مصر تستورد 4.5 مليون قنطار «أبلاند» أمريكى سنويا .. وتزرع قطنا لا تغزله.. وتصنع آخر لا تزرعه!! طيلة عقود، كان القطن معقود على حصاده موعد الأفراح، والأحداث العظيمة، ثم بين ليلة وضحاها ، أو هكذا ظننا، صار اسم القطن لا يُذكر إلا محاطا بعويل وحسرة، تبدو مُستحقة، ونواب برلمان يتقدمون ببيانات عاجلة إلى وزير الزراعة، يطلبون الفهم والعلم، وتعلو وتيرة الأحداث فى فصول القطن، فيتدخل الرئيس شخصيا، ويصدر قرارات وقوانين فى محاولة لانتشال القطن من منحدر كان لابد منزلقا إلى نهايته، لو تُرك لما أُعد له فى الماضي، سوف تُدهش حين تعرف أن تدمير محصول القطن عمره أربعون عاما .. كانت مصر تمد العالم بنحو 20% من الأقطان الطويلة والطويلة الممتازة ، وهو ما تنفرد به مصر عن بقية ما ينتجه العالم من أقطان الابلاند المتقاربة فى الصفات والاستعمالات ، أما الأقطان الطويلة فقد كان إجمالى ما ينتجه العالم من أقطان طويلة فى 1985 هو 8304 بالات، تنتج الولاياتالمتحدةالامريكية منها 2775 بالة، وتأتى مصر فى المركز الثاني، حيث تنتج 1426 بالة ، أما بالنسبة للأقطان الطويلة الممتازة فى 1985 فقد كان إجمالى ماينتجه العالم هو 2567 بالة، تتصدر الدول المنتجة لهذه الاقطان مصر ب 619 بالة، تليها السودان ب 358 بالة ثم الولاياتالمتحدة ب 95 بالة ثم بيرو ، وتستحوذ مصر على نصف الإنتاج العالمى من هذه الاقطان بدون الهند والاتحاد السوفيتى اللذين دخلتا أخيرا واستحوذتا على نصف ما ينتجه العالم من هذه الأقطان، بينما كانت مصر والسودان تحتلان80% من الإنتاج العالمى . حمدى حسنين، عضو مجلس إدارة شركة الدلتا سابقا، الذى انتقل بعد فترة للعمل فى شركة المحلة للغزل والنسيج، وكان شاهدا على ما حدث بشركات الغزل والنسيج المصرية ، كنا نسأله عن سر عبارة صارت تُردد فى كل لقاء وخلف كل باب كلحن لا يتخلف عن عزفه أحد،هى «مصر تزرع قطنا لا تصنعه وتصنع قطنا لا تزرعه»، أردنا أن نعرف كيف لمصانع كانت تستهلك مصانعها ما يصل إلى 6 ملايين قنطار قطن فى سنواتها السمان، باتت شماعتها التى تعلق عليها فشل إدارة ملف القطن هو أن الماكينات الموجودة بمصانعها المحلية غير صالحة لحلج الأقطان الطويلة التيلة المصرية، لا يمكن تفسير ذلك سوى أن الماكينات التى لم تكن تغزل سوى القطن المصرى وكان محظورا استيراد أقطان من الخارج، قد تم تغييرها أو تكهينها، وهو ما أكده السيد حسنين، قائلا: نعم، حدث تغيير للماكينات أكثر من مرة، وكنت شاهدا على ذلك التغيير، فقد حدث فى البداية تطوير فى الماكينات، حيث تم إلغاء الأنوال المكوكية الإنجليزية القديمة إلى الأنوال الإلكترونية فى بداية الثمانينيات ولكن كان ذلك التغيير يصلح استخدامه أيضا مع القطن الطويل التيلة ، ثم بعد فترة قليلة لم يروق لبعض الشركات العالمية الكبيرة منافسة منتجات القطن المصرى الطويل التيلة لها، خاصة وأن تيلة القطن المصرى مميزة عن كل أقطان العالم، وفجأة أصبحت المغازل المصرية بسبب الاتجاه الجديد فى أواخر الثمانينيات تفضل غزل أقطان الأبلاند