شير..كومنت..لايك! أو«ديسلايك» !!.. كلمات وإن كانت لا علاقة لها بمفردات اللغة العربية التى تجرى على ألسنتنا لنتواصل من خلالها ونعبر عن أفكارنا، إلا أنها باتت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية فى ظل متابعاتنا المحمومة لشبكات التواصل الاجتماعى وملاحقة الثانية لنا آناء الليل وأطراف النهار برنين أو اهتزازات تعلن عن وصول رسالة جديدة، لا نملك إلا أن نهرع لفك شفراتها على هواتف أو حواسب آلية محمولة لا تفارقنا فتبدو وكأنها أصبحت جزءا من بنيتنا الجسمانية لطول التصاقها بنا والتصاقنا بها!! وبغض النظر عن عدم استخدامنا الترجمة العربية لهذه الكلمات أو قبول أو رفض المجمع اللغوى اعتمادها بعد انتشارها واحتمالية أن تفرض نفسها على لغة الضاد بمرور الوقت وشيوع التداول، فإن الكلمات الأربع السابقة تحيلنا لقضية مهمة ألا وهى أثر الواقع الذى ترسمه الفضائيات وشبكة التواصل الاجتماعى فى تكوين الرأى العام وتشكيل ثقافة ووعى المواطن. وفى السياق نفسه تطرح سؤالا حيويا فى هذا التوقيت الحرج الذى أصبحت فيه المعلومة المضللة والشائعة سلاحا يستهدف وطنا ومواطنا..فهل تتم المواجهة بالحظر والمنع أم أن الأمر يتطلب استراتيجية جديدة أساسها شحذ مهارة المتلقى وتدريبه على اكتشاف حقيقة الحدث وأبعاده الحقيقية من خلال محو أميته الإعلامية؟.. فما بين الحلم والرغبة فى التغيير من أجل حياة أفضل، وبين تضارب التعليقات والأخبار التى تطيرها مواقع الاتصال الاجتماعى على شبكة الإنترنت، بات المواطن المصرى حائراً وممزقاً بين واقع يعيشه وبين واقع إعلامى تخلقه الصورة ومفاهيم ملتبسة ومعلومات منقوصة أو ملونة يتم الترويج لها تحت شعارات براقة، عمدا أو بحسن نية، بمجرد الضغط على «شير» أو بتعبير اصح شارك... ففى سياق هذه العملية البسيطة يعيش الإنسان فى لحظة واحدة 3 أنواع من الواقع، أولها الواقع الاجتماعى الحقيقى والثانى الواقع الاجتماعى الملون بالرؤى الذاتية وثالثها الواقع الاجتماعى الإعلامى الذى تصنعه وسائل الإعلام من خلال تكرار المضمون والصورة والإضاءة وزاوية الكاميرا والتعليق. فمن خلال العناصر السابقة والمهنية العالية يمكن الإيحاء للمشاهد بالمضمون المطلوب والتكريس لأى أفكار أو إبراز حدث وتقليل أهمية آخر وتسويق المعلومة أو الشائعة. واستطيع أن أدعى أن أول ما قد يتبادر فى ذهن الغالبية العظمى منا فى ظل المخاطر والصداع الذى تسببه شبكات التواصل الاجتماعى هو اتخاذ قرارات بالحظر والمنع، وهو إجراء رغم صعوبته وتكلفته العالية ماديا وسياسيا - باعتباره تعديا على حق التعبير وتداول المعلومات- اتخذته بعض الدول.. ولكن وللمرة الثانية استطيع أن أدعى أنه لم يحل المشكلة بل ولعله فاقمها!! ففى ظل تطور تكنولوجى لا يمكن لمنصف أن ينكر أنه سهل سبل الحياة على جميع المستويات وأصبح من الصعب التخلى عن أدواته، أصبح المنع وفكرة فرض ستار حديدى ومحاولة فرض العزلة عن الآخر أيا ما كان وأيا ما كانت نواياه وأهدافه، أمرا شبه مستحيل، إضافة لأن مضاره تتجاوز بمراحل فوائده. وإذا كان الواقع والدراسات يؤكدان خرافة الإعلام المحايد حتى فى الدول التى تتغنى بتعددية وشفافية وحرية بث وسائل إعلامها، أظن - والله أعلم- أن التعامل مع هذه المشكلة يبدأ بتبنى فكرة محو الأمية الإعلامية لتدريب المواطن العادى على التعامل مع أجهزة الإعلام بعين ناقدة وتقييم أى مضمون يصله من خلالها، وهى فكرة طرحها اليونسكو قبل سنوات لتدريب المواطن العادى على التعامل مع أجهزة الإعلام بوعي..وفى تقديرى أنه مع تزايد وتيرة بث الأفكار والمعلومات عبر التقنيات المتقدمة أصبح محو الأمية الإعلامية، سواء على مستوى المواطن أو الإعلامى المحترف، السبيل الأمثل لمقاومة تزييف الوعى والانسياق وراء المعلومات المضللة، وأنه قد حان الوقت لإدراج برامجها فى مناهجنا التعليمية والتوعية بها، لتصبح المصد لأى شائعة أو معلومة مضللة، وأداة لتأهيل أبنائنا لمواكبة معطيات العصر والتفاعل معها وتوظيفها إبداعيا لتشكيل واقع أفضل. لمزيد من مقالات سناء صليحة