ربما لا يعرف الكثيرون ان مصر تشرفت ببركة زيارة السيد المسيح عيسى بن مريم والسيدة مريم العذراء والدته وكافله القديس يوسف النجار. كان هيرودس الكبير ملك السامرة واليهودية الظالم قد جاءته نبوءات من المجوس وحكماء اليهود ان هناك طفلا قد ولد لتوه ليكون الملك والمخلص لشعبه فأصدر قراره بقتل كل طفل ما دون عمر السنتين فى مدينة بيت لحم موطن ميلاد المسيح. ظهر ملاك الرب للقديس يوسف النجار وقال له: قم وخذ الصبى وامه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك (متى 2:13). فرحلوا فورا وقطعوا نحو مائة كيلومتر حتى حدود مصر على دابة صغيرة (حمار) والقليل من الزاد. ومكثوا بمصر نحو اربع سنوات تنقلوا فيها فى كل ربوعها من شمالها الى جنوبها ومن شرقها لغربها. ومما لا شك فيه ان هذه الرحلة قد اكتسبت قيمة كبيرة سواء كانت تاريخية او دينية او حضارية او جغرافية او ثقافية او فنية او اثرية. وتولى الدولة المصرية اهتماما مكثفا بملف توثيق رحلة العائلة المقدسة لمصر. وترأس وزارة الآثار لجنة علمية لإدراج رحلة العائلة المقدسة فى مصر، ضمن قائمة المواقع المعتمدة ضمن التراث العالمى. وتجهز ملفا ضخما لتقديمه الى منظمة اليونسكو. وذلك بتنسيق كامل مع الكنيسة القبطية وبإشراف قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. وقد اقام البابا فرانسيس بابا الفاتيكان قداسا عام 2017 بارك خلاله أيقونة رحلة العائلة المقدسة فى مصر، كما أشار البابا فى كلمته إلى أنه يتذكر بمودة الزيارة الرسولية لأرض مصر الطيبة ولشعبها الكريم، مشيدا بهذه الأرض التى وصفها بأنها الأرض المباركة عبر العصور بدم الشهداء والأبرار والتى عاش فوقها القديس يوسف والعذراء مريم والطفل يسوع والكثير من الأنبياء. واضاف أن مصر هى أرض التعايش والضيافة..أرض اللقاء والتاريخ والحضارة. وقد أدرجت مؤسسة اوبرا رومانا المسئولة عن ملف الحج بالفاتيكان، مسار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، فى الكتالوج الخاص بحج الفاتيكان عام 2018 وهناك لجنة وزارية اخرى لإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، ويتم الآن رفع كفاءة مواقع مسار رحلة العائلة المقدسة بمصر، باشراف رئيس مجلس الوزراء ووزيرة السياحة. وقد قام فريق الجمع الميدانى برحلة الى محافظة الشرقية الشهر الماضى لتوثيق الاحتفالات المقامة بمسار رحلة العائلة المقدسة، وذلك من خلال جمع البيانات عن التراث اللامادى على نقاط خط سير الرحلة. ويقول نيافة الانبا ديمتريوس اسقف ملوى إن بالرحلة دروسا روحية عميقة، من ضمنها الهروب من الشر. فبالرغم من قدرة الله على اهلاك هيرودس الملك، لكن الرحلة تعلم حياة تسليم وطلب معونة وارشاد الله فى كل الخطوات. ويرى البابا تواضروس الثانى ان الكنيسة القبطية المصرية هى التى حافظت على تراث رحلة العائلة المقدسة. فنظرا لأهميتها وبركتها فى الماضى والحاضر والمستقبل، فقد حظيت بأبحاث ودراسات كثيرة، منها ما كتبه بطاركة الكنيسة وما اصدرته الاديرة والعلماء من مصر والعالم. لكن أخيرا صدر سفر ضخم باسم (رحلة العائلة المقدسة فى ارض مصر) اعده الدكتور اسحق ابراهيم عجبان: الامين العام ورئيس قسم التاريخ بمعهد الدراسات القبطية. وهو دراسة تاريخية مع التحليل والتوثيق وبطريقة علمية معتمدا على المصادر القديمة والحديثة بلغات متعددة خاصة المصادر الكنسية، ومنها السنكسار والدفنار، والميامر والمخطوطات والرسائل العلمية وغيرها. كما تضمن الكتاب بيانا بالايقونات القبطية الاثرية والاعمال الفنية العالمية التى خلدت رحلة العائلة المقدسة فى مصر. ومن اهم مصادر تحقيق الرحلة تقديم الكتاب لبردية قبطية مصرية من القرن الرابع الميلادى فكت طلاسمها جامعة كولون الالمانية. وهى لم تكتف بالاشارة لمدة بقاء السيد المسيح فى ارض مصر، لكنها تصف مصر بانها اعظم ارض فى العالم. وقد امتدت رحلة العائلة المقدسة بالكثير من المدن والقرى المصرية، تبلغ 25 موقعا من رفح المصرية والشيخ زويد والعريش، مرورا بتل بسطة ومسطرد وبلبيس وسمنود حتى عين شمس والزيتون والمعادى وميت رهينة وديروط الشريف وصولا الى القوصية ودرنكة. وقد قام السيد المسيح بالعديد من المعجزات فى هذه الرحلة فى كل مكان استقرت فيه العائلة. مثل نبع الماء الذى فجره تحت شجرة بتل بسطا. وعين الماء التى تحمم فيها بمسطرد واصبحت مصدر شفاء لكل من يأخذ منها. وايضا ودامون الارمنتى الذى باركه الطفل يسوع وتنبأ باستشهاده. والاوثان التى سقطت فى معبد الاله باست. بجانب منطقة سمنود التى باركها المسيح.. والاغلبية من شعب مصر قابلت العائلة المقدسة بكل ترحاب وساندتهم فى رحلتهم العظيمة. لذا قال المسيح عنهم قولته الشهيرة: مبارك شعبى مصر. وقد ذكرت مصر 548 مرة فى الكتاب المقدس. من اشهرها المكتوب: كجنة الرب كأرض مصر. أخيرا تحية للمؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم التى اصدرت كتاب د. عجبان المهم. لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف دره