المستوردة على القطن المصري. وأقطان الأبلاند تنتج خيوطا سميكة بعكس الأقطان المصرية التى تنتج خيوطا رفيعة، ما أدى لكسر الإبر الموجودة بالماكينات فى المغازل المصرية، لأنها غير صالحة لغزل الأقطان القصيرة، وبدأت شركات الغزل والنسيج فى استيراد ماكينات جديدة قادرة على تحمل الخيوط السميكة والألياف الصناعية، وفى حال لم تكن الشركة قادرة على شراء الماكينات الجديدة يتم توجيهها إلى الاقتراض من البنوك، على أن يتم بيع الماكينات القديمة الخاصة بالقطن الطويل التيلة فى المزاد أو بالمناقصات للقطاع الخاص وتكهين ما يتبقى منها ،وبدأ رجال الأعمال فى شراء ماكينات الغزول الرفيعة بثمن بخس، برغم أنه لم يكن يصعب على ورش التصليح الموجودة بشركات الغزل والنسيج أن تقوم بإعادة تشغيل الماكينات أو تغيير الإبر، بدلا من الاقتراض من أجل التغيير، لكن اقترضت الشركات وتم إغراقها فى الديون، ثم بدأ مشروع الخصخصة ، وكنت شاهدا على تقديم مدير الشركة التى كنت عضو مجلس إدارة بها، استقالته، وأضاف :«انا لحم اكتافى من خير الشركات دي، ما اقدرش اشوفها بتتباع»، ثم بعد فترة قليلة أذهلنا سماع خبر تعيينه رئيسا للشركة القابضة للغزل والنسيج، كان مذهلا بالنسبة لنا جميعا أن الرجل الذى قدم استقالته احتجاجا على السياسات الجديدة يقبل أن يكون هو من يقوم على تنفيذها بقبوله هذا المنصب ، التقيته فيما بعد فى مؤتمر بنقابة الصحفيين فلم أستطع أن أمنع نفسى من تذكيره وسؤاله فقلت له «انت كنت معانا بتدافع عن القطن الطويل التيلة .. ايه اللى حصل؟ « ، فأجابنى قائلا: «انا بأطبق سياسات الحكومة». قضية شائكة د. عبد الرحمن محمد، أستاذ اقتصاد زراعى فى جامعة المنوفية ومستشار اقتصادى لتقييم المشروعات الزراعية التى تتم بالتعاون بين وزارة الزراعة المصرية والهيئة الألمانية للتعاون الفنى (GTZ )، أُسند له تقييم مشروع تطوير قطاع القطن بالتعاون مع الوكالة الألمانية فى المرحلة الثانية، قال إن قضية القطن شائكة جدا، وقد تثير مشاكل كثيرة مع قطاع الزراعة ،لأن هذا الموضوع تعود بدايته إلى مجموعة من المراكز البحثية الخاصة بالقطن فى ألمانيا كانوا قد أقنعوا د.يوسف والى وزير الزراعة - آن ذاك- أن باستطاعتهم أن يقوموا بالتوفير من بذرة القطن، ما يعادل ثلاثة أرباع إنتاجها، ما يعنى أن تستخدم هذه البذور التى تم توفيرها من الزراعة فى إنتاج الزيت، وبدا العرض جيدا وهدف البرنامج كذلك، كان ذلك عن طريق تغيير ما ننتهجه فى زراعة بذور القطن، بمعنى أنه بدلا من وضع 4 أو 5 تقاو فى الجورة الواحدة، أن نضع بذرة واحدة، ويتم توفير الأربعة أخماس الباقية من البذور لإنتاج الزيت، إذ ما يبدو من غرض جيد، لكن حقيقة الأمر كان المقصود منها القضاء على القطن المصري، لكن لم يتنبه أحد لهذا، إلا فى النهاية . وما يمكننى قوله الآن، هو أننا إذا كنا نريد الآن تنمية قطاع القطن، فإنه يتعين على معهد بحوث القطن استنباط أصناف جديدة تتواءم مع الأجواء المصرية، ومن الممكن أن نستدل بالخبرات الهندية فى استنباط