* أحلم بتصدير الفكر العربى للآخر تعددت إسهاماتها الثقافية على المستويين المحلى والعالمي، حيث عملت أستاذا للأدب الفرنسى والترجمة بجامعة عين شمس، وأستاذا بالسوربون، واختيرت عضوا لاتحاد الكتاب الدولى باللغة الفرنسية بباريس؛ ولتميز بحوثها العلمية ومؤلفاتها الأدبية، التى صدرت بالفرنسية، منحتها فرنسا وسام الدولة الأكاديمى من طبقة «فارس» عام 2006، ثم توالى نشاطُها لدعم الفرانكوفونية، وتوثيقِ التعاون الأكاديمى والعلمى بين جامعات أوروبا والوطن العربى فاستحقت عن جدارة وسام «ضابط» والذى يُمنح لمن قدموا إنجازاتٍ ملموسةً فى حوار الحضارات، والثقافات بين دول الاتحاد الأوروبى والوطن العربي. إنها الدكتورة حنان منيب التى تقلدت العديد من المناصب، أبرزت خلالها الوجه المُشرق للمرأة المصرية، فعملت مُستشارا عربيا ودوليا للجامعات الفرنسية، ومُستشارا دوليا لرئيس هيئة الكتاب بوزارة الثقافة، بالإضافة إلى عملها مديرا تنفيذيا لمشروع «تصدير الفكر العربى مُترجما»، ومُستشارا دوليا لعدة هيئات عربية وعالمية، وعقب عودتها من فرنسا، أسست مؤسسة «ضفاف للثقافات والفنون»، واختيرت رئيسا لقطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة. كما صنفت العديد من المؤلفات الهادفة التى صدرت بالفرنسية، كان آخرها «إيزابيل الزاهدة»، و«ألبير قصيرى بين النيل ونهر السين». هى رحلة مُمتدة لإثراء الثقافة، سلكت درُوبها د.حنان منيب التى كان معها هذا الحوار. متى كانت بداياتك الثقافية؟ إذا اعتبرنا أن أولى بذور الثقافة يزرعها الآباء لدى أبنائهم عندما تبدأ خطواتهم الأولى فى الحياة عند باب المدرسة، فأنا أزعُم أن بدايات تعرفى على معنى الثقافات المختلفة كان فى أول درس بمدرستى التى تعد من أشهر المدارس الفرنسية، هناك تفتحت عيناى على عالم مختلف: فتيات من جنسيات مختلفة، مُدرسات ينتمين إلى ثقافات عديدة، راهبات للدين المسيحي، ومعلمات محجبات للدين الإسلامى، ومعلمة التربية الموسيقية ذات الصوت الدافئ، ومعلمة التربية الرياضية ذات النبرة الحاسمة.. إلخ، فى مثل هذا التنوع اللغوى والثقافى والفكرى والدينى بدأ يتكون عندى أول خيوط النسيج الثقافى الذى صار مع الوقت مِظلة أركنُ إليها فى كل مسيرة أنتهجها داخل وخارج البلاد. وما السر فى انتقالك من العمل المحلى للعمل الدولي، وما هى المحطات التى وصلتِ إليها؟ تم ترشيحى أكثر من مرة لمناصب بالخارج لتعظيم الفائدة من اللغات الأجنبية التى أُجيدها والمهارات الدبلوماسية والدولية التى اكتسبتُها بعد تخرجى فى الجامعة، وحصولى على الماجستير والدكتوراه فى الأدب الفرنسى والترجمة، فكنت أتردد مُفضلة أولوياتى الأسرية على عملى المهني، ولكننى أدركتُ بعد ذلك أننى كنتُ غير مُحقة؛ لأن أولى ثمار العمل الدولى يجنيها الأبناء قبل الآباء، لذا انتقلت من العمل الجامعى الذى بدأت من خلاله أولى تجاربى الأكاديمية الدولية إلى