122 ألفا و572 طالبا بالصف الثاني الإعدادي بالدقهلية يؤدون امتحاني اللغة الأجنبية والهندسة    عراقجي: جولة مفاوضات النووي في روما "الأكثر احترافية" وواشنطن بدأت تفهمنا بشكل أفضل    هزة أرضية تضرب جزيرة كريت بعمق يتجاوز 52 كيلومترًا    مسؤول أوكراني: إصابات جراء حرائق اندلعت بعد هجوم روسي بالمسيرات على كييف    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ريال مدريد ضد سوسيداد في الدوري الإسباني.. والمعلق    131 ألفا و784 طالبا بالصف الأول الإعدادي بالدقهلية يؤدون اليوم امتحان الرياضيات    بعد جعفر العمدة.. محمد رمضان يشوق جمهوره لمسلسله في رمضان 2026    نبيلة مكرم عن شيخ الأزهر:" ما بقلوش غير أبويا وما استحملش عليه كلمة"    عيد الأضحى 2025.. أسعار الخراف والماعز في أسواق الشرقية    أخصائية اجتماعية تكشف أسباب ظهور سلوكيات عصبية الأطفال    «ترانس جاس» تنفي شائعة تسرب الغاز بكفر الشيخ    ميلاد جديد ل«تاريخ لا يغيب».. العالم يترقب «سيمفونية الخلود» على أرض الأهرامات    د. هشام عبدالحكم يكتب: خد وهات.. لتبسيط المفاهيم الصحية    تعاون شبابي عربي لتعزيز الديمقراطية برعاية "المصري الديمقراطي"    نبيلة مكرم عن أزمة ابنها: قررت اتشعبط في ربنا.. وابتلاء رامي كشف لي أنا جيت الدنيا ليه    «مش شبه الأهلي».. رئيس وادي دجلة يكشف رأيه في إمام عاشور    نجاح مركز طب وجراحة العيون بكفر الشيخ في إجراء جراحة دقيقة لزراعة طبقية قرنية    رابط نتيجة الصف الأول الثانوي الأزهري الترم الثاني 2025.. رابط مباشر وخطوات الاستعلام    رابط نتيجة الصف الأول الابتدائي بالقاهرة 2025 وخطوات الاستعلام عبر بوابة التعليم الأساسي    حملات أمنية لردع الخارجين عن القانون في العبور| صور    ضبط 2.5 طن أعلاف مخلوطة بالقمح المحلي في التل الكبير بالإسماعيلية    أسماء المقبولين بمسابقة 30 ألف معلم.. تعليم الشرقية تعلن النتائج    حرب شائعات.. المستشار الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي معلومات مغلوطة بشأن تصدير المانجو    نشرة التوك شو| الاتحاد الأوروبي يدعم مصر ماليا بسبب اللاجئين.. والضرائب تفتح "صفحة جديدة" مع الممولين    خبيرة أسرية: البيت بلا حب يشبه "بيت مظلم" بلا روح    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    اليوم.. نظر دعوى الفنانة انتصار لزيادة نفقة أبنائها    اليوم| أولى جلسات محاكمة «القنصل» أكبر مزور شهادات جامعية و16 آخرين    الضرائب: أي موظف يستطيع معرفة مفردات المرتب بالرقم القومي عبر المنظومة الإلكترونية    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تستهدف خيمة تؤوي نازحين في منطقة الصفطاوي بمدينة غزة    حلمي طولان: تراجعنا عن تعيين البدري مدربًا للمنتخب لهذا السبب    واشنطن ترفع العقوبات عن موانئ اللاذقية وطرطوس والبنوك السورية    استشارية أسرية: الحب مجرد تفاعل هرموني لا يصمد أمام ضغوط الحياة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. جوتيريش يرفض أى خطة لا تحترم القانون الدولى بشأن قطاع غزة.. ترامب يتوعد "أبل" ب25% رسوم جمركية.. وإصابة 12 فى هجوم بسكين بمحطة قطارات هامبورج بألمانيا    وول ستريت تهبط بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبى    سعر الذهب اليوم السبت 24 مايو محليا وعالميا بعد الارتفاع.. بكام عيار 21 الآن؟    الأرصاد الجوية: طقس الغد شديد الحرارة نهارا والعظمى بالقاهرة 37 درجة    مصر تعيد 71 مواطنا مصريًا من ليبيا    وفاة 3 شباب إثر حادث سير أليم بكفر الشيخ    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 24 مايو 2025    وزير الزراعة: صادرات مصر الزراعية إلى السعودية تتجاوز 12% من إجمالي صادراتها للعالم    إسقاط كومو لا يكفي.. إنتر ميلان يخسر لقب الدوري الإيطالي بفارق نقطة    "الظروف القهرية يعلم بها القاصي والداني".. بيراميدز يوضح تفاصيل شكواه للمحكمة الرياضية بشأن انسحاب الأهلي أمام الزمالك    يوريشتش يستقر على تشكيل بيراميدز أمام صن داونز.. يجهز القوة الضاربة    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    "الثقافة" تصدر "قراءات في النقد الأدبي" للدكتور جابر عصفور    صلاح سليمان: مباراة بتروجت مهمة للزمالك لاستعادة الانتصارات قبل نهائى الكأس    تعرف على نتائج المصريين فى اليوم الثانى لبطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    بالأسماء.. «تعليم الإسكندرية» تعلن قائمة المقبولين بمسابقة ال30 ألف معلم    ترامب والشرق الأوسط.. خطط مخفية أم وعود حقيقية؟!    