أصناف متطورة ، إسرائيل طبعا متقدمة جدا فى إنتاج القطن هى وأمريكا لكنهما لن يمنحانا أصناف القطن الخاصة بهما، لكن الهند ممكن ، خاصة أنها أصبحت من الدول المتقدمة جدا فى إنتاج القطن، وأرجو أن نبتعد عن نغمة القطن القصير التيلة، لأن العالم ليس فى حاجة له، كما أنه غير مجد اقتصاديا، وفى الوقت نفسه فإن مصانعنا التى أصبحت جميعا تعمل بالقطن قصير التيلة، يجب أن يتم تحديثها لتعمل بالقطن الطويل التيلة. زيوت الطعام وإذا كنا ننبش الماضى لنجد الطريق، فيكون علينا أن نعرف ما نحن بصدده الآن ، فقد زادت احتياجات الدولة من زيوت الطعام بزيادة السكان، فيما تقلصت المساحة المزروعة بالقطن بدلا من زيادتها، لسد العجز ووصلت الفجوة الغذائية الى 99 % وهو ما يوضحه بالتفصيل د. حنفى هاشم أستاذ علوم وتكنولوجيا الأغذية بجامعة الأزهر ومقرر اللجنة القومية للزيوت والدهون الغذائية بهيئة المواصفات والجودة، فيقول عن مشكلة زيوت الطعام، إن مصر حقا تعانى نقصا حادا فى إنتاج زيوت الطعام بسبب الفجوة الكبيرة بين إنتاج الزيوت المحلية واحتياجات السوق المحلية، ونتيجة لهذا النقص فإن الدولة تقوم باستيراد نحو 99 % من هذه الزيوت والدهون الغذائية من الأسواق الخارجية من دول العالم المختلفة وبكمية تصل إلى نحو مليونى طن سنويا من زيوت الطعام لتغطية متطلبات السوق المحلية ، ويرجع هاشم أسباب المشكلة إلى أن إنتاج وتصنيع الزيوت والدهون فى مصر كان يقوم بدرجة رئيسية على بذرة القطن التى يتم الحصول عليها كمنتج ثانوى للقطن، فيما لم تعد كمية زيت بذرة القطن المتحصل عليها فى مصر سنويا تزيد على 50 ألف طن سنويا على أقصى تقدير الى جانب كميات ضئيلة للغاية من زيت دوار الشمس وزيت الفول الصويا ولا تتعدى إجمالى كمية الزيوت الغذائية المنتجة سنويا بمصر 10 % من إجمالى متطلبات السوق المحلية، والحل يكمن فى زيادة المساحة المخصصة لزراعة المحاصيل الزيتية من الأراضى المتاحة دون التأثير على المحاصيل الرئيسية سواء بالتوسع الأفقى أو الرأسي، مع مراجعة السياسة الزراعية الحالية والاهتمام بزراعة القطن وتحسين نسبة الزيت فى بذوره. تحرير تجارة القطن.. لماذا؟ عندما قامت الدولة بتحرير تجارة القطن - كما يقول د.عادل عبد العظيم مدير معهد بحوث القطن - كان ذلك بدعوى صعوبة تحملها لدعم القطن، وتحت ذريعة أن سعر القطن المصرى الأعلى من الأقطان فى الخارج، وهذا صحيح لكنه عرض خاطئ، فالقطن المصرى كان أغلى من القطن المستورد ب 500 جنيه، لكن كم قميصا كان ينتجه قنطار القطن المصرى مقارنة بإنتاجه من القطن المستورد؟ ، كم لتر زيت طعام كنا نستخرجه من بذرة القطن المصرى بدلا من استيراده ؟، لماذا تم إغفال أن فدان القطن كان ينتج نصف طن علف من الكٌسب، و100 كيلو زيت،خسرناها بالتحول إلى الأقطان المستوردة؟ المرحلة الأكثر خطورة ثم قفز مدير معهد بحوث القطن سريعا من 94 إلى عام 2010 ، معتبرا المرحلة الأكثر خطورة بعدها، إذ تقلصت المساحة المزروعة بالقطن إلى 374 ألف فدان ، وحدث خلط للأصناف، حيث تم خلط قطن الصعيد مع قطن الوجه البحرى بسبب الفوضى التى تلتها، وتم تصديره جميعا على أنه قطن بحري، واستغل التجار بالخارج ذلك وبدءوا يتفاوضون على السعر، معللين ذلك بتدهور المواصفات، وفى 2014 خرج القطن المصرى نهائيا من السوق العالمية. عام عودة القطن ويقول د.عادل: لدينا خطة طموح فى 2019/2020 للوصول إلى 500 ألف فدان ، بدأت فى 2015 ، والتى يمكن اعتبارها عام عودة القطن بعد خروجه من السوق فى 2014 ، والتى بدأت باتخاذ قرارات رئاسية بزراعة قطن الإكثار ، وفى نفس التوقيت تم تكليف وزير الزراعة بشراء قطن الإكثار فى هذا العام، فأصبح لدينا منظومة تقاو معقولة، وقد وصل إجمالى تصدير أقطان عام 2017 مبلغ 120 مليون دولار ، بتسعيره 3000 جنيه لقنطار قطن الصعيد بزيادة 800 جنيه على العام الماضي، و3400 لأقطان الوجه البحرى للقنطار الواحد. استيراد القطن ويشير د. محمد خليل رئيس مجلس إدارة هيئة التحكيم وإختبارات القطن إلى أن انتشار الأبلند الأمريكى فى مصر ، للحد الذى أصبحت الشركات العاملة بمصر تقوم باستيراد 4٫5 مليون قنطار قطن أبلند أمريكى سنويا، لا يعنى أن القطن المصرى فقد بريقه فى مصر كما يقال، لكن ذلك يحدث لأن إنتاج مصر من القطن أصبح قليلا جدا، والمنطقة الحرة بحاجة الى أقطان تصل الى 800 ألف قنطار ومن الممكن أن تستوعب 3 أضعاف هذا الرقم، وقطاع الملابس فى مصر بحاجة الى 10 ملايين قنطار، وصحيح أنه تم بيع المحالج والمغازل لكن مصانع الملابس بقيت، فماذا بوسع هذه المصانع سوى الاستيراد مضطرة، ويمكننا الاعتراف أن أمريكا بدأت تتفوق علينا فى الثمانينيات، لأننا أهملنا القطن وساعدها على التفوق أيضا تحرير تجارة الأقطان فى مصر ولم يعد الفلاح يقبل على زراعة القطن كما كان قبل تحرير التجارة، زاد إعراضه هذا عدم وجود سعر ضمان لقنطار القطن، بالإضافة للخصخصة ، وتوالت النكبات حتى وصلنا إلى الفوضى التى تلت عام 2011 ، وأصبحت البذرة لا تخضع لمنظومة نقاوة ، الفرازون لم يستطيعوا العمل، لم يعبأ أحد بتحسين السلالات وسط هذه الفوضي، بالإضافة لمشكلة الدولايب الأهلية وهى مشكلة كبيرة جدا لأنها تحصل على القطن خارج منظومة الدولة وتقوم بغزله وأحيانا تبيع البذرة كتقاو دون أن تخضعها لتحسين سلالات، بالطبع لأن هذا يحدث تحت إشراف معاهد البحوث وهذه البذور قد تتم زراعتها مرة أخرى وينتج عنها قطن به عيوب، واكتشفنا أن هناك مغازل بالقطاع العام تحصل على قطن من الدولايب الأهلية، وقدمت الهيئة قانونا لمراقبة المغازل ، بينما قدمت وزارة الزراعة طلبا لتغليظ العقوبة على الدولايب الأهلية ، وانخفضت إنتاجية الفدان بسبب تأخير مواعيد زراعة القطن عن موعد الموسم وهذا يؤثر بشكل كبير على إنتاجية الفدان لأنه يصيب الساعة البيولوجية للنبات فلا يكون النضج كافيا، لكن البذرة لم تفقد صفاتها الوراثية إنما يمكن القول إن هناك معاملة زراعية خاطئة بدءا من الرى والتسميد والإصابات وموعد الزراعة. رأسمالى اشتراكي د.دياب محمد عضو مجلس إدارة إحدى شركات الحليج المصرية، اعتبر أن سياسات التحول الدائم من رأسمالي، إلى اشتراكي، ثم رأسمالى مرة أخرى هو أحد أسباب المشكلة، وأنه حتى فترة ما بعد ثورة يوليو التى زادت فيها كميات التصدير، كان يتم تبادل القطن عبر صفقات مع دول الكتلة الشرقية فى مقابل منتجات أخري، وهذه الصفقات كانت سببا فى خسائر كبيرة، فقد خسر أحد رجال الأعمال المصريين 700 مليون دولار عندما انهار الاتحاد السوفييتى ومات فى السجن ولم يستطع أحد تعويضه، بينما قبل الثورة كان العائد من القطن مجزيا جدا، حيث كان سعر القنطار سنة 1928 ب 18 جنيها يعنى 18 جنيها دهبا، وكان هناك اهتمام كبير من الحكومات على الاستمرارية والتوسع فى هذه الزراعة ولم يكن هناك محصول مثله، وبعد ثورة يوليو أنشأت المؤسسة المصرية العامة للقطن وكانت المهيمنة على جميع الشركات التى تعمل فى مجال الأقطان سواء كانت حليجا أو غزلا أو تصديرا، لكن التوجه لم يكن اقتصاديا بالدرجة الأولى وكان يتم توجيه النشاط إلى صناعة الكتان ومنتجات أقل جودة، فى حين أن القطن المصرى كان مميزا ويمكن الا ستفادة منه، لكن التوجه كان بيروقراطيا. تزوير علامة القطن المصرى الزمن يمر حتى عام 2017، ومزارع القطن الذى كان يربط أفراحه وأحداثه العظيمة بحصاد القطن، صار ينفر من زراعته، ما إن تسأله عن مشكلات زراعة القطن حتى يتكلم دون توقف، يسرد ويشرد ويعود فيسرد، ثم تتوه عيناه لا يعرف كيف آلت الأمور إلى ما وجد الآن ؟، ثم يصرخ قائلا: «مشكلات القطن كثيرة، من الزراعة للتسويق والبحث عن مشتر ، لاختيار الصنف»، هكذا قال أيمن رمضان أحد كبار الفلاحين بطنطا، ثم استطرد يقول :«كنا نزرع صنف جيزة 89 وكانت إنتاجيته عالية، صرنا نزرع جيزة 86 ، إنتاجيته أول زراعة وصلت 10 قناطير للفدان، ثم انخفضت إنتاجيته الآن الى 7 و 8 قناطير للفدان، كما أن سعر البوتاسيوم اللازم للتربة ارتفع من 120 جنيها للشيكارة الواحدة، إلى 550 فى السنوات الأخيرة». بينما لا يزال البرلمان المصرى يقدم طلبات وبيانات عاجلة حول القطن ، لكن هذه المرة بشأن تزوير شركة هندية لعلامة القطن المصرى الممتاز ووضعها على منتجات الشركة الأقل جودة ، الأمر الذى كشف عن أن عشرات الشركات الأجنبية تزور علامة القطن المصري، البيان قدمته النائبة آمال رزق الله، عضو مجلس النواب إلى وزير الزراعة وللحقيقة فقد شهد البرلمان المصرى خلال دورة الانعقاد هذه وحدها، تقديم ثلاثة طلبات إحاطة أخرى حول القطن، قدمت إحداها النائبة إيفلين متى بطلب آخر، متهمة الوزارة بإهمال حصاد قطن الإكثار 92، ما جعل بذوره لا تصلح للزراعة مرة أخرى وأدى بالنهاية لاختلاطه بأنواع أخرى ، وهو ما يعنى بالضرورة تلفه، مؤكدة أن المزارعين هذا الموسم رفضوا زراعة بذرة القطن جيزة صنف 87، لأنه لم يعطهم إنتاجية عالية ، فيما تخوف النائب خالد مشهور من عزوف المزارعين عن زراعته الموسم المقبل ما دفعه للتقدم بطلب إحاطة لوزير الزراعة المصرى عن أزمة تسويق القطن، فى حين ذهب النائب محمود الخشن إلى أن طلب إلغاء زراعة القطن فى مصر. الزراعات التعاقدية واستيقظ الجميع على