مع ظهور الإنترنت فى أواخر القرن العشرين، تليه وسائل التواصل الاجتماعى فى القرن الحادى والعشرين تضاعفت بشكل كبير مخاطر التضليل والمعلومات الزائفة والدعاية والخداع، فعقب وصول ترامب لرئاسة الولاياتالمتحدةالامريكية 2016 انتشر هذا المصطلح بشكل كبير بعد أن تعمد ترامب أن يوجه كلمة fake news أى الأخبار الزائفة, لكل من يخالفه فى الرأى. والحقيقة أن هذا المصطلح قديم، لكن ما هو جديد ومثير للقلق هو توسيع مدى انتشاره وسرعته الفائقة بفضل وسائط التواصل الاجتماعى والمنصات الإلكترونية مثل تويتر والفيسبوك، وقد أسهم عدم وجود رقابة على تداول المعلومات عبر هذه المنصات وعدم وضوح المسئولية القانونية التى تترتب على النشر عبر هذه الوسائل فى انتشار فوضى الأخبار الزائفة من خلال الذباب الإلكترونى الذى يمارس دور المواطن الصحفى وما يترتب على هذا الدور من انتهاك لمبادئ ومعايير المهنية الإعلامية والمسئولية الاجتماعية ،والذى يعمل فى سياق مجموعات عمل مضادة للدولة تستهدف إحداث البلبلة وإشاعة الفوضى وأزمة الثقة من أجل الحصول على العائد المادى، وكل هذا على حساب القواعد المهنية للعمل الإعلامى والاستقرار المجتمعى، وكل هذا يعكس أيضاً حالة التربص بالدولة المصرية ومحاولة زعزعة استقرار وأمن المواطن وإنهاكه نفسياً، ومما يؤكد هذه الحقائق نتائج دراسة علمية عن َ تداعيات صحافة المواطن عبر مواقع التواصل الاجتماعى والتى هدفت إلى تحليل المنشورات الزائفة التى يطلقها الأفراد عبر مواقع التواصل الاجتماعى التى صدر تكذيب رسمى لها عن المركز الإعلامى لرئاسة مجلس الوزراء فى محاولة من الدولة للتصدى لفوضى الشائعات والأخبار الزائفة، والتى أوضحت أن الاخبار الاقتصادية المتعلقة بالحياة اليومية للمواطن العادى والتى تمس احتياجاته الأساسية خصوصاً المرتبطة بتحريك الأسعار والدعم والفوائد البنكية تأتى فى المرتبة الأولى للأخبار الأكثر تزييفاً، ويليها الأخبار التى تتعلق بقرارات الحكومة وتخص المواطنين خاصة أخبار وزارة التموين ووزارة التربية والتعليم وما أكدته الدراسة أيضاً أن هذه الأخبار مفبركة خصيصاً للتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعى وبخاصة الفيس بوك باستخدام آليات متعددة يأتى على رأسها استخدام عناوين لأخبار حقيقية ومتن الخبر زائف فيما سمته الدراسة ًمؤثرات الخداع فى الحقيقةً، يليها التلاعب بالأرقام والنسب والإحصاءات ،ثم فبركة الفيديوهات والصور .لأن الفرق بين الخبر الحقيقى والخبر الزائف ليس كالفرق بين الأبيض والأسود ولكن الاخبار الزائفة بها جزء حقيقى وتم التلاعب فى باقى معلوماته وكأنها موضوع خلاف على منصات التواصل الاجتماعى يهدف إليه الميليشيات الإلكترونية التى ترغب فى بث هذا الخبر إلى وسائل الإعلام الرسمية من خلال أسلوب الدائرة المغلقة أى بث الخبر على موقع مجهول المصدر ثم من الموقع للسوشيال ميديا ثم إلى قناة أو بوابة إخبارية رسمية من خلال صحفى غير محترف يجهل مبادىء توثيق الخبر وبذلك يتحقق هدف هذه الميليشيات وتحويل الكذبة إلى حقيقة باستخدام تكنيك الضغط والتكرار والانتشار، وبالتالى فهى لعبة سياسية تهدف إلى تراجع مصداقية المؤسسات العامة والدولة. ولعل اختفاء القنوات الشرعية للمعلومات ووجود من يمتهنون العمل الصحفى والإعلامى دون وجه حق بالإضافة إلى عدم حرفية بعض الصحفيين وغياب المصداقية والموضوعية والشفافية فيما ينشر أو يذاع أوجد بيئة خصبة وجهت الناس إلى التعامل مع المعلومات الزائفة والمفبركة وكأنها حقائق بل وجعلت منهم منصات إعلامية تساعد فى الترويج ونشر هذا الزيف فى أحاديثهم اليومية وعبر صفحاتهم الخاصة ،فعندما يعجز الجمهور عن تفسير أى قضية أو خبر يلجأ إلى الجهة المتاحة له وهى الفيس بوك. هناك مخاوف متزايدة تدعو الحكومات إلى التدخل لمعالجة شبح الاخبار الوهمية لأنه يعد من التحديات التى تواجه الإعلام العالمى فى المرحلة المقبلة دون الحاجة إلى الحد من حرية التعبير، وتلك هى الإشكالية الكبرى. وهنا يأتى دور المواطن فى ان يشعر بالمسئولية الاجتماعية فيما يكتبه أو يتداوله على مواقع التواصل الاجتماعى لأن نسبة كبيرة من الجمهور العام يفتقدون القدرة على التمييز بين ما هو حقيقى وما هو زائف. ويأتى دور الخبراء فى وضع إستراتيجية مقننة لها أبعاد قانونية وأخلاقية وإعلامية لأن جميع الحلول المطروحة الآن هى جهود متناثرة وحلول جزئية يجب دمجها. وهذا ما أضافته الدراسة التى تحدثت عنها فى بداية المقال وتوصلت إلى بعض البنود يأتى فى مقدمتها ضرورة زيادة الجرعة الإعلامية الموضوعية والالتزام بميثاق الشرف الإعلامى، والتمسك بالمهنية فهى طوق النجاة ، وضرورة تحرى الدقة فيما ينشر أو يذاع، والإستفادة من التجارب الدولية وتطبيق نموذج fact checking ويأتى دور الدولة أيضا فى سرعة صدور وتفعيل قانون تداول المعلومات الذى يكفل حماية المصادر الشرعية بما فيها الأصوات الناقدة. لمزيد من مقالات د.إلهام يونس