نصائح لتجنب الارتجاع المريئي، و7 أطعمة تساعد على تخفيف أعراضه    أخبار × 24 ساعة.. حصاد 3.1 مليون فدان قمح وتوريد أكثر من 3.2 مليون طن    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    ما حكم الكلام فى الهاتف المحمول أثناء الطواف؟.. شوقى علام يجيب    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    بحضور انتصار السيسي، "القومي لذوي الهمم" ينظم احتفالية "معًا نقدر"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تكون القصة اختراعا
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 03 - 2019

جميل أن تكون هناك صفحة فى جريدة كبيرة مخصصة لنشر القصة، فالقصة فن يستحق الوصف بأنه الفن الخالص أو «الفن المطلق» على حد تعبير أحد أهم نقادها «فرانك أوكونور»، فهذا الفن فى تطوره الحديث، مرتبط بتطور الصحافة، وقد كان نشره فى الصحف، منذ بداية القرن الفائت، يلاقى احتفاء ويرفع أرقام التوزيع، شأنه شأن نشر المثير من التحقيقات والحوادث. وكان يضمن لكُتَّابه البارزين عيشا لائقا وكفاية كريمة، وفائضا يسمح لهم أن يجوبوا مختلف أصقاع الأرض للحصول على قصص جديدة، أو حتى تغذية الصحافة بكتابات صحفية تعبق بروح القص الممتع، ونتذكر فى هذا نماذج «هيمنجواى» و»ترومان كابوت» و»سكوت فيتزجيرالد» فى الغرب، وفى الشرق»أنطون تشيخوف» العظيم. أما لدينا فقد تحقق ذلك نسبيا للعبقرى يوسف إدريس.
الآن، وهنا، تغير الحال كثيرا، سواء فيما يخص الصحافة المطبوعة أو يخص القصة، ولأسباب حقيقية تتعلق بمستجدات تقنيات النشر والتلقِّى، وأخرى تصطنعها أساليب التسويق والترويج الاستهلاكية الهادفة للربح والمُكرِّسة للضجيج الإعلامى، والنتيجة حصار وانحسار لإبداع هذا الفن الرفيع من فنون السرد، وأخطر ما فى ذلك هو ترهل شروط الإجادة فى كتابة هذا الفن فائق الحساسية، وما تبعه من فوضى فى النشر تكاد لا تميز الغث من الثمين، فبات هذا الفن الرفيع البديع يُخنَق من داخله ومن خارجه، ويُشكِّل خسارة لعنصر نفيس من عناصر الإبداع الأدبى.
مثل هذه الخواطر المقبضة، صارت تراودنى، ليس كأحد كتاب القصة، بل كقارئ مُحب لها وغيور عليها، وواعٍ بموقعها خطير الشأن فى شحذ الذائقة الجمالية، ومردود هذا الشحذ ضمن مُركَّب الفنون والآداب على ترقية السلوك البشرى، الذى يمعن فى الانحدار. وهنا، ساءلت نفسي: ماهو دورى بخصوص هذا الفن الذى أحبه؟ ودور محبيه الحقيقيين من مبدعيه وقرائه؟ ووجدت الإجابة تشير إلى الدرب الواجب سلوكه، ويتمثل فى إعادة التذكير بكل زاهر وباهر من كنوز هذا الفن، لضبط معايير كتابته، واستعادة شغف محبيه وتوسيع ساحة المتلقين.
هذه الدعوة تتلخص فى أن ننشط لإعادة تقديم الرائع والمتقن من فن القصة العالمية والمصرية والعربية لنعيد تصحيح المعايير التى اختلت فى أزمنة الزحام والفوضى والتسويق والترويج المصطنعين، ثم نقدم ماهو مستقر فى وجداننا وذائقتنا كقراء لهذا الفن، وقد استقر اختيارى الأول على قصة « ضوء يشبه الماء» أو «الضوء كالماء» للكاتب العالمى جابرييل جارثيا ماركيز ( بترجمة الكبير المتواضع صالح علمانى) لأسباب أولها أن هذه القصة تفتح باب النقاش فى مفهومين مختلفين لكتابة القصة لدينا، طرحاهما كاتبانا الكبيران « نجيب محفوظ» و» يوسف إدريس»، وهما طرحان فارقان على دروب إبداع القصة، كما على تلقيها. ثم إن قصة ماركيز هذه، بها من دقائق فن السرد ما يطيح بمسلمات هشة عن افتراق الواقع والخيال، سادت وما بادت فى الأدب، بينما إبادتها حاسمة من خلال المعرفة العلمية التى ماعاد ممكنا فصلها عن الحدس الأدبى، وهذا مما عبر عنه سيد القصة فى التاريخ البشرى الحديث «أنطون بافلوفتش تشيخوف» الذى قال: «إننى أفضل ألا أكتب إذا كان ما أكتبه يتعارض مع الحقيقة العلمية».
