الشائعات تهدد استقرار المجتمع.. والمزاح لابد أن يكون صدقا كنت مريضا مرضا مزمنا واضطررت للإفطار فى رمضان الماضي، و سارعت بإخراج كفارة الإفطار خشية عدم الشفاء نظرا لظروفى الصحية السيئة حينها، ولكن بحمد الله تعافيت الآن ..فهل عليَ صيام، أم سقط بالكفارة؟ يجيب الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، قائلا: إن الصيام هو الأولى والأفضل فى هذه الحالة إذا كنت تقوى على الصيام دون مضاعفات صحية، وليكن ذلك حتى من باب الشكر لله على المعافاة وسلامة الصحة، خاصة أن الصيام ليس عقوبة، فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول «صوموا تصحوا»، أما إذا لم تصم فلا شيء عليك ما دمت قد أخرجت كفارة الإفطار. هل لقضاء الصيام وقت مفضل؟ وهل لابد من القضاء فى أيام متتابعة؟ الشيخ: الصيام ركن من أركان الإسلام لا يجوز التقصير فى أدائه بغير عذر، والترخص بالإفطار لذوى الأعذار يجعله واجب القضاء متى زال العذر، أو الكفارة متى استحال زواله، وينبغى الإسراع بالقضاء وعدم التراخى لانتظار شهر معين، لأن ذلك بمنزلة الدَين والدَين يجب المسارعة بسداده متى استطاع صاحبه ذلك، فلا أحد يدرى متى أجله، وهنا نذكر من كانت عليه أيام من رمضان الماضى أن يسارع بقضائها قبل قدوم رمضان المقبل. ولا يشترط فى ذلك التوالى حتى لو كانت الأيام التى أُفطرت متتالية، فالقضاء يجوز بالصيام فرادي، أو أياما متتالية. ما هى نظرة الإسلام للشائعات وما عقوبة مروجيها؟ الشيخ: الإسلام يمقت الشائعات ويرفضها لما لها من أثر خطير على الفرد والمجتمع، فالشائعات تشوه الحقائق وتثير الفتن وتقيم الحروب، وتخرب البيوت، ومن ثم فإنها تهدد استقرار المجتمعات. لذا فالإسلام يدعو للتأنى والتثبت وعدم تناقل الشائعات أو ترويجها، بل إن النبى صلى الله عليه وسلم حذر من الحديث بكل ما يعلمه الإنسان ولو كان واقعا حقيقة، وعد ذلك من الإثم، فقال: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِع». وخطر الشائعات وعدم التثبت مما يقال نلمسه فيما ورد عن أن النبى - صلى الله عليه وسلم حينما بعث الوليد بن عقبة إلى قبيلة بنى المصطلق ليجمع منهم الزكاة وأموال الصدقات، فلما أبصروه قادمًا، أقبلوا نحوه لاستقباله؛ فظن الوليد أنهم أقبلوا نحوه ليقتلوه، وأنهم ارتدوا عن الإسلام. ورجع إلى المدينة دون أن يتبين حقيقة الأمر، وأخبر النبى - صلى الله عليه وسلم - بذلك.فأرسل النبى - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد - رضى الله عنه - ومعه جيش من المسلمين، وأمرهم بألا يتسرعوا فى قتال بنى المصطلق حتى يتبينوا حقيقة الأمر، فأرسل خالد إليهم بعض الرجال، ليعرف أحوالهم قبل أن يهاجمهم؛ فعاد الرجال، وهم يؤكدون أن بنى المصطلق لا يزالون متمسكين بالإسلام وتعاليمه، وقد سمعوهم يؤذنون للصلاة ويقيمونها، فعاد خالد إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - دون قتال، ليخبره بأن بنى المصطلق لا يزالون على إسلامهم. ونزل قول الله تعالي: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين». ومروجو الشائعات توعدهم النبى صلى الله عليه وسلم فقال «أيما رجل أشاع على امرئ مسلم كلمة، وهو منها بريء؛ ليشينه بها، كان حقًّا على الله أن يُعَذِّبه بها يوم القيامة فى النار، حتى يأتى بنفاذ ما قال». وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال صَعدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِى جَوْفِ رَحْلِه»ِ. البعض يتهاون بما يقول أو يكتب على مواقع التواصل وإذا ما سألته يقول (لم أقصد..كنت أمزح) فهل يشفع له ذلك؟ الشيخ: الكلمة أمانة، سواء كانت مكتوبة أو منطوقة، فبكلمة يصير الحرام حلالا والحلال حراما، وبكلمة يدخل غير المسلم الإسلام، وبكلمة تصبح الزوجة محرمة على زوجها. فلا يستهين أحد بما يتفوه به ولو مزاحا، فالإسلام لا يرفض المزاح فى حد ذاته، لكنه يرفض ما يصاحبه، من كذب وهرج ومرج، مما يسقط الهيبة ويثير الريبة، لذا فعلى المسلم أن يتحسس ما يقول ولو مزاحا، وأن يتأسى فى مزاحه بالنبى صلى الله عليه وسلم، فكان يمزح، ولكنه لا يقول إلا صدقا. ولخطورة الكلمة وأثرها حذر النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث مطول لمعاذ بن قال صلى الله عليه وسلم فى آخره: «..أَلَا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فقُال معاذ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُال معاذ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!».