يصف الوحى الإلهى فى التوراة فى سفر التكوين حين خلق الرب الحياة فيقول بعد كل خلقة: ورأى الله أنه حسن، فكل شيء كان جميلاً. فقد خلق الجمال فى كل شيء ولم يخلق القبح ولا الشر ولا الظلمة. لذا بدأ القبح فى الإنسان يوم أن رفض الحياة مع الله، وبدأت الخيانة والشر والظلمة والظلم، بل بدأ يشوه الأرض بمشاعر القبح التى صارت تتحكم فيه. وكلما كان الإنسان مادياً ويعيش كجسد فقط يكون الجمال بالنسبة له هو ما تراه عيناه، وما تلمسه حواسه، ولكن كلما ارتقى الإنسان واكتشف فى إنسانيته عمقاً آخر وهو الروح نظر إلى أعماق الآخرين ورأى جمالاً أخر يفوق جمال الجسد. فى قصة أحدب نوتردام التى كتبها فيكتور هوجو عام 1831 يلقى الضوء على هذه الفكرة لنرى من هو الجميل ومن هو القبيح. تدور القصة فى كنيسة نوتردام فى باريس وفى المنطقة المحيطة بها، حيث رجل الدين فرولو الذى يرسم ملامح الجمال فى الخارج ولكنه كان تلميذاً للشيطان بالسحر الأسود. والأحدب قبيح الوجه والجسم الذى رباه فرولو، وكان قارعاً للأجراس وقد سببت له الصمم، فكان قبيحاً فى كل شيء من الخارج، وكان يختبئ من نظرات الناس داخل الكنيسة. وفى احتفال كل عام يسمونه عيد الحمقى تنتخب فيه المدينة أمير الحمقى يختارون فيه من يلبس ملابس ويضع على وجهه مساحيق تجعل منظره أحمق. وفى تلك السنة خرج الأحدب كازيمودوا مع فرولو لينظروا الاحتفال، وترقص فيه راقصة غجرية تحمل جمالاً كبيراً يعجب بها فرولو، ويهيم بها الأحدب أيضاً الذى يختارونه أميراً للحمقى، فيلتقى بالفتاة التى تعطف عليه. ويحاول فرولو أن يخطفها فينقذها ضابط وتقع فى غرامه، فيحاول فرولو أن يقتل الضابط ولم يفلح، فيدبر تهمة إلى أزميرالدا الفتاة الغجرية وتلقى فى السجن ويحكم عليها بالإعدام. وفى ساحة المدينة أمام كاتدرائية نوتردام وضعت منصة الإعدام، وكان الأحدب يرقب هذا من فوق الكاتدرائية ويصرخ بشكل هيستيرى ويحاول أن يمنع الإعدام، ولكنه لم يفلح ويلقى جثمانها خارج المدينة، فيجرى ويحتضن الجثمان ويموت هو أيضاً. وتنتهى الرواية التى تترك سؤالاً مهما منْ من كل هؤلاء هو القبيح ومن هو الجميل فى هذا العالم؟ الجمال الخارجى أم الداخلي؟ من يضع على وجهه مساحيق وأقنعة الفضيلة ويخفى الشر فى داخله أم الذى لا يحمل جمال الوجه ولا ينتمى إلى فئة الأغنياء والوجهاء ولكنه يحمل حباً ونبلاً؟ ففى نهاية الرواية لا يسعك إلا أن تعترف بأن الأجمل على الإطلاق فى هذا المجتمع هو الأحدب الأصم البشع المنظر ولكن صاحب القلب الرقيق الذى وقف أمام سيده حتى لا يختطف تلك الفتاة. ولكن مع مشاعرنا المنحازة إلى هذا الأحدب نجد أيضاً مشاعر أخرى تدين عالمنا الذى يحكم على القبيح من الخارج ليس فقط من الملامح ولكن عالمنا يحكم أيضاً على ما تراه عيناه فقط دون أن يفكر أو يرى ما هو أبعد مما يرى، فكم من نفوس أنزوت وهى تنزف من نظرات المجتمع وإدانته لها دون أن تدرك حقيقة ما تراه. فنحن نسير وعيوننا ترى، وألسنتنا تفضح، نسير وعيوننا تبحث عن ضعفات بعض، وندين، ونحكى، ونحكم، ونشهر بالآخرين دون أن نرى الداخل ولا الأعماق. فالسطحية فى الرؤية تجعلنا لا نرى حقيقة القبح والجمال، وقد نُخدع بكلمات المخادع، ونهتم فى الملامح المرسومة بالمساحيق، ونرفض ونطرد بل أحياناً ندوس على هؤلاء البسطاء والذين لا يملكون رفاهية المساحيق ولا يجيدون التملق والخداع. من هو الجميل ومن هو القبيح ليس بالصورة الخارجية ولا بالملابس الأنيقة ولا بالأموال ولا بالكلمات الجميلة بل الذى فى داخله جمال حقيقى حتى وإن بدا غير ذلك من الخارج. فى عام 1898 رسمت لوحة لامرأة عارية تركب حصاناً تخليداً لقصة فائقة الإنسانية. وكثير من يرى تلك اللوحة سيصب جام غضبه على من رسمها، ومن أحضرها، ومن أتى بها وعلقها على الجدران، ومن الوهلة الأولى سيحكم أى قبح وأى فساد وعرى هذا الذى جعل هذا الرسام يرسم امرأة عارية تتجول فى شوارع المدينة راكبة الحصان. ولكن مهلاً فانتظر لتعرف الحقيقة، تلك اللوحة لزوجة حاكم ولاية كوفنترى بإنجلترا فى العصور الوسطى، وقد كان زوجها حاكماً قاسياً يحكم شعبه بالحديد والنار، وقد أرهقهم بالضرائب واكتظت السجون بالفقراء. وجاءت زوجته وترجته أن يخفف عن الشعب ويعفو عن المساجين الفقراء فرفض بشدة. ومع إلحاحها وحتى يتخلص من طلبها المستميت قال لها: أتريدين أن أخفف الضرائب، وأعفو عنهم، تجولى فى شوارع المدينة وأنتِ عارية، إذا فعلت هذا سأحقق طلبك، وكان يظن أنها لن تفعل هذا وبذلك يكون قد تخلص من طلباتها الدائمة للشعب. ولكنها قالت له: إن فعلت هذا تحقق طلبي؟، فقال: نعم، فقالت: اقسم أمام الوزراء، فجمع وزراءه وأقسم على هذا. وفى صباح اليوم التالى جاء إليه أحد الوزراء وقال له: زوجتك تسير فى الشوارع على حصانها عارية، فوضع الوالى يده على رأسه وقال: ياللفضيحة هل فعلت هذا؟! وكل الشعب رأى زوجتى عارية؟، فقال له: لا يا مولاى فالشعب حين عرف أنها فعلت هذا لأجل أن تخفف عنهم الضرائب وتفرج عن المساجين أغلقوا الشبابيك ولم ينزلوا إلى الشوارع فهى تتجول والشوارع خالية تماماً. عزيزى القارئ هل تعتبر هذه المرأة قبيحة مستهترة أم أنها جميلة نقية لأنها فعلت هذا حتى تريح شعبها؟ ومن هو القبيح فى تلك اللوحة ليس من تظهر عارية بل من هو غير مرئى وخلف اللوحة ولا يراه الآخرون. فالقبح والجمال له مقياس آخر غير مقياس الملامح والكلمات، إنه الإنسان، أنها الملامح الداخلية، إنه النور والحق والخير، إنها بصمات الله التى شوهها الإنسان بأنانيته وذاتيته وخداعه وحماقته. لمزيد من مقالات القمص.أنجيلوس جرجس