فى رأيى أن هذه القصة لماركيز هى «اختراع» إبداعى، وكأى اختراع ناجح تقودنا تطبيقاته إلى اكتشاف آفاق واقعية لم تكن بادية لنا، فتذهلنا جمالات طبقة ساحرة من الوجود كانت خافية عنا، وهو مما يضيء مفهوم «الواقعية السحرية»، هذه الموجة الرائعة من الإبداع الأدبى المنطلقة من أمريكا اللاتينية، والتى مثلت غزوا جماليا مضادا لسابق الغزو الغربى، كاشفة عن طيف من واقع الوجود لاتدركه إلا المخيلات الطليقة، والمدهش أن مشابهة الضوء بالماء ليست تخريفا خياليا أبدا، فهى قضية شغلت العلم طويلا بخصوص « طبيعة الضوء» الموجية، والتى لم ينفها نموذج أينشتين عن الضوء كجسيمات أو فتوتونات. وأُرجِّح أن ماركيز اختار فرضية موجية الضوء عن معرفة علمية، فقد كانت مكتبته أينما حل أو ارتحل تتصدرها مجموعة من الموسوعات المتخصصة لم يكن يبتعد عنها وهو يدقق أخيلة ووقائع مايكتب، لهذا أصدقه عندما قال إن كل ما أورده فى أعماله ويبدو خياليا، يستطيع أن يقيم الدليل على «واقعيته».
هذه هى لعبة فن الواقعية السحرية: أن يمضى على طريق تفاصيل واقعية تماما، ثم يُفاجئنا بشعاعات من الدهشة تسحرنا، ففى هذه القصة ينقلنا من دقائق واقعية، تكاد تكون حقائق ذاتية تخص الكاتب، لأسرة صغيرة من أب وأم وطفلين فى مهجر، إلى انقلاب يبدو سحريا خياليا يسلك فيه الضوء سلوك الماء، فيحمل على موجه زورق الأولاد ويفيض من نوافذ البيت القديم بين الأشجار ليغمر الشوارع بسيله الذهبى. أما اللمحة البارعة فى سرد هذه القصة فتتمثل فى تأخيره لبدايتها الزمنية عندما سأله أحد الطفلين» لماذا يشتعل الضوء بمجرد الضغط على زر؟» فأجابه دون تمعن ليُسكِت إلحاح سؤاله: «الضوء كالماء تفتح الصنبور فيخرج «! ووضع هذه البداية كاستدراك قرب منتصف القصة ليضمن جذب القارئ نحو مفاجأة الضوء الذى يفيض من مصباح كسره الأولاد عمدا.
ليس أخيرا، لقد استعملت كلمة «اختراع» وهى من تعبير عن إجابة سؤال وُجِّه إلى يوسف إدريس عن مفهومه فى كتابة القصة فقال «القصة اختراع»، بينما نجيب محفوظ قال إنه يكتبها من فتات ما يتبقى من صنع رواية. وبالطبع أتحيز لمفهوم يوسف إدريس، لأنه يجعل من القصة عملا فريدا يكتنز عالما مكتملا بحاله. ولعل هذا هو السبب فى قوة وفرادة القصة عند يوسف إدريس. أما مفهوم نجيب محفوظ، الذى أعتبره أحد حكماء البشرية العظام، وكتابها الكبار بلا شك، فهو يوضح السبب فى ذلك البون الشاسع بين منجزه الروائى ومُنجَزه القصصى. وهو ما صححه متأخرا عندما صارت القصة الموجزة، هى كل مادة فنه، لا فُتات من بقايا عمل روائى، لهذا سطعت « أصداء السيرة الذاتية» ومعظم « أحلام فترة النقاهة» نصوصاً قصصية بالغة الإيجاز، لكنها اختراعات كبرى، تخترق حُجُب الواقع وتعبر الأزمنة.
يبقى أن أقول، إن ماركيز هو أحد الروائيين العظام القلائل الذين كانوا عظماء بالقدر نفسه فى كتابة القصة. لهذا لا يكفى استحقاقه لصفة الكاتب الأهم فى الربع الأخير من القرن العشرين، فهو لايزال كذلك، فى هذا الربع الأول من قرننا الواحد والعشرين، العجيب الغريب!
لمزيد من مقالات محمد المخزنجى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.