النقل: تطوير البنية التحتية للموانئ لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للنقل واللوجيستيات وتجارة الترانزيت    فيديو.. ترامب يتحدث عن أعدائه الجدد بعد زيارة بن سلمان: يغارون منا    شيكابالا يصل حفل الكاف السنوي للأفضل في إفريقيا برفقة زوجته    مدرسة النصر القومية: التحقيق مع جميع المسئولين عن تنظيم اليوم الترفيهي    السكة الحديد: تسيير الرحلة الثالثة والثلاثين للأشقاء السودانيين ضمن برنامج العودة الطوعية    السكة الحديد: استكمال مسامير التثبيت المفقودة قضبان السكة بالفلنكات الخشبية في شبرا الخيمة وإحكام ربطها بشكل كامل    جمال حسين: 54 ألف عضو تحت مظلة الاتحاد الدولي للمثقفين العرب    بسبب الإقبال الكثيف، الأزهر يعلن رابط التسجيل في الموسم الثالث من مسابقة فارس المتون    الملحقان العالمي والأوروبي.. 22 منتخبا يتنافسان على 6 بطاقات للتأهل إلى كأس العالم 2026    عن عملات مستقرة وغير مستقرة    الخبراء في PAFIX: المنظومة الجديدة ستقضي على 15 مليون زيارة للفروع سنويًا وستطلق أكبر عملية شمول مالي    أحلام ناخب    ضبط صانعة محتوى بثّت فيديوهات خادشة للحياء بهدف الربح.. فيديو    الدكتور مصطفى ثابت يقدم خالص العزاء للنائب محمد شبانة عضو مجلس نقابة الصحفين    محمد سامي يثير الجدل بمطالبة جمهوره باختيار موعد عرض مسلسله الجديد 8 طلقات    نجوم الفن.. سلامتك يا تامر    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    دول منظمة D-8 تعتمد إعلان القاهرة لتعزيز التعاون الصحي المشترك    خبراء الطب يحذرون من التشخيص الخاطيء ل«الانسداد الرئوي»    منتخب مصر في المستوى الثالث لكأس العالم 2026 بعد تصنيف فيفا لشهر نوفمبر    هل دخل الشقق المؤجرة الذي ينفق في المنزل عليه زكاة؟.. أمين الفتوى يجيب    46.200 مشجع في استاد القاهرة لمباراة الزمالك وزيسكو بالكونفدرالية    محافظ كفر الشيخ يناقش جهود مبادرة «صحح مفاهيمك» مع وكيل الأوقاف الجديد    تعزيز الانتماء والولاء عبر أدب اليافعين في مناقشات المؤتمر السنوي العاشر    من يعود إلى المنزل بهذه الجوائز.. كاف يبرز كؤوس الأفضل في حفل الرباط    غرامة 100 ألف للمخالف.. بدء الصمت الانتخابى بانتخابات مجلس النواب ظهر غدا    جنازة المخرج خالد شبانة عقب صلاة العشاء بالمريوطية والدفن بمقابر العائلة بطريق الواحات    شيخ الأزهر: القضاة ركيزة أساسية في إرساء العدالة وبسط الأمن والاستقرار في المجتمعات    منتخب مصر يتراجع في تصنيف فيفا ويحتل المركز 34    جامعة أسيوط تطلق قافلة طبية مجانية لعلاج أسنان الأطفال بكلية طب الأسنان    وجبات ذهبية للأطفال بعد التمرين حفاظا على صحتهم ونشاطهم    بعد اكتمال المشروع| ماذا تعرف عن الكابل البحري العملاق 2Africa ؟    المسلماني: برنامج دولة التلاوة يعزز القوة الناعمة المصرية    استعدادا لاستضافة cop24.. البيئة تكثف أنشطة التوعوية بالمحافظات    الأرصاد تكشف تفاصيل الطقس..