بعض الأشياء تبعث الأمل فى الحياة والبشر. انها تبدو نقطة ضوء وسط نماذج غريبة تشعرك بالخوف والوحشة.. وفى حوار من الزمن الجميل آجرته صحيفة اليوم السابع مع د. محمد عبدالغفار مشالى الطبيب المصرى الذى اختار أن يعيش وسط فقراء وطنه وهو يعيش خريف أيامه.. أن كشف هذا الطبيب يتراوح بين عشرة وخمسة جنيهات. وهو سعيد وراضى بهذا المبلغ الضئيل الذى لا يمثل شيئا أمام لهيب الأسعار ومطالب الحياة.. والدكتور مشالى كان مديرا لأحد مستشفيات طنطا قبل أن يحال إلى المعاش منذ 15 عاما وهو قانع بهذا المبلغ القليل ويؤكد انه قام بتربية أبنائه وأبناء أخيه وانه عاش حياته سعيدا راضيا وسط الناس البسطاء واكتفى بحياته بينهم. هذه النماذج الطيبة تعطى للحياة إحساسا بالكمال والجمال والقناعة والشيء المؤكد إنها كانت كثيرة فى حياة المصريين كان هناك شيء يسمى الرضا وكان هناك تاج يسمى القناعة ولكن النفوس تغيرت حين سيطرت أشباح الجشع وعدم الرضا على حياة الناس. لم تعد الأرض كما كانت وبخلت بثمارها ولم تعد العلاقات بين الناس كما كانت فقد توحش الأغنياء وضاق بالحاجة الفقراء وأصبحت الرحمة ضيفا غريبا فى حياتنا. كان أثرياء زمان يوزعون الطعام على الفقراء ويحرصون على مشاركتهم فى كل شيء. كانت الأرض أكثر سخاء لأننا نعرف شيئا اسمه الرضا والحلال والحرام وكان الخير يفيض فى البيوت ويشعر كل إنسان انه سعيد بما لديه.. منذ سيطر المال على مشاعر الناس انقلبت موازين الحياة وتوحش القادرون وانسحب المحرومون لأن العدالة لم تعد تجد مكانا لها أمام جشع النفوس وسطوة المال. إن د.محمد مشالى طبيب طنطا الذى مازال يكشف على مرضاه بعشرة جنيهات ويؤكد انه سعيد بهذا المبلغ فى عيادته البسيطة وجدرانها المتهاوية كان يستطيع أن يجمع الكثير وأن يقيم عيادة كبرى فى قلب القاهرة ولكنه فضل أن يبقى هناك بعيدا عن الأضواء والأرقام الخيالية والزهد المزيف والمال المتوحش.. مادام بيننا أمثال د.مشالى وجنيهاته العشرة فسوف يبقى الخير فى هذا الوطن الذى علم الدنيا معنى الرضا والقناعة والغنى الحقيقى. ألم اقل لكم أن الدنيا بخير. [email protected] لمزيد من مقالات فاروق جويدة