أروى لك قصتى منذ البداية فعندما كان عمرى ثمانية عشر عاما تقدم لخطبتى شاب ميسور الحال، ووافق أهلى عليه, وتمت الخطبة وفى يوم عقد القران عزمنا الأقارب والأصدقاء, ومعظم أهل البلد الذى نقطنه, وبينما كان الجميع يترقبون العريس، إذ بأبى يحضر ومعه قريب له, ويفاجئنا بأنه خطيبى الجديد, ولك أن تتصور حالة الذهول التى أصابت الجميع, وأصابتنى أنا شخصيا, وانتابتنى حالة هيستريا من الخبر, وخلعت فستان الفرح وانصرف المدعوون وهم يضربون كفا بكف. وهكذا أصبحت مخطوبة لقريب أبى برغم أنى مخطوبة لعريس آخر, وحاولت بكل الطرق أن أثنى أبى عما اعتزمه, ولكنهم أرغمونى على فسخ الخطبة من عريسى بالضرب بالجنزير والإهانة, وهكذا أصبحت بالضغط عروسا لقريبي, وساءت حالتى الصحية واستسلمت للأمر الواقع, وكان عريسى الجديد حديث التخرج وليست لديه إمكانيات للزواج, فحاولت أن أسانده برغم أنه أخذنى بالقوة ودون رغبتي, واتقيت الله فيه, وتحمّلت عصبيته الزائدة عن الحد, وعلمت من والدتى فى إطار حديث عابر أن أباه ظل يضرب أخاه حتى سقط ميتا, فهم ذوو قلوب متحجرة, ولم يأبهوا لما حدث, وتكتموا الموضوع حتى لا يعلم أحد الحقيقة. وتكررت صورة الأب فى زوجى الذى دأب على ضربى وإهانتى لأتفه الأسباب, وتعودت على تحمل مسئولية البيت كاملة بكل كبيرة وصغيرة, ولم يحدث أبدا أن تقاربنا, وليست بيننا مودة ولا رحمة, وكثيرا ما قلت له «كفاية ظلم» لكن مثله لا يعرف ذلك، فالظلم جزء من تكوينه الشخصي. وأذكر ذات مرة أن أطفالا تشاجروا مع بعض مثلما يحدث بين كل الأطفال, فأقسم أن يضرب ابننا, ولما دافعت عنه ضربنى على دماغى ضربا مبرحا فأصبت بشلل نصفي, فلم يهتم, ولم يتأثر وظل كالحجر الذى لا يلين وتركنى بلا حراك, وعلم أخى بما حدث لي، فأسرع بى إلى المستشفي، وظللت خاضعة للعلاج لمدة سنتين، والمدهش أن والدتى وباقى أخوتى تفرّجوا عليّ، ولم يساعدنى أحد إلا أخى الأكبر, ولما طالت القطيعة مع زوجى جاءني، وقال لى أنه لن يمد يده علىّ مرة أخري, ولكن مثله لا يمكن أن ينصلح حاله. وبعد تحسن حالتى الصحية عدت إلى العمل ووفرت كل مليم ودخلت فى جمعيات وأدخلت الأولاد مدارس خاصة, ولم يتبق معى شيء لشراء الملابس فكنت أشحذ من إخوتى الهدوم القديمة ولا أدرى أين مرتبه وأمواله والأرض التى يملكها, فكل شيء غامض علىّ, وليس من حقى أن أعترض على تصرفاته ولا بخله وكنزه الأموال بهذا الشكل المريض. وانتقلت هذه العدوى إلى أولادنا وعلى رأى المثل: «اللى بيقول لها جوزها ياعورة بيلعبوا بها الكورة»، ولم يكن عندى بديل للحياة القاسية التى تشبه الجحيم، فكلما ذهبت إلى أهلى يعيدونى إليه، فأنا بلا كرامة عند أهلى وعند زوجى على حد سواء. أما المشاعر فلا وجود لها, فهو ينام باستمرار فى حجرة الأولاد, فإذا احتاجنى جاءنى فى حجرتنا وأخذ ما يريد, فأنا لا أمثل بالنسبة له أكثر من خادمة بل ربما تكون للخادمة حقوق لا أحصل عليها, وليس مهما احتياجاتى النفسية كامرأة مادام هو يشبع غريزته وينفذ مراده! هل هناك ما هو أقسى من ذلك؟ فالجيران يسمعون صراخى كل يوم, وكلما توسلت إليه أن يتخلى عن أسلوب الضرب, وأقول أنا كبرت وتعديت سن الأربعين وما كنت أفعله فى العشرينات لم يعد باستطاعتى أن أقدمه الآن, يزيد فى عدوانه.. فلقد تعود على استسلامى له وتحملى ما هو فوق طاقة البشر! ولم يتخل عن إذلاله لي, وقال لي: «أهلك جوزوك لى عشان طمعانين فى الأرض، وعمرك ما حطولى حاجة»، وهكذا أفصح عن أطماعه وما يدور فى نفسه منذ أن تزوجنى، فلقد عرفت أنه اشترى من الأموال التى كنزها على مر السنين أرضا فى بلدته وبنى فيها عمارة, ولديه أيضا أرض زراعية كثيرة بعضها آل إليه بطريق الميراث, وبعضها الآخر اشتراه. وسافر الأولاد إلى الخارج بعد أن أنهوا دراستهم وبقيت مع ابنتي, وأخيرا قررت أن ألتفت إلى صحتى وعافيتي, وذهبت إلى طبيب لكى يصف لى برنامجا للريجيم, فأنا أعانى الربو, ولابد من تخفيف حدة السمنة لكى يتحسن التنفس, وأستطيع الحركة والتنفس بدون إرهاق, ولما أخبرته بذلك تمادى فى ضربى وإيذائى نفسيا وبدنيا, وعرفت أنه يفعل ذلك بتدبير محام حتى أطلب الخلع ولا أكلفه شيئا, وأعلن هذا أمامى بكل بجاحة، وردد بصوت عال: «لو كان عندك دم ارفعى قضية خلع»! قلت له: «أنا لا أريد الطلاق, وأنت أخذت كل حاجة, أخذت صحتى وعافيتى وعمرى وأولادي, لم تترك لى شيئا.. اتق الله في»، لكنه ظل على موقفه، وظللت على عهدى بأن أحافظ على صورتنا كأسرة متماسكة برغم كل ما حدث! وذات يوم منذ عامين عدت من عملى فوجدته قد أخذ كل ملابسه, ولم يترك أى متعلقات له بالمنزل وسافر إلى بلده دون علم أحد وتركنى معلقة, وبدأ الجيران يتهامسون علينا أنا وابنتى الطالبة الجامعية فكل خطوة لنا محسوبة ضدنا فإذا ذهبت إلى الطبيب وتأخرت أجد النظرات تقتلنى, وإذا جاءنا سباك لإصلاح شيء فى البيت يتغامز الجيران وهكذا تحولت حياتنا إلى جحيم. وإنى أسألك يا سيدي, هل يرضى ما يفعله زوجى الله سبحانه وتعالى الذى نهى عن ترك الزوجة معلقة, لقد طلبت من أهله ان أواجهه فلم يوافق, وكلما فاتحه أحد فى الموضوع يقول له ممكن تطلب الطلاق! أما أولادى المسافرون للخارج فلا يسألون عني, لدرجة ان أحدا منهم لم يرفع سماعة التليفون ليقول لى كل سنة وانت طيبة يا أمى فهم مثل أبيهم, ويتصرفون بنفس طريقته.. وكل الناس يعلمون ذلك.وأما ابنتى فإننى خائفة أن يقف سوقها ولا تتزوج بسبب سوء السمعة الذى لاحق أسرتى نتيجة تصرفات أبيها.. إن الدنيا تضيق من حولى فبماذا تشير علىّ ياسيدي؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول: حكمة المرأة تبنى بيتها, وحماقتها تهدمه, وأنت ياسيدتى زوجة تتمتعين بحسن التصرف منذ سنوات شبابك الأولي, فبرغم الصدمة المروعة التى أصابتك يوم عقد قرانك عندما فوجئت بأبيك يفرض عليك عريسا جديدا بعد أن تهيأت للزواج من آخر, ضاربا عرض الحائط بكل القيم والأعراف, بل والمشاعر والأحاسيس المفترض أن تكون بين الزوجين, أقول برغم ذلك تماسكت واستوعبت الموقف العصيب, وسرعان ما جمعت شتاتك وتأقلمت مع العريس قريب أبيك, ورضيت بما أنت فيه وحفظت بيتك وكرامتك, وانخرطت فى العمل, وتوليت أمور أسرتك المادية بكل مسئولية واقتدار بعد أن ظهر لك بخله وأنانيته, وانصرافه إلى نفسه, وهو الخط الذى رسمه لنفسه لكى يكنز دخله لشراء الأراضي, وبناء العقارات دون علمك ظنا منه أن ما فعله أبوك بتزويجك له كان هدفه ضمان جزء من الميراث الكبير الذى آل إليه. والغريب أنه قاسى المشاعر الزوجية بالمقياس نفسه, فاتخذ من حجرة الأولاد مستقرا له, حتى إذا أرادك انتقل إلى حجرتك لينال غرضه ثم يعود إلى ما كان عليه دون أن يتحسب لاحتياجاتك النفسية كزوجة لها حقوق مثلما يفكر هو فى حقوقه! وإننى أحييك يا سيدتى على موقفك, فلقد عرفت قدر نفسك وملكت قوة الزمن والإدارة برغم أن أباك سامحه الله هو الذى وضعك فى هذا الوضع, فلم تضعفى وواصلت مشوارك فى تربية أولادك بدأب شديد, ولو أنك فى عصمة رجل غيره لحملك فوق رأسه وأقدر صنيعك الرائع برعاية البيت والأولاد, وصون كرامته, لكنه بدلا من ذلك لجأ إلى الضرب والإهانة, ناسيا أن السوط قد يدفع المرأة إلى ارتكاب الحماقات, لكنه أبدا لن يجعلها مطيعة للرجل, لكنها النشأة التى أدت به إلى هذه الغطرسة التى لا مبرر لها. ومن شابه أباه فما ظلم, فهو فى ذلك يسير على طريقة أبيه فى التعامل معكم، والدليل على ذلك أن شقيقه رحل عن الحياة بتأثير الضرب المبرح على حد قولك. لقد خالف زوجك كل القواعد التى تقوم عليها الحياة الزوجية السليمة, فلقد خلق الرجل لقيادة البيت, والمرأة لإرشاده ومعاضدته, والبيت لا تتم فائدته إلا بها, لكنه قلب الموازين فأرغمك على القيادة والإرشاد, وكل شيء, ومع ذلك تحملت أقدارك ونأيت بنفسك عما يعيب, ومثلك كنز دفين يجب المحافظة عليه. لذلك أقول له: لقد أخطأت كثيرا فى حق زوجتك, ولن تكسب شيئا من كنز الأموال, وسوف تتركها ذات يوم, وتقابل ربك الذى سوف يحاسبك على ما فعلته فى حق زوجتك وأولادك، ولعلك تدرك ذلك قبل فوات الأوان فتعود إلى بيتك وتحفظ زوجتك وابنتك من الأخطار التى تتهددهما, هل فكرت فيما يمكن أن تتعرض له ابنتك وهى فى هذه السن الخطيرة ولا تجد من يرشدها؟ وهل تخيلت اليوم الذى ستصبح فيه وحيدا عندما يتخلى عنك الأهل والأصدقاء, وتتجرع مرارة الحرمان؟! عليك أن تدرك أنه برغم ما حدث، فإن زوجتك تكن لك الاحترام, ويكن قلبها الحب والمودة لك, وسوف تغفر كل قسوتك عليها, وظلمك لها, لكن إياك أن تستمر فى حالة اللامبالاة بها, والاستهتار بمشاعرها وأحاسيسها, واحمد ربك أن وهب لك هذه الزوجة الحكيمة التى أفنت حياتها فى الحفاظ على بيتها, وصانت لك شرفك وكرامتك.. هداك الله وأصلح بينكما.. والله المستعان.