قبل أن يصنع سعد زغلول شخصيته الطاغية فى الحياة السياسية المصرية، كانت الحركة الوطنية يقودها حزبان، الحزب الوطنى بزعامة مصطفى كامل. وحزب الأمة الذى كان يتكون من كبار الملاك والأعيان، الأول ينادى بالاستقلال عن الإنجليز مع التبعية لدولة الخلافة فى تركيا، والثانى يطلب الدستور كوسيلة تمكنه من الحكم مع الخديو والإنجليز، كما كان يتدرج فى طلب الجلاء، وهو الحزب الذى تحول بعد ذلك إلى حزب الاحرار الدستوريين، وضم أحمد لطفى السيد وعدلى يكن، وأحمد الباسل، وكبار الأغنياء الذين اختلفوا مع سعد زغلول، وانشقوا عن زعيم الأمة نظرا لتشدده الشديد من وجهة نظرهم فى التفاوض مع الإنجليز، لأنه لم يكن يقبل بأقل من الاستقلال. الغريب أن هذا التشدد من جانب سعد زغلول كان يعتبره أعضاء الحزب الوطنى بعد وفاة مصطفى كامل نوعا من الخنوع الذى يعوق الجهاد ضد الاحتلال، ولذلك قام أحد أفراد هذا الحزب بعملية إغتيال سعد زغلول، عملية ضد العقل والمنطق لكن متى كان للقاتل عقل؟!. كان سعد زغلول. فى ذلك الوقت من عام1924 أصبح أول رئيس وزراء لمصر منتخب من الشعب فى ظل الاحتلال البريطانى، وديكتاتورية الملك أحمد فؤاد. ولم تكن بريطانيا، ولا الملك سعداء بتكليف سعد زغلول تشكيل الحكومة، وربما ساعدت بريطانيا فى تدبير هذه المحاولة لإغتيال زعيم الأمة. وقد أصابت الرصاصة سعد زغلول فى الساعد الأيمن ثم فى صدره، وعندما حاول الجانى أن يطلق رصاصة أخرى تكاثر عليه الناس وهموا بقتله لولا رجال الشرطة الذين أنقذوه. ويقول العقاد فى كتابه عن سعد زغلول إن من غرائب ما حدث فى هذا الاعتداء أن المسدس الذى كان مع الجانى اختفى عقب الاعتداء، ولم يعثر له على أثر، وشهد محام كان على مقربة من الجانى، أنه رأى ضابطا إنجليزيا من ضباط الشرطة يخفيه فى جيبه، وأنكر الضابط ذلك، واعترف إنه كان يخفى مقبض المنشة التى كان يحملها، وانكسرت فى الزحام. ورغم أن التحقيق اشرف عليه بعض الوزراء، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى شىء، وأحيل الجانى إلى الكشف الطبى، فقرر الدكتور د.جن كبير مستشفى الأمراض العقلية أنه مجنون، وتقرر اعتقاله فى مستشفى المجانين. وهو المعتدى الوحيد يقول العقاد الذى صار إلى هذا المصير لكن الذى لا يعلمه أستاذنا الكبير محمود عباس العقاد أن المجانين أصبحوا يحيطون بنا من كل جانب، وأنهم أصبحوا يصلون ويصومون ويقتلون الناس بحجة أن هذا جهاد يقربهم إلى الله، وإلى الجنة فهل هناك جنون أكثر من ذلك؟!. لمزيد من مقالات محسن عبدالعزيز