حازت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة على اهتمام وتغطية إعلامية كبيرة، رغم وجود بؤر إقليمية ودولية ملتهبة فى توقيت متزامن، ويتوجب على الرأى العام والمتخصصين بعد انقشاع غبار المعركة الانتخابية أن يستخلصوا الدروس المستفادة سعيا لتعامل جاد وموضوعى يمنع مزيدا من الصدمات وتفاقم الأمور، خاصة أن تلك الانتخابات كانت الأولى من نوعها بعد إقرار قانون القومية العنصرى فى إسرائيل، وملاحظة أنه فى الوقت الذى شهدت فيه تلك الانتخابات مشهدا متكررا متمثلا فى اعتماد الحكومة القائمة على ائتلاف عدة أحزاب، وفشل أى من عشرات الأحزاب المتنافسة فى الحصول على أغلبية بمفردها مما يفتح الباب أمام ابتزاز الأحزاب الصغيرة للكبيرة. الدرس الأول: أصبح ما كان مُجرّما فيما سبق وفقا للقانون الإسرائيلى متاحا ورسميا ومطروحا بشكل علنى أمام الرأى العام والإسرائيلى والعالمي، وهو ما عبر عنه برنامج حزب زهوت (هوية) برفع شعارات غاية فى التطرف، حيث تضمن برنامجه رفع العلم الإسرائيلى بشكل دائم على الحرم القدسى ونزع إدارته من الوقف الإسرائيلى ومنحه لإدارة دينية بل وتشييد معبد داخل الحرم. وهو ما ينذر بتفجير الأوضاع فى المنطقة وليس فى القدس أو الضفة وغزة فقط. وربما ما يحدث حاليا هو تكييف تدريجى على قبول ضمنى لجرائم الاحتلال القادمة ضمن اجراءات تهويد القدس. هذا مع ملاحظة أن كبار الحاخامات وغيرهم من التابعين للأحزاب الحريدية أفتوا مرارا بعدم جواز دخول اليهود إلى الحرم القدسى خشية تدنيس الهيكل وفقا للشريعة اليهودية. الدرس الثاني: استمد حزب كاحول لافان أصواته من المصوتين التقليديين اليسار، وهو الأمر الذى أضعف حزب العمل وميرتس وباقى الأحزاب اليسارية بشكل خطير. ولا يزال يمكنه أن يوجه ضربة قاضية مباغتة نيتانياهو، رغم تأخره فى الانتخابات وتأخر معسكره فى عدد المقاعد، ففى ظل تنامى قوة الأحزاب الحريدية سيتم فتح الباب على مصراعيه لابتزاز نيتانياهو، وزيادة احتمالية الانتقال فى أى وقت للمعسكر المنافس لنيتانياهو، (على خلفية تباين وجهات النظر حول قانون التجنيد أو أمور تتعلق بمخصصات المدارس الدينية أو صلاحيات المتدينين والمحاكم الدينية فى إبرام عقود الزواج والطلاق، وغيرها من القضايا الخلافية التى ترتبط فقط بفتاوى الحاخامات وليس ببرنامج انتخابى ثابت. وهو ما يجب مراعاته إلا إذا تم تشكيل حكومة وحدة وطنية بين جانتس ونيتانياهو. الدرس الثالث: نتائج العينة الانتخابية فى إسرائيل ثبت فشلها لأول مرة منذ 1996 وهى تلك يتم تنظيمها وحسابها تحت رعاية محطات تليفزيونية، وهذا يرجع إلى نسبة خطأ نتيجة الاستعانة بعينة، بجانب تقارب المتنافسين، كما ساعد فى نسف أسطورة المحطات حقيقة أن الحسابات تتم قبيل إغلاق الصناديق بساعة ونصف الساعة .. وهى فترة كثف فيها أنصار نيتانياهو جهودهم لحث أنصارهم على النزول والتصويت بزعم أن اليسار متقدم 60% مقابل 40% حتى الساعة الرابعة عصرا. ويمكننا الربط هنا بفشل موازٍ فى عملية استغرق التخطيط والاستعداد لها سنوات، حيث أثار تحطم مركبة الفضاء الإسرائيلية الأولى بريشيت والتى تعنى بالعبرية فى البدء (ولها دلالة دينية يهودية لأنها أول كلمة وردت فى سفر التكوين) موجة من السخرية بين الإسرائيليين. والحديث هنا عن مركبة تم تصنيعها بتبرع مالى من ملياردير إسرائيلى من مواليد جنوب إفريقيا، وحملها للفضاء صاروخا أمريكيا انطلق من قاعدة أمريكية واضعا المركبة على مسافة 730 كم من سطح الأرض إلا أنها سقطت عند محاولتها الهبوط على سطح القمر. الدرس الرابع: يجب ألا تتوقف الجهود لمجرد فشل متكرر أو سخرية لاذعة، فرغم الدعم الأمريكى غير المحدود، والاستعانة بعلماء من جنسيات مختلفة وبتمويل ضخم فشلت المركبة كما سبق أن فشلت إسرائيل فى إطلاق القمر الصناعى أفق 4 ثم أفق 6، وكما لقى أول رائد فضاء إسرائيلى مصرعه على متن مكوك الفضاء الأمريكى كولومبيا، وكذلك تحطم القمر الصناعى عاموس 6 قبيل الاستعدادات النهائية لإطلاقه عام 2016 من قاعدة أمريكية. وإن كان فشل بريشيت قد تم بعد سلسلة طويلة ومعقدة من المناورات، لكنها أدت فى النهاية لنفس الخطوة الفاشلة، كما هو الحال مع صاروخ حيتس المضاد للصواريخ -الذى تطوره إسرائيل منذ 1985- ومع هذا فشل مع القبة الحديدية فى حماية تل أبيب ذاتها من صواريخ بدائية انطلقت من غزة. وبالفعل أكد نيتانياهو استمرار المحاولات لتلافى الأخطاء بعد ثلاث سنوات. دروس مستفادة كتلك يمكن أن تضع أمامنا الصورة كاملة خلال فترة مفاوضات تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وفى ظل أحاديث لا تنتهى عن قرب طرح صفقة القرن، وتسريبات عن تعديل تشريعى يحصن نيتانياهو من الملاحقة فى جرائم الفساد. لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور