رفعت الإسماعيلية الراية البيضاء، وأعلنت الاستسلام التام، أمام زخات المطر، لتتحول إلى بركة عظيمة من المياه الراكدة فى عشر دقائق فقط، وهى التى كانت حتى وقت قريب صديقة للمطر، تستقبله بشوق المحبين، ولوعة العشاق إلى ساعة اللقاء. هطلت الأمطار بغزارة فجر الثلاثاء الماضى، فتوقفت الحياة فى المدينة التى كانت تنبض بالحياة والبهجة، وعجز آلاف الأطفال عن الوصول إلى مدارسهم، فالشوارع الأساسية التى لا تخلو من نفق، والمحاور الرئيسية التى لا تخلو هى الأخرى من كوبرى، تحولت إلى بحيرات عظيمة، ابتلعت السيارات وحاصرت الناس فى بيوتهم، لأن العباقرة الذين خططوا لشق هذه الأنفاق، وأقاموا تلك الجسور، فاتهم أن يدرجوا ضمن تصميماتها بالوعات لصرف مياه الأمطار، رغم أن هذه الجسور تعبر فوق ترعة الإسماعيلية التى تخترق المدينة، وتنتهى إلى بحيرة التمساح، عند الهاويس الكبير أمام مبنى الارشاد. ولو كان الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور حيا بيننا اليوم، لترحم كثيرا على تلك المدينة التى كتب عنها نهاية الثمانينيات، أنها آخر المدن النظيفة فى مصر، ولعلها أصبحت كذلك اليوم، وقد حاصرتها تلال القمامة من كل جانب، وتحولت كثير من شوارع أحيائها القديمة والحديثة على حد سواء، إلى بحيرات راكدة من مياه الصرف الصحى، وهى مسؤولية يتحملها محافظون سابقون، أغمضوا أعينهم عن جريمة بناء عشرات من الأبراج العشوائية، التى ظهرت فجأة فى العديد من الأحياء القديمة، التى ظلت لعقود تحتفظ بطابعها الفرنسى المميز، وبناياتها التى لا يزيد عدد طوابقها على خمسة طوابق، وقد تسببت تلك الأبراج بساكنيها الجدد، فى ضغط كبير على محطات المياه والصرف الصحى، ناهيك عن أزمات مرورية خانقة، تزداد يوما بعد الآخر، وبلغت ذروتها قبل أسابيع، بعد تعديلات مرورية عجيبة، فى الطريق المؤدى الى ديوان عام المحافظة. ولا تقل جريمة غرق الإسماعيلية الثلاثاء الماضى فداحة، عن تلك الجريمة التى تنفذ بدأب فى حدائق الملاحة منذ شهور، والتى تتمثل فى إقدام هيئة قناة السويس على اقتطاع مساحة كبيرة من تلك الحدائق فرنسية الطابع، لإنشاء جراج للسيارات، وهى جريمة لن ترضى بأى حال الفريق مهاب مميش، وقد تدخل الرجل قبل فترة لإنقاذ تلك الحدائق التاريخية من جريمة مماثلة، عندما تفتق ذهن بعض مسؤولى إدارات الهيئة، عن إنشاء سور كبير على مساحات كبيرة من الحديقة، بزعم حمايتها من زحف الباعة الجائلين. وما حدث بالإسماعيلية قبل أيام، تكرر فى محافظات أخرى، ولعله يكون دافعا حقيقيا لمجلس النواب، فى أن يتعجل مناقشة وإقرار قانون المحليات الجديد، وقد أثبتت التجربة أهمية الدور الكبير الذى تلعبه المجالس والادارات المحلية فى الحياة اليومية للمواطنين، ومواجهة كثير من أوجه الفساد والإهمال، والاثنان وجهان لعملة واحدة، سرعان ما تنكشف حقيقتهما مع أول زخة مطر. لمزيد من مقالات أحمد أبو المعاطى