مستريحًا يجلس المهندس ذو اللحية الكثة على أريكته الوثيرة، منح نفسه توصيف (شيخ)، ومنحه تيارهُ صك المتحدث الرسمى باسم السلفية فى مصر، وقرر صانعو هذا التيار أن يمنحوا توصيف (بدعةٍ) على كل براح وهبه الله للإنسان، قرر المهندس ذو اللحية الكثة، أن يُمارس هوايته الدائمة فى توزيع قيود الفتاوى على عقول البشر، كوْنُها الضامن الرئيس لبقاء تخلف العقول بما يؤهلها للاستخدام فى أى وقت، يأتيه السؤال عبر (الإنترنت) البدعة، مستفسرًا عن مصطلح مبتدع هو (قبول الآخر)، ويقرر المهندس ذو اللحية الكثة أن يُفتى عبر موقعٍ أنشأه أصحاب اللحى بعدما أفتت قياداتهم بأن إنشاء الموقع البدعة جائز حال الضرورة دفعًا للمفسدة التى هى مقدمة على جلب المنفعة، والغريب أن محركات البحث العالمية تُظْهِر الموقع متصدرًا للحديث باسم الإسلام على قوائم الفتوى على الشبكة العنكبوتية. وبعد حمد الله والصلاة على مصطفاه، يقرر المهندس ذو اللحية الكثة أن يفتى مردفًا أما بعد، ليبدأ شرحًا وافيًا لرؤاه حول مصطلح (قبول الآخر) ويكفينا فى صدد الاستشهاد أن نسوق عباراته التى منها (قبول الآخَر أحد آخِر المصطلحات بروزًا لينضم إلى قائمة المصطلحات الرنانة التى يُستخدم معظمها فى ترويج أفكار باطلة كالتقدم، والتنوير إلى آخره, غير المسلمين أولاً نسميهم بالكفار, ثانيًا لا نرغم من يعيش منهم فى بلاد المسلمين على الإسلام ولكننا نرى أن أديانهم باطل وغى وبيان ذلك من أوجب الواجبات -هذا هو الموقف الشرعى الصحيح للمسلم من الكفار الذين يحاولون إخفاء وصفهم بالكفر تحت وصف الآخر, البدع ضلالات يجب إنكارها كالكفريات وإن اختلفت الرتبة)!. قبل عشر سنوات من طرح المهندس ذى اللحية الكثة رؤاه فى الآخر، كانت صحيفة (معاريف) قد نشرت نص رسالة نادرة أرسلها الحاخام الأكبر فى مدينة القدس عام 1665، إلى كبير الحاخامات المصريين يخبره فيها (أن الأسباط الإثنى عشر المفقودة تم العثور عليها فى إحدى مدن ألمانيا، وأن هذه الأسباط بدأت فى التوجه نحو مكة لاحتلالها وهدم الكعبة حتى يتم تسويتها بالأرض قبل ان يقوم هؤلاء الأسباط بالقضاء على ملك الخليفة العثمانى حتى يصبح المسلمون جميعًا عبيدًا لدى اليهود. وبكل ذلك تتوافر الشروط الواجب ان يوفرها اليهود حتى يظهر المسيح المنتظر، ويعيش اليهود الألفية السعيدة التى يحلم اليهودى بها منذ ميلاده وحتى وفاته)! وأثناء مواصلة المهندس ذى اللحية الكثة لتنظيراته الرافضة لغيره، يطل علينا مناظرُ له عبر إحدى الفضائيات المسيحية محتلًا نفس مقعد الأول، مُستعليًا على كل الخلق، ومسوقًا لخطاب يقدس ذاته وينفى من عداه قائلاً (نحن أبناء الله وشعبه وهيكله وقدسه ونور العالم، ومن لا يتطابق معهم فى الإيمان هم أبناء إبليس وأبناء الظلمة وحيوانات نجسة هالكة)، ويسوق نصوصه المقدسة لتدعم أطروحاته (أَمَّا هؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ، يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ، فَسَيَهْلِكُونَ فِى فَسَادِهِمْ, نعلم أننا نحن من الله والعالم كله قد وضع فى الشرير)، وتتطور هذه المائدة لتُنتج للعالم زعيمًا يرتكز فى دعاياه الانتخابية على كراهية من عداه، وجمع كل متعصبى الدنيا لمباركة حملته فيشجعه (تومى روبنسون) مؤسس الفرع البريطانى لحركة (بيغيدا) المتطرفة، ويدعمه (خيرت فيلدرز) زعيم حزب (الحرية الهولندي) ذو التوجهات المتطرفة، وفى خطاب تنصيبه يُباركه رجلُ دين يؤكد أن (نزول المطر مع التنصيب دليل مباركة الرب)! فى حالة البحث عن طوق نجاة للإنسانية، لا ينبغى التوقف عن التبعية الدينية للمهندس ذى اللحية الكثة، كما يجب ألا تشغلنا كثيرًا كونه يرتدى جلبابًا أو قميصًا أو قلنسوة، ويستوى فى تأثيرات خطابه كونه شيخًا لتنظيم أو كاهناً يسوق طائفة، أو زعيمًا لحركة أو حزب، فاستخدام الدين فى كلٍ سواء، ونفيُه فى أحيانٍ يسوق إلى ذات الخطاب المتطرف، ولذا يُصبح على كل معنى بالمصير الإنسانى أن يُحدد المستهدف من تسويق هكذا خطاب، وهو التحديد الذى تشير كل أسهمه إلى تهديد مباشر للإنسان، عبر إشاعة خطاب فزعٍ عام يرفض فطرة الله فى خلقه (الاختلاف)، ويلوى أعناق النصوص الصريحة لتستحيل رصاصًا أو قنابل أو نارًا تحرق. وبالتأكيد على المعنى بالمصير الإنسانى أن يتنبه لتصاعد منحنى الفعل المتطرف، وتحوله إلى تهديد حقيقى للمصير عبر بوابة معاندة فطرة الاختلاف (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ...)، ولهذا ليست القضية فى جريمة حرق المصاحف من قبل رئيس حزب (النهج الصلب) الدنماركى اليمينى المتطرف، قدر ما هى شيوع الخطاب المؤدى لهذا الفعل، والذى ينذر باتساع رقعات الفعل والفعل المضاد، مع الوقوع فى شرك توصيف الحالة باعتبارها إسلاموفوبيا أو مسيحيوفوبيا فى حين أن جميعها تصب فى مشروع أعم يستهدف الإنسان ووجوده ولا نجاة منه إلا باللوذ بأصل الفطرة الإنسانى كونه العاصم من قواصم استشراء (الإنسانوفوبيا). لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى