ما كدت أنشر عمودى منذ أيام عن رحيل جاكلين بولس بيطار خطيبة الضابط السورى الجسور جول جمال بطل معركة البرلس ولانشات التوربيد إبان العدوان الثلاثى عام 1956، والذى اقتحم بزورقه البارجة الفرنسية جان دارك ثم لقى وجه ربه، حتى تلقيت أكثر من مائة مكالمة هاتفية أصحاب أغلبها من الجيل الذى أنتمى إليه، ولم تنصب تلك المكالمات على شجاعة وإقدام ونبل جول جمال فقط، أو على قصة الحب الرومانسية التى جمعته بخطيبته المربية الفاضلة جاكلين بولس بيطار والتى رفضت الزواج بغيره وأبقت خاتم خطبتها منه فى أصبعها إلى آخر يوم فى حياتها حتى رحلت منذ أيام، ولكن جانبا كبيرا من تلك المكالمات انصب على جهل شباب الجيل الجديد باسم له هذا الثقل وتلك الأرجحية، وبالتالى انعدام معرفة ذلك الشباب بجوانب البطولة القومية الرائعة التى كان جول جمال نجمها، ومن أطرف المكالمات التى تلقيتها واحدة من الدكتور محمد حقى استشارى الجراحة بالمنظار، وقد أضحكتنى تلك المكالمة ولكنه ضحك كالبكا إذ أخبرنى الدكتور حقى بأن عيادته تقع على ناصية تقاطع شارع جامعة الدول العربية وشارع جول جمال بالمهندسين، وقد تأثر بما كتبت عن البطل وجهل الشباب به، فسأل أحد أقاربه, وكان يستقل معه السيارة إلى العيادة, هل تعرف إلى ماذا تشير لافتة الشارع المكتوب عليها (جول جمال)، فأجابه على الفور: (طبعا)، فعاود الدكتور حقى سؤال قريبه الشاب: (أخبرنى بما تعرف) فأجابه: (إنها ترمز لجول جمال عبد الحميد)، فسأله الدكتور حقى وهو يمتلئ بالدهشة: (ماذا تعني؟) وجاءت الإجابة الصاعقة: (الجول الذى أحرزه جمال عبد الحميد مهاجم الزمالك فى مرمى الأهلي.. دا كان جول مشهور قوي)!.. هذا ببساطة هو مستوى معرفة معظم الجيل الجديد، إذ يستلهم مواقفه من هدف أحرزه جمال عبدالحميد (مع وافر احترامي)، وليس من بطولة مقاتل بحار استشهد فى سبيل مصر بعمل فدائى جدا، وترك وراءه خطيبته تعيش محتضنة ذكراه حتى لحقت به منذ أيام، أنا لا أريد الهجوم على أحد، ولكننى أؤكد أننا أمام كارثة ثقافية ومعرفية فى هذا البلد، ويزيد من تفاقم آثارها أننا نقنع شبابا بتلك الجهالة أنهم الأجدر بالتصعيد، وأنهم شعب الله المختار. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع