلق المشكلات بينهما وليس عدم التوافق أو العناد أو أى أسباب أخري، أصبح التحدى الآن فى المدة التى ترد فيها المطلقة والتى وصلت إلى ساعة، أو جلب الحبيب الذى أصبح يمكن اعادته عبر مكالمة تليفونية واحدة! ترى هل سيتصل العالم الروحانى بالعفريت الذى سبب الفراق ويقنعه بالتراجع عما فعله!. الطامة الكبرى أن أحد إعلانات الشعوذة التى تملأ الفضائيات يروج لكبير المعالجين الروحانيين المغربى بصفته الوحيد القادر على علاج التوحد! وكأنه فتح جديد ينفرد به ويتفوق به على الخبراء الذين يكدون منذ سنوات طويلة للتوصل إلى وسائل لعلاج مرض التوحد. صحيح أن محاولة المشعوذين إيهام الناس ب أن بعض الأمراض وخاصة النفسية والعصبية هى نتيجة مس شيطانى ليست بالجديدة، خاصة أن العلاج من الأمراض المستعصية يعد من أهم مصادر ضخ الأموال لجيوبهم، إلا أنهم كانوا يتفادون فى الماضى التصريح بنوع المرض الذين يدعون علاجه. فعلى سبيل المثال لم يجاهر المشعوذون من قبل بقدرتهم على علاج أمراض نفسية محددة مثل ثنائية القطبية او الانفصام أو الوسواس القهرى بل كانوا يعتمدون على انتشار الجهل والاعتقاد فى الخرافات بين كثير من الناس وتشبثهم بأى أمل فى علاج من يحبون، مما يدفعهم للجوء إليهم وقبول أى تفسيرات غير علمية أو واقعية. ولكن هل الفقر والجهل والتخلف والرجعية هى وحدها المسئولة عن رواج بيزنس الروحانيات واتساع نطاقه وانتشار الاعلانات عن ممارسيه فى الفضائيات بعد أن كانوا يحرصون على العمل فى الخفاء؟ وإذا كان الفقر والجهل المسئوليْن فلماذا يقبل أشخاص متعلمون ومن المنتمين للطبقات الراقية، بل رياضيون وممثلون وسياسيون مشهورون، على الاستعانة بخدمات المشعوذين؟ يرى الخبراء أن الاعتقاد فى السحر والخرافات وأعمال الشعوذة ينتشر حتى فى أكثر المجتمعات رقيا، اذ إنه يتعلق بالخوف من المجهول والرغبات السلبية التى تعد جزءا أصيلا من نفسية الانسان الذى يجمع بداخله بين الخير والشر. كما اكتشف الخبراء أن اللجوء إلى الخرافات والشعوذة يزداد فى أوقات الأزمات الاقتصادية والتخبط الاجتماعى وفترات الحروب والصراعات. وربما يعود ذلك إلى رغبة الانسان الدائمة فى التنصل من اخطائه واثبات أن العيب ليس فيه وإنما فى عوامل خارجية وبالتالى فان الفشل ليس ناجما عن تقصيره وإنما جاء نتيجة عكوسات وان مشكلاته سواء كانت مهنية أو زوجية صادرة عن أعمال سفلية...وبالتالى يلجأ للسحر ومواجهة الاعمال بالأحجبة، مما يمنحه احساسا مزيفا بالسيطرة ويقلل من حدة التوتر والقلق . ولا ينفى ذلك أن التعليم والتوعية الدينية يلعبان دورا كبيرا فى الحد من انتشار ظاهرة الشعوذة و تبجحها ولكن هناك أيضا مسئولية اجتماعية تقع على عاتق الفضائيات التى يجب ألا تروج لمثل هذه الخرافات مهما تكن المكاسب. لمزيد من مقالات هناء دكرورى