بينما كنت أفكر فى طبيعة النفس البشرية وما بها من متناقضات، تذكرت حكاية قديمة قرأتها منذ عدة سنوات أكثر من مرة وفى كل مرة كنت أقرأها بشكل مختلف ولكنها فى النهاية تصب فى معنى واحد. الحكاية تقول أن رجلا من أثرياء إحدى القرى التى كان أهلها يعانون ضيق الحال وقلة الرزق وكانوا كلما ذهبوا إليه يطلبون المساعدة يفاجئهم بقوله إنه لا يحب مساعدة الآخرين وكان يحثهم على العمل من أجل كسب المال بدلاً من هذا «التسول» فكانوا ينظرون اليه بكراهية شديدة ويصفونه بالبخل وظلوا يسبونه خاصة حينما كانوا يقارنون بينه وبين جزار القرية الذى كان يوزع عليهم لحوماً ولا يأخذ ثمنها ونفس الشىء كان يفعله بقال القرية الذى كان يرسل للمحتاجين مواد غذائية بلا مقابل. ومرت الأيام وهم على هذا الحال يتهكمون على الرجل ويسبونه ويصفونه بالبخل وهو لا يرد عليهم وكأن هذا السباب موجه الى شخص غيره.. وذات يوم مات الرجل فلم يذهب أحد منهم للمشاركة فى تشييع جثمانه ولكن حدث شىء غريب فى اليوم نفسه فقد فوجئوا بأن الجزار لم يرسل لهم لحوماً والبقال توقف أيضاً عن ارسال المواد الغذائية وحينما سألوا الجزار قال لهم لقد مات الرجل الذى كان يعطيه ثمن اللحوم ليرسلها اليهم ونفس الشىء قاله لهم البقال..فاكتشفوا ان الرجل الثرى «الطيب» هو الذى كان يرسل لهم كل هذه الاشياء دون رياء ودون أى ضجيج. سبحان الله لقد ظلموا الرجل فى حياته وقست قلوبهم عليه بعد وفاته بعدم المشاركة فى تشييع جثمانه.. فهل آن الأوان لأن نتخلص من هذا الكم الهائل من الغل والحقد والكراهية التى بكل تأكيد لم تأت من فراغ، وإنما هى نتيجة طبيعية للنظر «أسفل أقدامنا» والأخذ بظاهر الأشياء فنغرق أنفسنا فى قصص وحكايات لن نجنى من ورائها سوى حرق الدم و«وجع القلوب». [email protected] لمزيد من مقالات أشرف مفيد