هيأ الشرع الشريف ودعا إلى إيجاد الأجواء الصحيحة بين أفراد الأسرة من خلال دعم اتصالها الاجتماعى والعاطفى عبر ضرورة إقامة العلاقات الإيجابية مع الأقارب التى تمثل الإطار الاجتماعى لها، وإلا كان إطارا منتجًا للتحديات والمشكلات الأسرية. ويتحدد مفهوم الأقارب للأسرة من خلال أطرافها من ناحية أهل الزوج، وأهل الزوجة، وتعتبر علاقة كل أسرة بأقاربها علاقة ذات حدين؛ لكونها من أكثر العلاقات الاجتماعية تأثيرًا على مكوناتها المباشرة، بل فى أحيان كثيرة تنجم المشكلات بسبب تدخل الأهل فى شئون الزوجين من خلال تحسس أخبارهما وأسرارهما وتتبع تحركات أفراد تلك الأسرة الصغيرة بصورة دقيقة، ثم الدخول من مدخل النصح بصورة متحيزة لا إرادية دون التفات إلى الآثار السلبية لذلك، فضلا عن أنهم قد يبدون الآراء حول المواقف المتباينة بين الزوجين بناء على التجارب الشخصية لهم، وقد تكون تلك التجارب غير ناجحة أو متطابقة. وذلك ينعكس على مسيرة العلاقة بين الزوجين بتحويلها من حياة هادئة مستقرة يغلب عليها طابع الهدوء والاستقرار إلى حياة تتسم بعناد أطرافها وخلافاتهم؛ ولذا تبرأ صلى الله عليه وسلم ممن يتدخل بين الزوجين فيكدِّر صفاء ما بينهما كما فى قوله: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها» (سنن أبى داود)، فضلا عن كون فاعل ذلك يعد قرينا للشيطان فى فعله كما جاء فى قولِه صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه؛ فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا، فيقول ما صنعت شيئا، ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول: نعم أنت، فيلتزمه» (صحيح مسلم). إن تدخل الأهل والأقارب له إطاره المحمود الذى يدعم استقرار الأسرة ويحافظ على سريان المودة والرحمة والتفاهم بين الزوجين، ومثال ذلك تلطف النبى صلى الله عليه وسلم مع الإمام على رضى الله عنه وترك معاتبته على ما كان منه للسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها مع استعطافها؛ فقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليًّا فى البيت، فقال «أين ابن عمك؟» فقالت: كان بينى وبينه شيء، فغاضبنى فخرج، فلم يُقِل - من القيلولة وهى نوم وسط النهار- عندي، فأرسل فى طلبه والبحث عنه ولاطفه معرِّضًا له بالرجوع إلى زوجته. وهى سمات جليلة تؤسس الإطار العام الذى ينبغى على الأهل والأقارب مراعاة أصوله ومظاهره تجاه الزوجين فى معالجة المواقف والتحديات الواردة على حياتهما الأسرية، ومراعاة عدم الوقوف على ما يبديه طرف من سلبيات الطرف الآخر مع الغض عن حسناته وإيجابياته، وعدم التوسع والتغلغل داخل الأسرة بما يصل إلى حد تحفيز أحد الطرفين ضد الآخر، فضلا عن إرشاد الزوجين بأن يكونا على وعى بالتحيز العاطفى لأقارب كل طرفٍ منهما، مع بذل التسامح والمودة سواء للطرف الآخر أو لأقاربه باعتبارهم أهله وأصول زوجه وأولاده أيضًا، وقد سمع أبو بكرٍ رضى الله عنه عائشة رضى الله عنها ترفع صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاتبها وهمَّ بضربها، وقال لها: أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى حال النبى صلى الله عليه وسلم بينه وبينها، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يلاطفها ويمازحها ويترضاها، فلما رأى أبو بكر ذلك، قال: يا رسول الله أشركانى فى سِلمكما، كما أشركتمانى فى حربكما! (مسند الإمام أحمد). وبذلك يتجلى دور الأقارب المهم والمؤثر فى مجريات الحياة الأسرية إيجابيًا أو سلبيًا؛ لكونهم يمثلون الإطار الاجتماعى للأسرة، والبيئة الحاضنة لاستمرار وجودها وما يترتب على ذلك من المحافظة على مساحة التفاهم بين الزوجين، وإلا كانت هذه التدخلات العائلية من أهم الأسباب التى تزيد المشكلات بين الزوجين ومن العوامل المباشرة المسببة لتوتر العلاقة الزوجية وتهديد الحياة بين أطرافها. لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية