«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضحايا يوسف إدريس .. تشيخوف وكتّاب عصره
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 08 - 2015

لم يكن أنطون تشيخوف جديدا علي الحياة الأدبية عندما ارتفعت نبرة الواقعية في الأدب، ورفع لواءها مجموعة أدباء من اليسار، ودشّنوا لترجمة الأدب الروسي المعاصر، خاصة كتابات مكسيم جوركي وأنطون تشيخوف، وكان من أوائل المترجمين الذين نقلوا أنطون تشيخوف إلي اللغة العربية، الكاتب والأديب والمترجم محمد السباعي، وذلك في عشرينيات القرن الماضي، أي بعد رحيل تشيخوف بنحو عشرين عاما، أو أكثر قليلا، وكانت صحيفة البلاغ الأسبوعية، تنشر تلك الترجمات بشكل أسبوعي، وفيما بعد قام الاديب يوسف السباعي، ابن محمد السباعي، بجمع مختارات من ترجمات والده، ونشرها في مجلد ضخم، ضم أربعة وعشرين قصة لتشيخوف، وهي من عيون ماكتب ، ولم يكن الهاجس الذي دفع السباعي الكبير إلي ترجمة تشيخوف، هاجسا اشتراكيا أو ثوريا،ولكن الذيوع الفني الذي حققه تشيخوف منذ بدايات القرن، كان عاملا أساسيا للترجمة.
كذلك كانت الثورة السوفيتية التي قامت في أكتوبر عام 1917، عاملا آخر في ترويج الأدب السوفيتي خاصة، والروسي عامة، لذلك وجدنا بضعة قصص لمكسيم جوركي واسكندر بوشكين وإيفان تورجنيف وديستوفيسكي، ضمن المجلد الذي نشره السباعي الابن، ولكنها قليلة جدا بالمقارنة بقصص تشيخوف.
وفيما بعد جاءت ترجمة أخري ممتازة، لمحمد القصاص، وهي الترجمة التي تناولتها أجيال عديدة، لأن الترجمة ماهي إلا وجهات نظر تقترب أو تبتعد من روح النص الأصلي، وكان القصاص قادرا علي نقل روح قصص تشيخوف بشكل دقيق وممتع، ولو أجرينا مقارنة بين القصص التي ترجمها السباعي، والقصص ذاتها التي ترجمها القصاص، سنلاحظ أن القصاص كان بارعا ومتفوقا بمراحل علي سلفه السباعي، وذلك في اختيار المفردات التي تناسب المواقف التي كانت تسوقها عبقريات تشيخوف في قصصه.
ومن هذا نستطيع أن ندرك أن الانحياز إلي الأدب الواقعي كان قائما بالفعل، وهذا ينفي ماكان يردده نقاد كثيرون، بأن القصة المصرية قبل الخمسينيات، كانت قصة مخملية، وتتحدث عن القصور والباشوات وملّاك الأراضي الكبار، كما أن القضايا التي كانت تشغل كتّاب ماقبل الخمسينيات، قضايا مترفة وناعمة، ولا تقترب من الواقع بأي شكل من الأشكال، ولو تأملنا الكتابات القصصية المؤلفة لمحمود طاهر لاشين وأحمد خيري سعيد ومحمد أمين حسونة وشحاتة عبيد ويحيي حقي، ثم محمود البدوي وسعد مكاوي وأمين ريان ومحمود كامل المحامي وعبدالرحمن الخميسي وغيرهم، سنلاحظ أن خيطا واقعيا يتسلل بين ثنايا القصص، هذا الخيط ربما لم يصبح ظاهرة، ولم يتحول إلي شعار إلا في خمسينيات القرن الماضي، هذا العقد الذي ظهرت فيه مجموعة كبيرة من كتاب القصة، علي رأسهم نعمان عاشور وألفريد فرج ومحمد سعد الدين وهبة وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف ادريس وبدر نشأت ويوسف الشاروني وغيرهم.
وفي البداية أصدر نعمان عاشور مجموعته القصصية الأولي "حواديت عم فرج"في أوائل عام 1954،وكتب لها مقدمة نقدية طويلة، هذه المقدمة كانت البيان الأول لأحد المبدعين الجدد في حقل الواقعية، وعمل عاشور علي تقديم بانوراما شاملة للكتابة السردية منذ محمد المويلحي، مرورا بابراهيم المصري وتوفيق الحكيم ومحمود البدوي وغيرهم، حتي الوصول إلي الكتاب الجدد، الذين سيحررون السرد من ترهله المفرط، ورغم أن نعمان عاشور ذكر كثيرين من كتّاب الماضي، إلا أنه لم يرد ذكر أي من الكتاب الجدد، هؤلاء الكتاب الذين ارتبط وعيهم الفني، بوعي اجتماعي حاد، وأسهب كثيرا في تحديد قسمات وملامح للقصة الواقعية الجديدة، دون أن يذكر مرجعيات من الضروري أن يعود إليها الكتاب الجدد، ولكن من اللافت للنظر أن نعمان عاشور، كان يكتب سلسلة دراسات ومقالات في صحيفة المساء، كتب فيها عن أهمية تشيخوف ومكسيم جوركي.
ورغم الحماس الزائد الذي أبداه نعمان عاشور في كتابة القصة القصيرة، ورغم الجائزة الأدبية المرموقة التي لعبت دورا كبيرا في تقدير الجميع له، إلا أنه ترك كتابة القصة القصيرة واتجه إلي كتابة المسرح، ويكتب صالح مرسي في مذكراته قائلا :(في السنوات الأولي من حياتي الأدبية، التقيت ذات مساء بالكاتب المسرحي نعمان عاشور..وكان نعمان رحمه الله نوعاً من البشر الذي يطلق آراءه دون تحفظ أو مجاملة ..وكان قد أصدر في ذلك الوقت، مجموعة قصصية واحدة بعنوان "عم فرج"،ثم أعطي ظهره للقصة القصيرة نهائيا، واندفع نحو المسرح، كي يضع اللبنات الأولي في تلك النهضة المسرحية التي شهدها النصف الثاني من العقد الخامس، والنصف الأول من العقد السادس، من هذا القرن أي القرن الماضي،كان قد قدم "الناس اللي تحت"و"المغماطيس"..عندما سألته ذات مساء، كنا نقف في باحة المسرح القومي أيام كان المسرح يمثّل صرحا فنيا رفيعا بحق، وكان هذا المسرح يستعد في تلك الأيام لتقديم مسرحيته "الناس اللي فوق".. سألته ليلتها ..لماذا كف عن كتابة القصة القصيرة، فإذا به يندفع في القول :"قصة قصيرة يه؟!..إزاي أكتب قصة قصيرة وفيه يوسف ادريس"،وهنا يعقّب صالح مرسي بما يشبه القاعدة أو القانون قائلا :"كان نعمان عنده حق تماما فيما يقول .. ذلك أن يوسف ادريس في القصة القصيرة بالذات كان شيئا متفردا، لا بالنسبة لجيله فقط، وإنما بالنسبة للقصة القصيرة منذ أن كانت في العالم العربي وحتي الآن".هذا الآن الذي يقصده صالح مرسي، كان بعد رحيل ادريس بسنوات قليلة، ولن أعلّق بالطبع علي هذا التدشن الأبدي ليوسف ادريس، والذي يمكن أن يختلف عليه كثيرون، وعلي سبيل المثال فالناقد فاروق عبد القادر يري أن الذي سوف يتبقي من يوسف ادريس، خمس قصص فقط، وهذا في رأيي رأي مفرط كذلك،ولا تحكمه سوي العاطفة الأدبية، وتبدو أن مشكلة التعميم هي التي تخطئ من فرط الحماس سلبا أو إيجابا.