العمل بالدبلوماسية المصرية كملحق ثقافى بالسفارة المصرية بباريس، وأستاذٍ للأدب الفرنسى والترجمة بالسوربون ، ثم عملتُ مستشارا للشئون الثقافية والأكاديمية الأورو- عربية، ومستشارا للشئون العربية، وخلال ذلك كنتُ حريصة على الجمع بين المنصب الدولى والمحلي، رغبة فى تسخير كل مهاراتى دائما وأبدا لخدمة الوطن. تعددت الأجناس الأدبية وصور العلاقة مع الآخر فلماذا اختارت منيب الترجمة بالذات، وما هو الدور الذى تقوم به الترجمة من وإلى الآخر؟ نَقلُ الأدب العربى إلى الآخر أيا كان لونُه أو جنسُه أو ثقافته، إنما هو نقلٌ لثقافتنا وتقاليدنا وعاداتنا المتأصلة الجذور، فهو تعريفٌ للآخر بهويتنا المصرية والعربية عن طريق ترجمتها إلى لغته، فالاختلاف بين البشر هو فقط فى لغة اللسان، وليس لغة الإنسان، وهناك العديد من رموز الفكر والأدب والرواية والفلسفة ممن يجب علينا أن نضعهم فى مصاف الرموز العالمية، والذين تعرفنا عليهم من خلال أعمالهم الجادة، فمازال النيل يهبُنا كل يوم طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ وثروت عكاشة، فمهمتُنا القومية بل مهمة كل مواطن مصرى معنيٍ ومُهتم بتثقيف أجيال متعاقبة هى نقل تراثنا الأصيل وفكرنا المعاصر إلى جميع الساحات الدولية لنُفعل المقولة التى شاعت عنا منذ القدم «إن مصر هبة النيل ومهدُ الحضارات»، وحتى نُرى العالم بأسره وجه مصر المُشرق البراق، والذى يتجلى فى أعمال مفكريه ومُبدعيه، وهنا يكمن السر فى اهتمامى بالترجمة، وقد ساعدنى على ذلك إتقانى لعدة لغات على رأسها اللغة الفرنسية . ماهى أهم الأعمال التى قمت بترجمتها تحقيقا لتلك الغاية سالفة الذكر؟ رغم كثرة تلك الأعمال إلا أن أهمها فى نظرى، هى مسرحية فكاهية ساخرة بل ولاذعة للكاتب محمد أبو العلا السلامونى تُسمى «الحادثة اللى جرت فى 11 سبتمبر» والتى تُحارب الإرهاب، وهناك كتابٌ أيضا عن دور الأقباط فى السياسة المصرية للدكتور مصطفى الفقي، والذى تحدث فيه حديثا ذا شجون عن القبطى مكرم عبيد باعتباره شخصية وطنية معروفة، وترجمتُ كتابا عن «الزواج والطلاق فى مصر القديمة» للدكتورة تُحفة حندوسة، بالإضافة إلى العديد من الكتب والروايات والمقالات التى ترجمتُها إلى اللغة الفرنسية، فضلا عن كُتبى التى صدرت مباشرة باللغة الفرنسية، والتى انتشرت بباريس كاشفةً عن ذاتيتى وهويتى الثقافية. وما هو المشروع الثقافى الذى تنشد د.حنان منيب تحقيقه ؟ كان لدى أثناء عملى بهيئة الكتاب مشروعٌ يتمثل فى تصدير الفكر العربى للآخر، ذلك المشروع الذى تبناه من قبلى ورسم خطواته أستاذى ومُعلمى الدكتور ناصر الأنصارى رحمه الله، والذى شرفت بالعمل فيه كمدير تنفيذي، ويقوم على التدقيق فى اختيار المؤلف أو الكتاب، وكذلك المرجع ودار النشر وصولا إلى معارض دولية لتوقيع الكتاب والذى بمجرد أن ينتهى العملُ فيه يُصبح سفيرا قويا، يتحدث عن مصر بلغات عديدة ويدافع عن أهم قضاياها الاجتماعية والفلسفية والسياسية ، ولا أبالغ إذا قلت إن هذا المشروع كان الأوحد فى القطر العربى بل فى العالم ؛ لأن السباحة ضد التيار هى أن تُترجم عملك الذى صدر باللغة العربية إلى اللغة الأجنبية، ويُباع هذا العمل ويُعرض ويُوقع ويتحدثُ عنه الإعلام الغربى بلغات مُختلفة، ومن ثم كانت المنافسة مُمتعة، فكنتُ الوحيدة التى خالفتْ القاعدة، ونقلت الأفكار والكتب والروايات العربية إلى الآخر وليس العكس، فالترجمة إلى الآخر وليس عنه تجعلُ لنا يدا بيضاء عليه، فيعترف بفضلنا ويُقر بريادتنا، وتتضح له صورتنا الحقيقية وليست الزائفة، فكان لابد نتيجة لهذا الانفراد الدولى والجهد الدءوب والمثابرة على «بيع المياه فى حارة السقَّايين» أن تحصد مصرُ وبجدارة تلك الثمرة الطيبة اعترافا بهذا الجهد المصري، حيث تم تكريم وزارة الثقافة المصرية بمكافأة مادية ومعنوية أدخلت الفرحة إلى قلوب العاملين فى هذا المشروع المُتميز، تلك المكافأة التى أقرت بأن أعضاء هذا المشروع كانوا سفراء لمصر فوق العادة، وحتى بعد أن تركت الهيئة مازال وسيظل هذا المشروع هو شغلى الشاغل. وماذا عن تقييمك للأوسمة والنياشين التى حصلتِ عليها؟ الأوسمة والنياشين من وجهة نظرى هى تكريمٌ للبلد الذى ينتمى إليه المُكرَم، وأسعدُ لحظات حياتى وقتما كان يُرفع علم مصر بجانب علم فرنسا عند تقليدى الوسام، فهى لحظة فارقة تختلطُ فيها الأحاسيس، فتملأ جوانحى فرحة عارمة تكاد تنطق وتقول أنا مصريةٌ وأفتخر، بهذا إلى جانب الشعور بالامتنان والشكر للدولة التى تمنحنى التكريم، فرغم أنها دولة أجنبية إلا أنها لم يفُتها أن هناك اسما - يتردد على الساحة الدولية بعدة لغات، ويسبحُ فى شواطئ عديدة يُلاطم أمواج الثقافات العديدة دون كلل ولا ملل - يستحقُ التكريم. بوصفك ممن خاضوا غمار العمل الدولى ما أهم المشاكل التى تواجه المجتمع المصرى مُقارنة بالآخر؟ مازالت الأميةُ تمثل الخطر الأعظم على أبناء هذا الوطن، فظاهرة التسريب من التعليم الإلزامي، وعمالة الأطفال دون السن القانونية، وتفشى الجهل بسبب الظروف الحياتية المُضنية إنما هى معاولُ هدم فى جدار المجتمع الذى اهتزت ثقافته فصارت مُشوشة، وأحيانا مُشوهة تصل إلى بعض الجماهير مَبتُورة المعنى والهدف. فمحو الأمية وثيقُ الصلة بتثقيف المجتمع، واليوم حين ينادى المجتمع الدولى بتعظيم التعليم وتبسيط الثقافة أشعر بالأسى والحسرة لأننا فى مصر بلد الحضارة ما زلنا نعانى ويلات الأمية والجهل. وماذا عن حل تلك الأزمة؟ علينا جميعا واجبٌ قومى يتمثل فى نشر ثقافات عدة مثل: الثقافة الطبية المُبسطة لتصح الأبدان، والثقافة المعرفية لتسمو النفوس والأرواح، ونشر الثقافة العلمية الواعدة لينبغ الأبناء ويحتلوا أعلى المناصب حتى تتكرر نماذج العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وزويل ومجدى يعقوب وغيرهم ممن شرفوا مصر فى المحافل المحلية والدولية.