بمناسبة انطلاق الدورة الحالية من مهرجان كان السينمائي، والتي تُقام في الفترة من 13 إلى 24 مايو الجاري، قد يظن البعض أن تاريخ المهرجان يبدأ من عام 1946، لكن الحقيقة أن فكرة تأسيسه تعود إلى سنوات أسبق، في ظل أجواء سياسية متوترة، وسعي أوروبي لإقامة مهرجان ثقافي يعكس قيم الحرية ويبتعد عن التحيز الذي ساد بعض الفعاليات في تلك الفترة. في هذا التقرير، نأخذك في جولة عبر تاريخ مهرجان كان، من لحظة الفكرة إلى تتويج "السعفة الذهبية" التي يترقبها العالم كل عام. النشأة: ولادة فكرة في زمن الاضطراب طبقًا للموقع الرسمي لمهرجان كان، تعود فكرة تأسيس المهرجان إلى عام 1938، عندما كانت الأجواء السياسية في أوروبا مشحونة. في ذلك الوقت، كان مهرجان البندقية السينمائي، وهو الأقدم في العالم، قد وقع تحت تأثير الأنظمة النازية في إيطاليا وألمانيا، مما أثّر على نزاهة جوائزه، فقررت فرنسا بالتعاون مع بريطانيا والولايات المتحدة إنشاء مهرجان سينمائي مستقل يعكس الحرية والديمقراطية في اختيار الأفلام وتوزيع الجوائز. كان جان زاي، وزير التعليم العام والفنون الجميلة الفرنسي آنذاك، هو الساعي الحقيقي وراء هذه الفكرة، وتم اختيار مدينة كان لاستضافة المهرجان نظرًا لجمالها وموقعها المتميز. كان من المقرر أن تُقام الدورة الأولى للمهرجان في سبتمبر 1939، بحضور نخبة من نجوم السينما العالمية مثل غاري كوبر ونورما شيرر، لكن لسوء الحظ اندلعت الحرب العالمية الثانية في الأول من سبتمبر 1939، قبل يوم واحد من الافتتاح الرسمي للمهرجان، ما أجبر المنظمين على إلغائه، ولم يتمكن المهرجان من الانطلاق فعليًا إلا بعد نهاية الحرب. الانطلاقة الحقيقية: بعد سنوات الحرب (1946) في عام 1946، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، استأنف مهرجان كان نشاطه رسميًا. افتُتحت الدورة الأولى في 20 سبتمبر، وشهدت حضورًا كبيرًا واهتمامًا عالميًا. أُقيمت فعاليات المهرجان في "كازينو كان"، وكان الهدف الأساسي هو إعادة إحياء صناعة السينما الأوروبية المتضررة من الحرب، وتقديم منصة للأفلام من جميع أنحاء العالم. في هذه الدورة، تم تقديم جوائز متعددة، ولكن لم يكن هناك جائزة واحدة رئيسية مهيمنة كما هو الحال اليوم. الجوائز: من الجائزة الكبرى إلى السعفة الذهبية خلال سنوات المهرجان، شهد نظام الجوائز تطورًا تدريجيًا حتى استقر على شكله الحالي. الجائزة الكبرى (1946–1954): كانت أول جائزة رئيسية تُمنح في المهرجان وتحمل اسم "الجائزة الكبرى"، وتُمنح لأفضل فيلم في المسابقة الرسمية. ولادة السعفة الذهبية (1955): في عام 1955، قُدّمت "السعفة الذهبية" (Palme d'Or) لأول مرة كجائزة رئيسية. استُوحي تصميمها من شعار مدينة كان الذي يحتوي على سعفة النخيل. شكل ظهور الجائزة نقلة كبيرة في تاريخ المهرجان، حيث ترسّخت مكانتها كأرفع تكريم سينمائي عالمي. وكان أول فيلم يفوز بها هو Marty للمخرج ديلبرت مان. رغم ذلك، لا تزال الجائزة الكبرى قائمة حتى اليوم، وتُمنح عادة لفيلم يتميز فنيًا ويُحدث تأثيرًا خاصًا، لكنه لا يحصد إجماع لجنة التحكيم الكافي للفوز بالسعفة الذهبية. إلى جانب ذلك، يُمنح المهرجان عددًا من الجوائز الأخرى، مثل جائزة لجنة التحكيم، وأفضل ممثل وممثلة، وأفضل مخرج، وغيرها من الجوائز التي تُكرم جوانب متنوعة من العمل السينمائي. أكثر من مجرد مهرجان مع مرور الوقت، أصبح مهرجان كان أحد أهم المهرجانات السينمائية عالميًا، فهو لا يقتصر على عرض الأفلام وتوزيع الجوائز، بل يُعد أيضًا مساحة مهمة لاكتشاف المواهب الجديدة، ومكانًا رئيسيًا لعقد صفقات بيع وتوزيع الأفلام من خلال "سوق الأفلام" التابع له. كما يُعرض خلاله عدد من الأفلام التي تتناول قضايا اجتماعية وسياسية مختلفة، مما يعزز دوره كمهرجان يهتم بالمضمون إلى جانب الفن. وبفضل حضوره الإعلامي الواسع واهتمام النجوم العالميين به، أصبح مهرجان كان حدثًا سنويًا بارزًا في أجندة صناعة السينما العالمية.