ولو عدنا إلي أنطون تشيخوف، سنلاحظ أنه لا يوجد اسم، ارتبط تاريخيا من الكتاب العرب والمصريين، كما ارتبط به يوسف ادريس، وهذا بحكم كثرة الاستدعاءات له في الحوارات والأحاديث والاستشهادات، للدرجة التي دفعت يوسف ادريس أن المرة الوحيدة في حياته التي قام فيها بترجمة قصة، كانت قصة لأنطون تشيخوف، وهي قصة "زوجة الصيدلي"، ونشرها في مجلة "قصص للجميع" في مايو 1952،وهي ليست مدرجة في أي ببلوجرافيا من التي نشرت في السياقات التي تناولت سيرة حياته.
وفي حوار لغالي شكري معه نشر في مجلة حوار في ديسمبر عام 1965بمناسبة فوزه بجائزة المجلة، وستكون لنا العودة لتلك الجائزة، يقول في الحوار "لقد خضت مع تشيخوف بالذاتتجربة، فعلا، ذلك يعني أنك عندما تقرأ تشيخوف، فإنك تصبح شئت أم أبيتتشيخوفيا، ولهذا، فعندما حاولت الكتابة بعد قراءتي لأعماله، أحسست أن رؤيته قد فرضت نفسها عليّ، ولكن برهافة إلي حد أنني كنت الوحيد الذي لاحظ ذلك، وطالما أن الأصالة تستند علي الرؤي الأصيلة، كان عليّ أن أناضل لأحرر نفسي من السيطرة القاهرة التي فرضتها رؤيته وأفكاره علي أعمالي، لقد كانت معركة شرسة ومريرة كلفتني عاما كاملا تقريبا هو عام 1955".
وفي حديث أدلي به للمستعرب م.ب كربر شوبك، والذي كتب "الإبداع القصصي عند يوسف ادريس"،وترجمه إلي العربية الشاعر رفعت سلّام، يقول ادريس عن كثر مااستوقفه في قصص تشيخوف "المفارقات الكوميدية بتناقضاتها الظاهرية الناعمة، غير الواضحة .
ورغم أن أحاديث يوسف ادريس لا تخلو من ذكر تشيخوف علي اعتبار أنه المؤثر الأعلي في كتاباته، إلا أنه كان يحلم دوما بتجاوزه، وتقديم ما لم يقدمه، وهو يري أنه قرينه الأكثر حضورا في العالم، وكان يري أن أي كاتب قصة قصيرة في العالم، لا بد أن يكون قد تأثر بتشيخوف.
وانسحب هذا الشعور علي يوسف ادريس عندما كان في لجنة تحكيم مسابقة القصة القصيرة، التي نظمها نادي القصة عام 1956، وكانت اللجنة مكونة من يوسف السباعي، ويوسف ادريس، ومحمود تيمور، وكانت القصة التي فازت بالمركز الأول هي قصة "الطفل" للكاتب رؤوف حلمي، ونشرت القصة في مجلة "الرسالة الجديدة "في نوفمبر 1956، وجاءت كلمة المحرر تقول: "هذه القصة كانت اللجنة قد استبعدتها من الفوز بالجائزة الأولي، ثم تشكلت لجنة خاصة من الأستاذين يوسف السباعي ويوسف ادريس، واستقر رأيهما علي أن تكون هي القصة الثانية مكرر"،أما التقارير التي كتبها أعضاء اللجنة تقول، "يوسف السباعي: قصة ناعمة ذات تحليل لمشاعر الطفولة" أما يوسف ادريس فقد أعطاها 9 درجات 10، وجاء ضمن تقريره :"ولو أن الفكرة غير جدية، فقد طرقها تشيخوف، إلا أن العرض جيد جدا، والكاتب لديه استعداد طيب"،كما أن محمود تيمور أعطاها 9 درجات أيضا وقال عنها :"قصة عظيمة أثبت مؤلفها أصالة في فن القصة، لكأنها إحدي قصص تشيخوف، يجب الوثوق من أنها ممصرة".
