إن مذبحة نيوزيلندا لا يمكن تلخيصها بأنها «إسلاموفوبيا»، أو عداء ضد الأجانب، بل إنها إرهاب بتعريفه المتداول «الاستخدام غير المشروع للعنف والترهيب، خصوصا ضد المدنيين، سعيا لتحقيق أهداف سياسية». واعترفت جاسيندا أرديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا بأن الهجوم على مسجدى مدينة «كرايست تشيرش» عمل إرهابى محلي. القاتل برينتون تارانت يمينى متطرف، ينتمى إلى القوميين البيض، قدم اعترافات تفصيلية بجريمته التى خطط لها منذ عامين فى وثيقة مكتوبة «مانيفستو». ضمت معلومات متناقضة، تمجد القتل الجماعى والقتلة مثل النرويجى أندريس بريفيك، المدان بقتل 77 شخصا فى هجوم على مخيم لحزب العمل الحاكم فى النرويج فى 2011. ومنذ هذا العام، تحول بريفيك إلى «أسطورة» أو «قدوة» لليمينيين المتطرفين فى العالم، ومن حادثة النرويج البشعة، استلهم تارانت وغيره أفكارهم ورغبتهم فى القتل ك «ذئاب منفردة». بريفيك وضع أفكاره فى مانيفستو ضخم أيضا مكون من 1518 صفحة جاء تحت عنوان «إعلان الاستقلال الأوروبي»، حيث صب غضبه على التعددية الثقافية والليبرالية والمسلمين، وكشف بالتفصيل خطته للهجوم. ومن هذه الوثائق، يتضح أن الأمر لا علاقة له بالدين، فبريفيك يعرف نفسه بأنه مسيحى بالوراثة، أما تارانت فيعترف بإلحاده، والمسألة عنصرية تتعلق بالعرق الأبيض وتفوقه المهدد بالآخر سواء كان مسلما أو من ذوى البشرة السمراء أو المعارضة السياسية وتحديدا اليسار والليبراليين، ومنهم المحافظون مثل المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل والمهاجرون وحتى النساء. ومن قراءة هذه الوثائق، التى تفضح حجم العمى العنصرى والجهل والتعصب وتبرير القتل، يكتب هؤلاء إن «الآخر» هم الغزاة الذين يهددون الجنس الأبيض، المعرض للانقراض بسبب قلة الإنجاب وتهديد المسلمين والسود والأقليات. تارانت أكد أنه تواصل مع منظمات اليمين المتطرف، ومن بينها «فرسان الهيكل» التى أسسها بريفيك من أجل مباركة الهجوم لحماية الحضارة الغربية من الغزو الأجنبي. وتشترك الجماعات الإرهابية بعيدا عن الزمان والمكان والسياق السياسى فى انتهاج العنف، أو ما سماها الفوضويون فى القرن ال19 ب «دعاية الأفعال». وأهداف اليمين المتطرف تتنوع من مسجد إلى كنس اليهود إلى كنائس السود والسياسيين اليساريين خاصة خلال السنوات الثمانى الماضية، عبر القارة الأوروبية. لا توجد منظمة أو جماعة واحدة ينتمى إليها هؤلاء الإرهابيون، فهم غارقون فى الدعاية العنصرية العالمية نفسها، يتمتعون بمهارة استخدام التعليقات المصورة على مواقع التواصل الاجتماعى memes من أجل التخفى ونظريات المؤامرة. تفوق البيض معتقد عنصرى حول سيادة البيض، ووجد الأساس فى ذلك فيما يسمى «العنصرية العلمية»، والتى بدأت فى الظهور منذ أبقراط «أبو الطب» الذى اتهم ذوى البشرة الداكنة بالجبن والضعف على العكس من البيض، وتوسعت فى القرن السابع عشر، إلا أن النظرية سادت وكثر استخدامها منذ 1880 وحتى الآن، لتبرير الإمبريالية والاستعمار الأبيض واضطهاد السكان الأصليين واستخدام ذوى الأصول الإفريقية كعبيد. وحسب نظريات هؤلاء، فالأبيض هو المتفوق والأكثر ذكاء وشجاعة. ووجدت هذه النظرية التطبيق العملى على نطاق واسع مع بدايات اكتشاف العالم الجديد، واستقدام الأفارقة واستعبادهم فى أمريكا «القوة العظمى الصاعدة»، ثم فى وقت لاحق مع بدايات القرن العشرين خصوصا بعد الثورة البلشفية، وانتشار العبودية والفاشية والنازية والفصل العنصرى «الأبرتهايد». وعلى الرغم من الهزيمة السياسية لهذه النظريات فى الحرب العالمية الثانية، إلا أن المؤمنين بها مازالوا موجودين حتى هذه اللحظة. فهناك الفاشيون والنازيون الجدد والقوميون البيض، والمفاهيم الثلاثة وغيرها من الأفكار المتجمدة حول سيادة العرق، والتى تختلط كلها فى بوتقة واحدة تمجد الإرهاب. فمنفذ مذبحة نيوزيلندا يعترف بأنه فاشى ويمينى متطرف وقومى أبيض، وهو ما يؤكد أن أفكار وأيديولوجيا هذه التنظيمات واحدة. ومن هذا المنطق نفسه، تنطلق التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وغيرها، التى تقتل الجميع تحت دعوى نشر الفكرة، فالدواعش يرون أن الحملة الصليبية مازالت قائمة، بينما يرى القوميون البيض أن «الغزاة المسلمين يهددون جنسهم وتفوقهم» . يجب أن يعترف الغرب بأن هذه الجرائم الكبرى «إرهاب» دون مواربة، فهؤلاء المجرمين القتلة من الجانبين يهددون بأنه «لا مكان آمن فى العالم»، فإما «هم» فقط أو الأرض الخراب.