جدد قرار إحدى الشركات الفرنسية المتخصصة فى بيع المستلزمات الرياضية بيع أزياء رياضية إسلامية للعداءات الجدل حول العلمانية والدين فى فرنسا، ولاسيما بعد أن أصبح الإسلام هناك موضوعا ذا حساسية كبيرة، بسبب الإرهاب والحركات المتطرفة التى تنسب نفسها إليه . وقد انطلقت الشرارة الأولى لهذه الأزمة حينما قامت الشركة ببيع الحجاب الرياضى فى المغرب الشهر الماضى ثم أعلنت عن عزمها على طرحه فى الأسواق الفرنسية مطلع الشهر الحالى، ليثير ذلك موجة من الانتقادات الحادة من قبل سياسيين ومواطنين عاديين خلال وسائل التواصل الاجتماعى وانتشار الدعوات إلى مقاطعة منتجات الشركة. فعلى سبيل المثال صرحت «أورور بيرجي» المتحدثة باسم حزب «الجمهورية إلى الامام» وهو حزب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، قائلة: «خيارى كامرأة ومواطنة سيكون بمثابة فقد الثقة فى هذه العلامة التجارية التى تتعارض مع قيمنا». مضيفة «أولئك الذين يساعدون النساء على ارتداء مثل هذه الملابس فى الأماكن العامة ليسوا محبين للحرية». ودفاعا عن موقفها قالت الشركة إنه تم تطوير فكرة الملابس الرياضية الإسلامية بناء على احتياجات الرياضيات المحجبات، وأنها كانت تريد أن تعمل على «دمقرطة» الرياضة، خاصة أنه غالبا ما ترتدى النساء المسلمات حجابا «غير ملائم» عندما يقمن بممارسة الرياضة. وقد كتبت الشركة فى تغريدة لها على موقع التواصل الاجتماعى تويتر: «هدفنا بسيط وهو تقديم منتج رياضى مناسب لهن». ومع تصاعد حملة الانتقادات لم تصمد الشركة طويلا أمام سيل الانتقادات والاتهامات الموجهة إليها وهو ما جعلها تجمد خططها لبيع هذا النوع من الحجاب الرياضى فى فرنسا وذلك بسبب التهديدات العنيفة التى وجهت إلى موظفى الفروع الخاصة بها، علاوة على استقبالهم مئات المكالمات والرسائل الإلكترونية التى اتهمت الشركة «بخيانة» فرنسا و «المساهمة فى الغزو الإسلامي»، وقالت الشركة إنها أوقفت بيع المنتج فى فرنسا «من أجل أمان موظفيها». ويرى العديد من الخبراء أن السبب الرئيسى وراء هذه الحملة هو كون الشركة فرنسية بالأساس، ومما يثبت ذلك أن شركات من جنسيات أخري، تبيع أزياء رياضية اسلامية، لكنها لم تواجه نفس الهجوم. ويشير التقرير الذى نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن موجة الانتقادات اللاذعة الخاصة بهذه القضية لا تعد الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة. ففى العام الماضى واجهت «مريم بوجيتو» رئيسة الاتحاد الطلابى فى جامعة السوربان الفرنسية غضب الرأى العام بعد ظهورها على شاشة التليفزيون وهى ترتدى الحجاب، ليعود الجدل مجددا إلى الساحة السياسية والإعلامية بخصوص علمانية فرنسا وإظهار الرموز الدينية فى الأماكن العامة. وفى صيف عام 2016، اندلع نقاش حاد وأزمة كبيرة على مستوى البلاد حول «البوركيني» زى السباحة المصمم للنساء المسلمات، وتم حظر ارتدائه فى بعض المدن الساحلية فى جنوبفرنسا. ولم يقف الامر عند هذا الحد فعلى الرغم من منع ارتداء النقاب فى الأماكن العامة فى فرنسا منذ 2011، و استثناء الحجاب من هذا الحظر، إلا أنه فى السنوات الأخيرة تعرضت النساء المسلمات اللاتى يرتدين الحجاب إلى العديد من المضايقات، حيث لا يسمح للموظفات بارتداء الحجاب خلال ساعات العمل، وذلك بعد أن قضت أعلى محكمة فى الاتحاد الأوروبى فى عام 2017 بأنه يحق لصاحب العمل منع ارتداء الحجاب. ويمكن القول أن أزمة شركة الملابس الرياضية ساعدت فى اشتعال فتيل الانتقادات فى فرنسا، فمفهوم علمانية الدولة هو مبدأ رصين للجمهورية الفرنسية ، لكنه فى كثير من الأحيان يعد نقطة احتكاك بين المسلمين والدولة، فالجدل حول الحجاب لم يعد يتعلق بشرعيته ، بل بالأحرى رمزيته. فاليمين واليمين المتطرف ، غالبا ما ينظر إلى ارتداء الزى الإسلامى على أنه تقليل من القيم العلمانية لفرنسا ودلالة على انعدام التكامل، إضافة إلى ذلك فغالبا ما ينظر إلى الحجاب باعتباره رمزا جوهريا يتعارض مع المساواة بين الجنسين. وعلى الجانب الآخر فإن للنساء المسلمات فى فرنسا رأيا مغايرا لهذه الحركات النسوية فهن يرين أنه من غير اللائق أن تنسحب النساء اللواتى يرتدين الحجاب من المجتمع الفرنسي، علاوة على أنه لا يجب انتقاد الملابس الخاصة بهن مثل البوركينى أو الحجاب الرياضى المصمم لمساعدتهن على الشعور بالراحة فى ممارسة حياتهن اليومية، وتقول «سيلفى إيبرينا» 38 عاما، وهى صاحبة مشروع إسلامى ومدربة رياضية تدير موقعا للياقة البدنية على الإنترنت «إن الأمر لا يتعلق بالسياسة أو الدين». مضيفة: «كل إنسان يريد أن يشعر بالراحة الجسدية فيما يرتديه خاصة وان قطع الملابس هذه يمكن أن تساعد فى ذلك ، فلماذا لا؟». وترى إيبيرينا أنها منذ أن بدأت تظهر فى مقاطع فيديو اللياقة البدنية وهى ترتدى حجابها، شاهدت العديد من النساء المحجبات اللواتى يمارسن الرياضة. وأضافت «لورا تشا»، المتحدثة باسم المنظمة النسوية المسلمة، أنه «بالنسبة لأولئك الذين لا يتأثرون مباشرة بالحجاب، فإنه مجرد جدال لكن بالنسبة للنساء المسلمات، فإن له عواقب وخيمة وطويلة الأمد» .