وعندما نشرت القصة في المجلة، نشر بمصاحبتها تعليق أو نقد ليوسف الشاروني، ينفي فيه علاقة القصة رقم 145 بتشيخوف علي وجه الإطلاق، فكتب قائلا مخاطبا كاتب القصة ذاته: "أولا دعني أهنئك وأهنئ نفسي لأن الطالب الذي كان يجلس أمامي
منذ عامين في مدرسة الظاهر الثانوية ونكتشف موهبته الفنية قد نال اليوم أكبر فوز يناله ناشئ مثله، حتي أن اللجنة النهائية في مسابقة القصة وجدت أن الجائزة الأولي أقل مما تستحق قصتك فرفعتك عن مستوي المسابقة كلها وقرنت اسمك باسم تشيخوف، وهو أمر كما نعلم له مغزاه العميق بالنسبة لك ولقصتك الممتازة، ولا سيما وانت علي يقين كما أنا علي يقينانك لم تقرأ قصة تشيخوف التي يتهمونك بالسرقة منها، بل أنت لم تقرأ تشيخوف كله، وهذا لا يعيبك فأنت لا تزال في التاسعة عشرة من عمرك، وأمامك زمن طويل لتقرأ تشيخوف، وما أعظم أن يشهد لك كل من الأساتذة محمود تيمور ويوسف السباعي ويوسف ادريس بالإجماع علي امتياز قصتك، لولا أن بعض الظن إثم، ولقد كان الظن في قصتك إنما كبيرا حقا..أما قصة تشيخوف التي يتهمك الدكتور يوسف ادريس بأنك نقلت منها فكرتك، فسأرويها عليك لتعرفها، هي قصة حوذي مات ابنه وأراد أن يفضي بأحزانه إلي انسان من زبائنه ..."،ويسترسل الشاروني في سرد تفاصيل القصة المعروفة، وينفي أن هناك أي شبه بين قصة تشيخوف، وهنا يطرح
الشاروني سؤالاً يقول فيه :"هل يكفي أن تكون عينا يوسف ادريس في لون عيني محمد عبد الحليم عبدالله ؟!"،وهو يقصد أن افكرة من الممكن أن تكون متشابهة، ولكن المعالجة مختلفة، وهنا يلق الشاروني قائلا غامزا يوسف ادريس علي وجه الخصوص فيقول :"ومن الغريب أنه لم يقفش هذه القفشة الأساتذة يوسف السباعي وثروت أباظة ومحمد مندور وجاذبية صدقي الذين اشتركوا في تقدير القصة، ولقد قرأت هذه القصة قبل أن تتقدم بها إلي المسابقة ونصحتك بأن تتقدم بها، ومع أني قرأت قصة تشيخوف، إلا أنني لم أربط بين القصتين علي الإطلاق، لا كما أربط بين قصة الأم" لجوركي، و"قصة حب ليوسف ادريس، ولا شك أن في ذلك تعسفا تأباه نزاهة التحكيم "،وفي آخر المقال يقول الشاروني :"إنني أتهم اللجنة النهائية بالتسرع في استبعاد قصتك، وأطالب باستدعائك ومناقشتك لتعديل الخطأ الذي حدث ..."، ويستمر الشاروني في توضيح كافة الملابسات التي أحيطت بالقصة، لتعيد اللجنة تقريرها، ومنح رؤوف حلمي الجائزة الأولي كما كانت.
