لم تكن المرة الأولى أن يقع الإعلام بوسائله المختلفة فريسة للمعلومات الزائفة والمفبركة عبر السوشيال ميديا، حتى أصبح مستخدموها في سباق لإثبات ذلك عمليًا لتأكد رواد مواقع التواصل أنهم أصبحوا مصدرًا لهذه الوسائل فجعلوا الإعلام أضحوكة لهم عبر صفحاتهم الإلكترونية. فقد وضعت الفتاة "سارة أبو الخير" - وهي من مستخدمي السوشيال ميديا - وسائل الإعلام في مأزق كبير، عندما كتبت عبر صفحتها الفيسبوكية أنها أشارت على مسئولي "ناسا" بفكرة سياحية رأوا أنها رائعة، بأن يقوموا بعمل حفلات شواء لحوم عند إطلاق صواريخ الفضاء، وباعتبار أن هذه اللحوم تم شواؤها على نيران صديقة للبيئة، يتم تصدير منتجاتها للعالم. تناقلت بعض وسائل الإعلام هذا الخبر وجعلت منه سبقًا صحفيًا عن أن مسئولي "ناسا" رحبوا بفكرة الفتاة وقدموا لها عرضًا للسفر لمناقشتها وبدء تنفيذها. لم يكن هناك حديث في وسائل الإعلام المختلفة العربية والعالمية في تلك الأيام ، سوى عن هذه القصة، التي خدعت العالم كله برواية غير حقيقية، عن شواء لحوم على نيران صواريخ الفضاء، والزعم بأن الفكرة لاقت موافقة وكالة "ناسا" للفضاء. من المضحك أن الفتاة "بطلة القصة" قالت: إن شركات وصحف وفضائيات عالمية تسابقت على استضافتها للحديث حول الفكرة، وتلقت على مواقع التواصل طلبات زواج من شباب يريدون الارتباط بها والسفر معها ومساعدتها في تنفيذ فكرتها الملهمة، ولكنها في الوقت الذي ترفض فيه الظهور أو الحديث مع وسائل الإعلام خشية تعرضها لمضايقات أو عقوبات، كشفت عن حقيقة القصة التي تؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر تأثيرًا ومصدرًا للإعلام، فقصتها من وحى خيالها عبر السوشيال ميديا. في اعتقادي لو أن المسئولين عن الإعلام في بلدنا قاموا بمعاقبة الذين تداولوا هذا الخبر - وغيره من الأخبار المفبركة والمعلومات الزائفة التي لا أساس لها - عبر جرائدهم وقنواتهم الفضائية وجعلوا من السوشيال ميديا مصدرًا لأخبارهم، ما ظهرت الكارثة الإعلامية الأخرى عقب الحادث الأليم، الذي أحزن مصر بمختلف طوائفها، "جرار الموت" الذي اشتعل بالمواطنين في محطة مصر، وقام أصحاب النفوس الضعيفة بنشر الفيديوهات المرعبة التي استفزت الشعب المصري بأكمله، حيث إنهم لم ينتظروا أن تعرض على ذوي الاختصاص والتحقيق في الواقعة، مما جعل وزير النقل يقدم استقالته وتقبل سريعًا لتهدئة الرأي العام. ليس الحديث هنا عن كيف تداولت هذه الفيديوهات عبر السوشيال ميديا بهذه السرعة برغم أنها ملتقطة من شاشات كاميرات المراقبة بالمحطة بغرف مغلقة اختصاصها تسجيل المشاهد للعرض على من يهمه الأمر عند اللزوم، ولكن الحديث عن الفتى خالد الذي أراد هو الآخر أن يسقى بعض الإعلاميين أصحاب السبق الزائف من الكأس نفسها، فقام بنشر خبر تعيين والده المتوفى منذ 11 عامًا وزيرًا للنقل عبر تويتر بعد تقديم الدكتور هشام عرفات استقالته، فشربتها وتناقلتها وتداولتها بسرعة تلك الوسائل الإعلامية والسوشيال ميديا، التي أضافت في مقدمة الخبر "تداولت معلومات داخل وزارة النقل عن تعيين المهندس محمد وجيه عبدالعزيز... ".. إلى أن يظهر الفتى "خالد" عبر إحدى القنوات ليعطي الدرس الآخر للإعلام، ويكشف عما فعله بهم ووقوعهم فريسة سهلة في براثن السوشيال ميديا. أخيرًا.. لابد أن نعرف أن السوشيال ميديا ما هي إلا مواقع اجتماعية يتم التواصل من خلالها بين الأفراد والتفاعل مع بعضهم البعض ومشاركة الموضوعات والقضايا المهمة فيما بينهم، ومن تلك المواقع التي ظهرت عبر الشبكة العنكبوتية "الفيس بوك- تويتر -إنستجرام- اليوتيوب وغيرها"، ولم يفكر من اخترعها أنها ستكون مصدرًا للشائعات والمعلومات الزائفة المضللة ويتخذها بعض الإعلاميين مادة تحريرية لفقرهم المهني، ولن تكون كما أراد مواقع للتواصل والتقارب مهما ابتعدت الأماكن واختلفت اللألسنة. في النهاية.. لا يستطيع أحد أن يكمم الأفواه أو يحجر على رأي عبر السوشيال ميديا، فما يحدث وما يقال خلالها أمر طبيعي يعود إلى تعليم وتربية وفكر من يستخدمها، والإعلام دوره حيوي جدًا وحساس ويعتبر "رمانة الميزان"، فالشائعة مهما تداولت عبر المواقع الإلكترونية لا يهتم بها أحد إلا إذا أشار إليها الإعلام من قريب أو بعيد بالتعليق عليها أو نشرها كخبر كما فعل بعض الإعلاميين.. أما إذا وأد الإعلام الشائعة في مهدها بإظهار الحقيقة، خاصة إذا كان غرضها الهدم وبث روح اليأس والفتنة بين أفراد الشعب، أو أهمالها إذا كان الغرض منها شهرة صاحبها ولفت الانتباه إليه وأمثلتها كثيرة.. فيجب مساندة الدولة للإعلام الشريف الذي يستوثق من الأخبار قبل نشرها، والمحاسبة العاجلة لأصحاب السبق الصحفي الزائف من قبل مؤسساتهم والهيئات المنوط بها ذلك؛ وتفعيل القوانين الخاصة بتداول المعلومات؛ حتى لا يقع الإعلام مرة أخرى فريسة في براثن السوشيال ميديا وتتوالى الانتصارات على الإعلام كما فعل خالد وسارة.