أولى الشرع الشريف أمر اليتيم عناية خاصة باعتباره جزءًا مُهمًّا في نسيج المجتمع، فجعل كفالته من أعظم الأعمال ثوابًا وأجزلها أجرًا؛ حيث رفقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ وهي غاية شريفة يرجوها كل محبٍّ لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «كَافِلُ الْيَتِيمِ له أو لِغَيْرِهِ أنا وهو كَهَاتَيْنِ في الْجَنَّةِ» وأشار بأصبعيه السبَّابَة والوُسْطَى (صحيح مسلم). وهذا اهتمام حكيم يناسب جبر خاطره وضعفه والقيام بحوائجه المالية والأدبية مقام أسرته التي فقدها؛ فاليتيم مأخوذ من اليُتْمِ الذي معناه في الأصل: الانفِراد؛ لأنه يصير مُنفرِدًا بعد وفاة عائله، ويطلق في الشرع على مَن مات أبوه ولم يصل إلى سن البلوغ، ويلحق به مجهول النَّسَب الذي لا أب له ولا أقارب ولا عائلة ينتمي إليها، لكونه أَوْلَى بالعناية والرعاية؛ فجهالة نسبه قد تجعله عُرضةً لنبذ بعض الناس له. وتتحقق كفالة اليتيم المطلوبة شرعًا بأن تكون كما يصنع الوالدان بولدهما مثلا بمثل من خلال تأمين ما تقوم عليه ضرورات حياته مأكلا وملبسًا ومسكنًا وتربية وتعليمًا وزواجًا وصولا إلى استقلاله نفسيًّا واجتماعيًّا وماليًّا، كما في قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)[النساء: 6] وقوله صلى الله عليه وسلم: «من ضم يتيما له -أي قريبًا له كابن أخ ونحوه- أو لغيره حتى يغنيه الله عنه وجبت له الجنة»(المعجم الأوسط للطبراني). وقد توسع مفهوم كفالة اليتيم وتنوعت إجراءات تطبيقه وتعددت المؤسسات القائمة به في العصر الحاضر سواء الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني أو الأفراد عمومًا بصورة منظمة في ضوء التنظيمات العصرية والتي يُبْذل من خلالها لليتيم المال والمنفعة معًا، ويتلقى ألوان الرعاية التربوية والصحية والثقافية والاجتماعية والغذائية مع توفير الاحتضان والحب والعطف بأسلوب حكيم، ويدخل في ذلك المبادرات التي تهتم بتوسيع نطاق كفالة اليتيم وما في حكمه كمبادرة (الأسرة البديلة) التي تقوم عليها الجهات المعنية مع تطوير نظامها وتشجيعها ماديًّا ومعنويًّا؛ والأسرة البديلة هي مصطلح معاصر يطلق على الأسرة الراغبة في رعاية أحد الأطفال كبديل لأسرته البيولوجية، وهو أمر مطلوب شرعًا ما دام قد توافرت في تلك الأسرة الشروط والضوابط التي وضعها أهل الاختصاص شرعيًّا وقانونيًّا واجتماعيًّا، وهي تضمن توفير حق الطفل في الحياة والنمو تحت ظل أسرة متماسكة تُوليه الرعاية والتربية، وتقوم على حمايته من كل صور العنف والضرر. وينبغي أن يحرص الكافل على أن يكون الطفل المكفول في سن الرضاع، وينبغي إرضاعه رضاعة شرعية تتحقق بها المحرمية حتى يمكن أن يقيم مع الأسرة البديلة الكافلة له بلا حرج، كما يجوز شرعًا لتلك الأسرة أنْ تضِيف لَقَب العائلةِ -سواء من جهة الزوج أو الزوجة- إلى اسم الطفل أو أنْ يُغَيِّرَ الِاسمَ الأخير مِن اسم الطفل إلى اسمِ تلك العائلة، بحيث يَظْهَرُ مُطلق الانتماء إليها من دون إخلال أو تدليس بأنه ولد مِن صُلْبِ كافله أو ابْنُ أَحَدٍ مِن العائلة التي تحمل هذا اللقب، مع الاحتفاظ بالأحكام الشرعية مِن حُرمة التبني وما يترتب عليه. وتنطلق الجهود المعاصرة المشكورة والمبذولة للارتقاء بشأن الطفل اليتيم وما في حكمه من جذور إنسانية وشرعيَّة تؤكد أن لليتيم عند المسلمين دلالات راقية، فكفالته عبادةٌ أجرها عظيم، وقد بات الاحتفال باليتيم في الموروث الحضاري والثقافي رمزًا للتكافل والمواساة بين أفراد المجتمع؛ حيث تعارفت المجتمعات فيما بينها على جعل أول يوم جمعة من شهر أبريل في كل عام يومًا لليتيم، وهي مناسبة هادفة يتجلى فيها إظهار أفراد المجتمع لإكرام اليتيم وتضامنهم مع قضاياه؛ نشرًا لقيم البر والمعروف الواجبة تجاه اليتيم والنهوض بأحواله. لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية