منذ أن ظهرت مسألة المهاجرين فى الأعوام القليلة الماضية وطرحت نفسها بقوة كأحد الموضوعات الملحة فى علمى العلاقات الدولية والقانون الدولى العام والإنسانى، وإن كانت هذه المسألة قديمة نوعا ما، الا أنها لم تطرح نفسها بهذه القوة وهذه الحدة الا فى السنوات القليلة الماضية.. والنظر اليها من كثب يرى أنها تسير فى اتجاه واحد حيث قادمة من بلاد الجنوب الى بلاد الشمال وبأعداد كبيرة تفوق الخيال من دول كانت مستعمرة منذ بداية التطور الرأسمالى فى أوروبا فى بداية القرن التاسع عشر ومنتصف القرن الثامن عشر، وهذه المستعمرات تقريبا كانت كلها فى قارة إفريقيا وآسيا حيث تطور الفن الإنتاجى الأوروبى فى السفن والاساطيل البحرية، وفى صناعة الأسلحة (البنادق والمسدسات والبارود) واستطاعت هذه السفن أن تصل الى أراضى الدول الآسيوية, الهند والصين واندونيسيا وفيتنام, وأقامت فيها بريطانياوفرنسا والبرتغال.. مستعمرات مهمة تمدها بالمواد الخام, إلا أن الكفاح الفيتنامى والصينى الشرس ضد المستعمر بقيادة الاحزاب الشيوعية استطاعت هذه البلدان الحصول على استقلالها وان كانت فيتنام: خاضت كفاحا مزدوجا ضد فرنسا ثم الولاياتالمتحدة بعد ذلك. ولكن قارة إفريقيا كانت فريسة سهلة لتقسيم بلدانها من الأكبر والأكثر بين بريطانياوفرنسا، أما ايطاليا فكان نصيبها الحبشة وليبيا وبعض الأراضى الصومالية وهذا يفسر التصريحات الأخيرة للمتحدث الإيطالى باسم الخارجية الايطالية وصب جام غضبه على فرنسا. ولكن هذه الدول نالت استقلالها السياسى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام منظمة الاممالمتحدة فى اكتوبر 1945 بدلا من عصبة الامم التى سقطت مع قيام الحرب العالمية الثانية. وتمثل هذا الاستقلال السياسى فى أن كل دولة أصبح لها علم ونشيد وطني، وأصبح لها مقعد فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ولكن الارتباطات الاقتصادية والثقافية مازالت قائمة وتتعمق وتزيد أواصرها. واذا كانت هذه الدول خرجت محطمة فى قواعدها الانتاجية وتأخر أوضاعها وممزقة بين نزاعات قبلية وعرقيات إثنية وطوائف دينية إلا أن آمال بعض النخب المتعلمة فيها كانت عريضة وتحلم بانتشال بلدانها من الفقر والتخلف عبر طريق التنمية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وظهرت بعض الرموز المثقفة والمتعلمة أمثال : نكروما فى غانا وسيكوتورى فى غينيا و(لومبوبا) فى الكونغو إلا أن تجاربهم فى التنمية أجهضت وصفيت وتم القبض على هذه الرموز وتصفيتها جسديا. وبالتالى تعطلت وتم وأد كل خطط التنمية وتصفيتها، وذلك من قبل أعوان المستعمر القديم الذين استحوذوا على السلطة حتى الآن. إن هذه الحياة المتخلفة والبائسة هى التى تدفع شباب هذه البلدان: شبابا ورجالا ونساء الى الفرار من هذا الواقع المؤلم عبر الغابات والبحار ميممين سفرهم الى اوروبا خاصة ايطاليا، عن طريق دول الممر مثل كينيا وليبيا ومصر والمغرب... والحادث ان الكثير منهم لا يصل الى وجهته، حيث يفقدون حياتهم غرقا فى المتوسط . المشهد الآن ينحصر فى دول اوروبية ناهضة متحضرة فيها امكانات الحياة المزدهرة متوافرة، وتتجه اليها كل هجرات، شباب الدول المتخلفة والتى لايبدو ولايلوح أي بارقة أمل فى تطورها وتحسين ظروف المعيشة والحياة فيها.. ولايمكن ان يحدث ذلك دون خطط تنمية واضحة وهذه الخطط منذ زمن من رابع المستحيلات حيث غير مسموح بها من قبل الاستعمار القديم. ومن حسن الطالع، أنه ورد ذلك فى خطاب الرئيس السيسى بمناسبة تسلمه مهام رئاسة الاتحاد الإفريقى، حيث أشار الى أن مشكلات إفريقيا وتعقيداتها تتطلب فهما لهذه المشكلات ولعل فى طليعتها غياب التنمية. لمزيد من مقالات د. عبدالله هدية