ارتفاع درجات الحرارة مع فرص أمطار متفرقة    انهيار والدة وخطيبة صاحب ملجأ حيوانات ضحية صديقه أثناء جنازته.. صور    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    سارة خليفة متورطة في شبكة عائلية لتصنيع وترويج المخدرات    منتخب شباب الهوكي يتوجه للهند 23 نوفمبر للمشاركة في كأس العالم    وزير الري يلتقي نائب مدير الوكالة الفرنسية للتنمية    إزالة 296 حالة مخالفة ضمن «المشروع القومي لضبط النيل» بالمنوفية    أول تعليق من إبراهيم صلاح بعد إقالته من نادي جي    الإسماعيلي ينفي شائعات طلب فتح القيد الاستثنائي مع الفيفا    محمد حفظي: العالمية تبدأ من الجمهور المحلي.. والمهرجانات وسيلة وليست هدفا    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    معرض رمسيس وذهب الفراعنة في طوكيو.. الأعلى للثقافة: دليل على تقدير اليابان لحضارتنا    فيلم بنات الباشا المقتبس عن رواية دار الشروق يُضيء شاشة مهرجان القاهرة السينمائي    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    المصرية لدعم اللاجئين: وجود ما يزيد على مليون لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في مصر حتى منتصف عام 2025    الإحصاء: معدل الزيادة الطبيعية في قارة إفريقيا بلغ 2.3% عام 2024    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    الدفاع الروسية: قواتنا استهدفت منشآت البنية التحتية للطاقة والسكك الحديدية    وزير الإسكان يستقبل محافظ بورسعيد لبحث استعدادت التعامل مع الأمطار    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حول الإسعافات الأولية لتعزيز التوعية المجتمعية    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضحايا يوسف إدريس .. تشيخوف وكتّاب عصره
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 08 - 2015

لم يكن أنطون تشيخوف جديدا علي الحياة الأدبية عندما ارتفعت نبرة الواقعية في الأدب، ورفع لواءها مجموعة أدباء من اليسار، ودشّنوا لترجمة الأدب الروسي المعاصر، خاصة كتابات مكسيم جوركي وأنطون تشيخوف، وكان من أوائل المترجمين الذين نقلوا أنطون تشيخوف إلي اللغة العربية، الكاتب والأديب والمترجم محمد السباعي، وذلك في عشرينيات القرن الماضي، أي بعد رحيل تشيخوف بنحو عشرين عاما، أو أكثر قليلا، وكانت صحيفة البلاغ الأسبوعية، تنشر تلك الترجمات بشكل أسبوعي، وفيما بعد قام الاديب يوسف السباعي، ابن محمد السباعي، بجمع مختارات من ترجمات والده، ونشرها في مجلد ضخم، ضم أربعة وعشرين قصة لتشيخوف، وهي من عيون ماكتب ، ولم يكن الهاجس الذي دفع السباعي الكبير إلي ترجمة تشيخوف، هاجسا اشتراكيا أو ثوريا،ولكن الذيوع الفني الذي حققه تشيخوف منذ بدايات القرن، كان عاملا أساسيا للترجمة.
كذلك كانت الثورة السوفيتية التي قامت في أكتوبر عام 1917، عاملا آخر في ترويج الأدب السوفيتي خاصة، والروسي عامة، لذلك وجدنا بضعة قصص لمكسيم جوركي واسكندر بوشكين وإيفان تورجنيف وديستوفيسكي، ضمن المجلد الذي نشره السباعي الابن، ولكنها قليلة جدا بالمقارنة بقصص تشيخوف.
وفيما بعد جاءت ترجمة أخري ممتازة، لمحمد القصاص، وهي الترجمة التي تناولتها أجيال عديدة، لأن الترجمة ماهي إلا وجهات نظر تقترب أو تبتعد من روح النص الأصلي، وكان القصاص قادرا علي نقل روح قصص تشيخوف بشكل دقيق وممتع، ولو أجرينا مقارنة بين القصص التي ترجمها السباعي، والقصص ذاتها التي ترجمها القصاص، سنلاحظ أن القصاص كان بارعا ومتفوقا بمراحل علي سلفه السباعي، وذلك في اختيار المفردات التي تناسب المواقف التي كانت تسوقها عبقريات تشيخوف في قصصه.
ومن هذا نستطيع أن ندرك أن الانحياز إلي الأدب الواقعي كان قائما بالفعل، وهذا ينفي ماكان يردده نقاد كثيرون، بأن القصة المصرية قبل الخمسينيات، كانت قصة مخملية، وتتحدث عن القصور والباشوات وملّاك الأراضي الكبار، كما أن القضايا التي كانت تشغل كتّاب ماقبل الخمسينيات، قضايا مترفة وناعمة، ولا تقترب من الواقع بأي شكل من الأشكال، ولو تأملنا الكتابات القصصية المؤلفة لمحمود طاهر لاشين وأحمد خيري سعيد ومحمد أمين حسونة وشحاتة عبيد ويحيي حقي، ثم محمود البدوي وسعد مكاوي وأمين ريان ومحمود كامل المحامي وعبدالرحمن الخميسي وغيرهم، سنلاحظ أن خيطا واقعيا يتسلل بين ثنايا القصص، هذا الخيط ربما لم يصبح ظاهرة، ولم يتحول إلي شعار إلا في خمسينيات القرن الماضي، هذا العقد الذي ظهرت فيه مجموعة كبيرة من كتاب القصة، علي رأسهم نعمان عاشور وألفريد فرج ومحمد سعد الدين وهبة وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف ادريس وبدر نشأت ويوسف الشاروني وغيرهم.
وفي البداية أصدر نعمان عاشور مجموعته القصصية الأولي "حواديت عم فرج"في أوائل عام 1954،وكتب لها مقدمة نقدية طويلة، هذه المقدمة كانت البيان الأول لأحد المبدعين الجدد في حقل الواقعية، وعمل عاشور علي تقديم بانوراما شاملة للكتابة السردية منذ محمد المويلحي، مرورا بابراهيم المصري وتوفيق الحكيم ومحمود البدوي وغيرهم، حتي الوصول إلي الكتاب الجدد، الذين سيحررون السرد من ترهله المفرط، ورغم أن نعمان عاشور ذكر كثيرين من كتّاب الماضي، إلا أنه لم يرد ذكر أي من الكتاب الجدد، هؤلاء الكتاب الذين ارتبط وعيهم الفني، بوعي اجتماعي حاد، وأسهب كثيرا في تحديد قسمات وملامح للقصة الواقعية الجديدة، دون أن يذكر مرجعيات من الضروري أن يعود إليها الكتاب الجدد، ولكن من اللافت للنظر أن نعمان عاشور، كان يكتب سلسلة دراسات ومقالات في صحيفة المساء، كتب فيها عن أهمية تشيخوف ومكسيم جوركي.
ورغم الحماس الزائد الذي أبداه نعمان عاشور في كتابة القصة القصيرة، ورغم الجائزة الأدبية المرموقة التي لعبت دورا كبيرا في تقدير الجميع له، إلا أنه ترك كتابة القصة القصيرة واتجه إلي كتابة المسرح، ويكتب صالح مرسي في مذكراته قائلا :(في السنوات الأولي من حياتي الأدبية، التقيت ذات مساء بالكاتب المسرحي نعمان عاشور..وكان نعمان رحمه الله نوعاً من البشر الذي يطلق آراءه دون تحفظ أو مجاملة ..وكان قد أصدر في ذلك الوقت، مجموعة قصصية واحدة بعنوان "عم فرج"،ثم أعطي ظهره للقصة القصيرة نهائيا، واندفع نحو المسرح، كي يضع اللبنات الأولي في تلك النهضة المسرحية التي شهدها النصف الثاني من العقد الخامس، والنصف الأول من العقد السادس، من هذا القرن أي القرن الماضي،كان قد قدم "الناس اللي تحت"و"المغماطيس"..عندما سألته ذات مساء، كنا نقف في باحة المسرح القومي أيام كان المسرح يمثّل صرحا فنيا رفيعا بحق، وكان هذا المسرح يستعد في تلك الأيام لتقديم مسرحيته "الناس اللي فوق".. سألته ليلتها ..لماذا كف عن كتابة القصة القصيرة، فإذا به يندفع في القول :"قصة قصيرة يه؟!..إزاي أكتب قصة قصيرة وفيه يوسف ادريس"،وهنا يعقّب صالح مرسي بما يشبه القاعدة أو القانون قائلا :"كان نعمان عنده حق تماما فيما يقول .. ذلك أن يوسف ادريس في القصة القصيرة بالذات كان شيئا متفردا، لا بالنسبة لجيله فقط، وإنما بالنسبة للقصة القصيرة منذ أن كانت في العالم العربي وحتي الآن".هذا الآن الذي يقصده صالح مرسي، كان بعد رحيل ادريس بسنوات قليلة، ولن أعلّق بالطبع علي هذا التدشن الأبدي ليوسف ادريس، والذي يمكن أن يختلف عليه كثيرون، وعلي سبيل المثال فالناقد فاروق عبد القادر يري أن الذي سوف يتبقي من يوسف ادريس، خمس قصص فقط، وهذا في رأيي رأي مفرط كذلك،ولا تحكمه سوي العاطفة الأدبية، وتبدو أن مشكلة التعميم هي التي تخطئ من فرط الحماس سلبا أو إيجابا.