ويبدو أن الأمر بين الشاروني ويوسف ادريس بسيطا، ولكن الأمر كان أعمق من ذلك، فالذي يتابع صدور مجموعتي "أرخص ليالي" ليوسف ادريس، و"العشاق الخمسة" ليوسف الشاروني"،سيلاحظ أن الاحتفاء الذي صاحب مجموعة يوسف ادريس، كان مهولا، وهذا تبدي في مجلة روز اليوسف، هذه المجلة التي كان يعمل فيها معظم رفاق يوسف ادريس السياسيين، مثل صلاح حافظ ومحمود أمين العالم وأحمد عباس صالح الذي كتب عن المجموعة فور صدورها، ولطفي الخولي، بينما لم تجد مجموعة "العشاق الخمسة" ما يشبه أو يقترب من ذلك الاحتفاء، وكانت تخصص المجلة إعلانات علي صفحة كاملة لتعلن عن قرب صدور مجموعة "أرخص ليالي"،وهذا انفراد ليوسف ادريس، لم يضارعه فيه حينذاك سوي نجيب محفوظ.
وبالطبع فالصراع الذي كان يدور بين ادريس والشاروني، هو حول الطريقة التي كان يقرأ بها كلاهما أنطون تشيخوف، ويريد الشاروني ليوسف ادريس :"إنك لا تحتكر قراءة أنطون تشيخوف"،وفي الحقيقة كانت كلمة يوسف ادريس هي الأمضي، وهي الأكثر نفاذا، وهو الذي قلب الترابيزة منذ البداية، وأعاد تشكيل اللجنة مرة أخري بعد استبعاد الأسماء التي ذكرها الشاروني في سياق مقاله .
وإذا كان الصراع هنا، أخذ شكلا عمليا، واختصر في قصة قصيرة، ولكنه صار أوسع فيما بعد، وبالفعل احتكر يوسف ادريس بالاقتران بأنطون تشيخوف، والذي كانت أسهمه هي الأعلي في عصر الواقعية، واعتبر ادريس بأنه الامتداد الطبيعي والفني والعالمي لأنطون تشيخوف، ولم يفوّت يوسف ادريس فرصة ليتحدث فيها عن نفسهعندما يطلب منه ذلك، وكثيرا ماكان يطلب لذلكإلا وذكر أنطون تشيخوف، باعتباره الكاتب الأول في العالم، بل في التاريخ، وإذا كان له أحلام في إنجاز كتابة عظيمة، فلا بد أن يتجاوز بالمعني الفني أنطون تشيخوف.
وبالطبع ظل يوسف الشاروني يعتمد علي إبداعه فقط، دون التذرع بفريق سياسي يرسم له ذيوعه أو الدعاية له، وإن كان الشاروني لم يمتنع عن أن يكتب عن تجربته أكثر من مرة، وعندما طلب منه يحيي حقي الكتابة عن القصة القصيرة في أغسطس عام 1966، في العدد الخاص الذي أصدرته مجلة "المجلة" والخاص بالقصة القصيرة، كتب الشاروني نظرات نقدية في مجموعتيه "العشاق الخمسة"و"رسالة إلي امرأة". وأعتقد أن اسم يوسف ادريس، كان يتصدر الترجمات والمؤتمرات ولجان التحكيم، وكانت كل الروقة تعمل له ألف حساب، وليس دليلنا علي ذلك مسألة إيقافه للدرجة التي حاز عليها أحد الفائزين بجائزة ما، ولكن تأمل مسيرة ادريس سنلاحظ ذلك التأثير الواسع الذي كانت تحدثه كلمات يوسف ادريس في كل المجالات.
وليس تقليلا علي وجه الإطلاق من قيمة يوسف ادريس، ولكن الانشغال الأسطوري به وبكتاباته المتنوعة من قصة قصيرة ورواية ومسرح ومقالات وكتب سياسية، عطّلت الانشغال بأي كتاب آخرين، وكان لا بد أن يمرّ عشرون عاما، لتلتفت الحركة النقدية بشكل واسع وملحوظ، بكتاب من طراز يوسف الشاروني وادوار الخراط وفاروق منيب وغيرهم.
في العدد القادم قصة زوجة الصيدلي أنطون تشيخوف
ترجمة يوسف إدريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.