ولو عدنا إلي أنطون تشيخوف، سنلاحظ أنه لا يوجد اسم، ارتبط تاريخيا من الكتاب العرب والمصريين، كما ارتبط به يوسف ادريس، وهذا بحكم كثرة الاستدعاءات له في الحوارات والأحاديث والاستشهادات، للدرجة التي دفعت يوسف ادريس أن المرة الوحيدة في حياته التي قام فيها بترجمة قصة، كانت قصة لأنطون تشيخوف، وهي قصة "زوجة الصيدلي"، ونشرها في مجلة "قصص للجميع" في مايو 1952،وهي ليست مدرجة في أي ببلوجرافيا من التي نشرت في السياقات التي تناولت سيرة حياته.
وفي حوار لغالي شكري معه نشر في مجلة حوار في ديسمبر عام 1965بمناسبة فوزه بجائزة المجلة، وستكون لنا العودة لتلك الجائزة، يقول في الحوار "لقد خضت مع تشيخوف بالذاتتجربة، فعلا، ذلك يعني أنك عندما تقرأ تشيخوف، فإنك تصبح شئت أم أبيتتشيخوفيا، ولهذا، فعندما حاولت الكتابة بعد قراءتي لأعماله، أحسست أن رؤيته قد فرضت نفسها عليّ، ولكن برهافة إلي حد أنني كنت الوحيد الذي لاحظ ذلك، وطالما أن الأصالة تستند علي الرؤي الأصيلة، كان عليّ أن أناضل لأحرر نفسي من السيطرة القاهرة التي فرضتها رؤيته وأفكاره علي أعمالي، لقد كانت معركة شرسة ومريرة كلفتني عاما كاملا تقريبا هو عام 1955".
وفي حديث أدلي به للمستعرب م.ب كربر شوبك، والذي كتب "الإبداع القصصي عند يوسف ادريس"،وترجمه إلي العربية الشاعر رفعت سلّام، يقول ادريس عن كثر مااستوقفه في قصص تشيخوف "المفارقات الكوميدية بتناقضاتها الظاهرية الناعمة، غير الواضحة .
ورغم أن أحاديث يوسف ادريس لا تخلو من ذكر تشيخوف علي اعتبار أنه المؤثر الأعلي في كتاباته، إلا أنه كان يحلم دوما بتجاوزه، وتقديم ما لم يقدمه، وهو يري أنه قرينه الأكثر حضورا في العالم، وكان يري أن أي كاتب قصة قصيرة في العالم، لا بد أن يكون قد تأثر بتشيخوف.
وانسحب هذا الشعور علي يوسف ادريس عندما كان في لجنة تحكيم مسابقة القصة القصيرة، التي نظمها نادي القصة عام 1956، وكانت اللجنة مكونة من يوسف السباعي، ويوسف ادريس، ومحمود تيمور، وكانت القصة التي فازت بالمركز الأول هي قصة "الطفل" للكاتب رؤوف حلمي، ونشرت القصة في مجلة "الرسالة الجديدة "في نوفمبر 1956، وجاءت كلمة المحرر تقول: "هذه القصة كانت اللجنة قد استبعدتها من الفوز بالجائزة الأولي، ثم تشكلت لجنة خاصة من الأستاذين يوسف السباعي ويوسف ادريس، واستقر رأيهما علي أن تكون هي القصة الثانية مكرر"،أما التقارير التي كتبها أعضاء اللجنة تقول، "يوسف السباعي: قصة ناعمة ذات تحليل لمشاعر الطفولة" أما يوسف ادريس فقد أعطاها 9 درجات 10، وجاء ضمن تقريره :"ولو أن الفكرة غير جدية، فقد طرقها تشيخوف، إلا أن العرض جيد جدا، والكاتب لديه استعداد طيب"،كما أن محمود تيمور أعطاها 9 درجات أيضا وقال عنها :"قصة عظيمة أثبت مؤلفها أصالة في فن القصة، لكأنها إحدي قصص تشيخوف، يجب الوثوق من أنها ممصرة".
وعندما نشرت القصة في المجلة، نشر بمصاحبتها تعليق أو نقد ليوسف الشاروني، ينفي فيه علاقة القصة رقم 145 بتشيخوف علي وجه الإطلاق، فكتب قائلا مخاطبا كاتب القصة ذاته: "أولا دعني أهنئك وأهنئ نفسي لأن الطالب الذي كان يجلس أمامي
منذ عامين في مدرسة الظاهر الثانوية ونكتشف موهبته الفنية قد نال اليوم أكبر فوز يناله ناشئ مثله، حتي أن اللجنة النهائية في مسابقة القصة وجدت أن الجائزة الأولي أقل مما تستحق قصتك فرفعتك عن مستوي المسابقة كلها وقرنت اسمك باسم تشيخوف، وهو أمر كما نعلم له مغزاه العميق بالنسبة لك ولقصتك الممتازة، ولا سيما وانت علي يقين كما أنا علي يقينانك لم تقرأ قصة تشيخوف التي يتهمونك بالسرقة منها، بل أنت لم تقرأ تشيخوف كله، وهذا لا يعيبك فأنت لا تزال في التاسعة عشرة من عمرك، وأمامك زمن طويل لتقرأ تشيخوف، وما أعظم أن يشهد لك كل من الأساتذة محمود تيمور ويوسف السباعي ويوسف ادريس بالإجماع علي امتياز قصتك، لولا أن بعض الظن إثم، ولقد كان الظن في قصتك إنما كبيرا حقا..أما قصة تشيخوف التي يتهمك الدكتور يوسف ادريس بأنك نقلت منها فكرتك، فسأرويها عليك لتعرفها، هي قصة حوذي مات ابنه وأراد أن يفضي بأحزانه إلي انسان من زبائنه ..."،ويسترسل الشاروني في سرد تفاصيل القصة المعروفة، وينفي أن هناك أي شبه بين قصة تشيخوف، وهنا يطرح
الشاروني سؤالاً يقول فيه :"هل يكفي أن تكون عينا يوسف ادريس في لون عيني محمد عبد الحليم عبدالله ؟!"،وهو يقصد أن افكرة من الممكن أن تكون متشابهة، ولكن المعالجة مختلفة، وهنا يلق الشاروني قائلا غامزا يوسف ادريس علي وجه الخصوص فيقول :"ومن الغريب أنه لم يقفش هذه القفشة الأساتذة يوسف السباعي وثروت أباظة ومحمد مندور وجاذبية صدقي الذين اشتركوا في تقدير القصة، ولقد قرأت هذه القصة قبل أن تتقدم بها إلي المسابقة ونصحتك بأن تتقدم بها، ومع أني قرأت قصة تشيخوف، إلا أنني لم أربط بين القصتين علي الإطلاق، لا كما أربط بين قصة الأم" لجوركي، و"قصة حب ليوسف ادريس، ولا شك أن في ذلك تعسفا تأباه نزاهة التحكيم "،وفي آخر المقال يقول الشاروني :"إنني أتهم اللجنة النهائية بالتسرع في استبعاد قصتك، وأطالب باستدعائك ومناقشتك لتعديل الخطأ الذي حدث ..."، ويستمر الشاروني في توضيح كافة الملابسات التي أحيطت بالقصة، لتعيد اللجنة تقريرها، ومنح رؤوف حلمي الجائزة الأولي كما كانت.
ويبدو أن الأمر بين الشاروني ويوسف ادريس بسيطا، ولكن الأمر كان أعمق من ذلك، فالذي يتابع صدور مجموعتي "أرخص ليالي" ليوسف ادريس، و"العشاق الخمسة" ليوسف الشاروني"،سيلاحظ أن الاحتفاء الذي صاحب مجموعة يوسف ادريس، كان مهولا، وهذا تبدي في مجلة روز اليوسف، هذه المجلة التي كان يعمل فيها معظم رفاق يوسف ادريس السياسيين، مثل صلاح حافظ ومحمود أمين العالم وأحمد عباس صالح الذي كتب عن المجموعة فور صدورها، ولطفي الخولي، بينما لم تجد مجموعة "العشاق الخمسة" ما يشبه أو يقترب من ذلك الاحتفاء، وكانت تخصص المجلة إعلانات علي صفحة كاملة لتعلن عن قرب صدور مجموعة "أرخص ليالي"،وهذا انفراد ليوسف ادريس، لم يضارعه فيه حينذاك سوي نجيب محفوظ.
وبالطبع فالصراع الذي كان يدور بين ادريس والشاروني، هو حول الطريقة التي كان يقرأ بها كلاهما أنطون تشيخوف، ويريد الشاروني ليوسف ادريس :"إنك لا تحتكر قراءة أنطون تشيخوف"،وفي الحقيقة كانت كلمة يوسف ادريس هي الأمضي، وهي الأكثر نفاذا، وهو الذي قلب الترابيزة منذ البداية، وأعاد تشكيل اللجنة مرة أخري بعد استبعاد الأسماء التي ذكرها الشاروني في سياق مقاله .
وإذا كان الصراع هنا، أخذ شكلا عمليا، واختصر في قصة قصيرة، ولكنه صار أوسع فيما بعد، وبالفعل احتكر يوسف ادريس بالاقتران بأنطون تشيخوف، والذي كانت أسهمه هي الأعلي في عصر الواقعية، واعتبر ادريس بأنه الامتداد الطبيعي والفني والعالمي لأنطون تشيخوف، ولم يفوّت يوسف ادريس فرصة ليتحدث فيها عن نفسهعندما يطلب منه ذلك، وكثيرا ماكان يطلب لذلكإلا وذكر أنطون تشيخوف، باعتباره الكاتب الأول في العالم، بل في التاريخ، وإذا كان له أحلام في إنجاز كتابة عظيمة، فلا بد أن يتجاوز بالمعني الفني أنطون تشيخوف.
وبالطبع ظل يوسف الشاروني يعتمد علي إبداعه فقط، دون التذرع بفريق سياسي يرسم له ذيوعه أو الدعاية له، وإن كان الشاروني لم يمتنع عن أن يكتب عن تجربته أكثر من مرة، وعندما طلب منه يحيي حقي الكتابة عن القصة القصيرة في أغسطس عام 1966، في العدد الخاص الذي أصدرته مجلة "المجلة" والخاص بالقصة القصيرة، كتب الشاروني نظرات نقدية في مجموعتيه "العشاق الخمسة"و"رسالة إلي امرأة". وأعتقد أن اسم يوسف ادريس، كان يتصدر الترجمات والمؤتمرات ولجان التحكيم، وكانت كل الروقة تعمل له ألف حساب، وليس دليلنا علي ذلك مسألة إيقافه للدرجة التي حاز عليها أحد الفائزين بجائزة ما، ولكن تأمل مسيرة ادريس سنلاحظ ذلك التأثير الواسع الذي كانت تحدثه كلمات يوسف ادريس في كل المجالات.
وليس تقليلا علي وجه الإطلاق من قيمة يوسف ادريس، ولكن الانشغال الأسطوري به وبكتاباته المتنوعة من قصة قصيرة ورواية ومسرح ومقالات وكتب سياسية، عطّلت الانشغال بأي كتاب آخرين، وكان لا بد أن يمرّ عشرون عاما، لتلتفت الحركة النقدية بشكل واسع وملحوظ، بكتاب من طراز يوسف الشاروني وادوار الخراط وفاروق منيب وغيرهم.
في العدد القادم قصة زوجة الصيدلي أنطون تشيخوف
ترجمة يوسف إدريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.