انهيار زراعة القطن، مما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى - فى محاولة للإصلاح - لإصدار قرار رئاسى بقانون رقم 14 لسنة 2015 يلزم وزارة الزراعة بإنشاء مركز للزراعات التعاقدية، يختص بتسجيل عقود الزراعة التعاقدية متى طلب المنتج والمشترى ذلك، لتقييد تحرير الدورة الزراعية بعض الشيء، ألحقه بقرار رقم 4 لسنة 2015 لتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 94 ، والخاص بتنظيم تجارة القطن فى الداخل، استثنى فيه أقطان الإكثار من الخضوع لأحكام القانون رقم 210 لسنة 94، وجعل تداولهما عن طريق وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى فحسب ، على أن يصدر وزير الزراعة سنويا قرارا بتحديد تلك الأقطان وشروط وإجراءات تداولها. بينما أعلن وزير قطاع الأعمال الدكتور هشام توفيق خلال مؤتمر صحفى نظمته وزارة قطاع الأعمال بمركز إعداد القادة لإدارة الأعمال لعرض استراتيجية الوزارة خلال الفترة المقبلة ،عن اتجاه لزيادة الإنتاج من القطن قصير التيلة بدلا من استيراده، معللا ذلك بأن الصناعة فى مصر تقوم على القطن قصير التيلة وليس طويل التيلة قطن مصر لافتا الى سعى الوزارة بالمقابل لتكهين الآلات القديمة من المحالج وإغلاق 14 محلجا ، فى مقابل استيراد آلات حديثة ل 11 محلجا، ما يعنى أن وزارة الزراعة تعكف حاليا على دراسة مقترح بزراعة أقطان الأبلاند الأمريكية فى مصر بدلا عن القطن المصرى طويل التيلة. مدير معهد بحوث القطن: مصر لم تستفد من التعاون الدولى فى هذا المجال.. وخطة طموح للوصول إلى 500 ألف فدان الأزمة بالأرقام والحديث مازال مستمرا عن أحوال القطن المصرى فهناك أرقام مفزعة كتقلص المساحة المزروعة بالقطن من مليونى فدان إلى مائتى ألف فدان، ولا حتى إنتاجا وصل إلى 10 ملايين قنطار من القطن، لكننا اضطررنا لاستيراد ما يقرب من 4٫5 مليون قنطار قطن سنويا لسد حاجيات الصناعة، ولم نتحول لسوق كنا نغطيه بنسبة 67% فى مقابل 1 % للبيما الأمريكي، ثم انقلبت الأوضاع رأسا على عقب، وقد أردنا أن نحصل على إجابات كيف ها هنا صرنا ؟، توجهنا إلى د.عادل عبد العظيم مدير معهد بحوث القطن الذى اعتبر أن أكثر الحوادث فداحة فى تاريخ القطن كانت عام 94، حتى إنه يعتبرها عام الخراب فى ملف القطن، ثم قال بحسرة بدت فى صوته، إذا كنا نتحدث عن انهيار القطن، فإنه لا يمكننا أن نمر بالزمن دون أن نتوقف عند ذلك العام، حيث تم تحرير التجارة، وترتب عليها أن أصبحت مصر تنتج قطنا لا تغزله، وتصنع قطنا لا تزرعه، فالدولة بدأت تشترط على التاجر لينتج خيطا أن يستخدم حصة من قطن البيما الأمريكى لتضمن إعادة تصديره مرة أخرى وفقا للاتفاقات، وبدأ أصحاب شركات الغزل والنسيج فى استيراد قطن الهيرسيوتم متوسط التيلة ، وأصبحت ماكينات الغزول فى أغلب المصانع لا تغزل سوى قطن الهيرسيوتم متوسط التيلة، و فى حال قرر المُصنع غزل القطن المصرى فائق الطول على الماكينات الخاصة بغزل القطن متوسط التيلة ، فإن هذه الماكينات سوف تمنحه خيوطا مشابهة للخيوط الناتجة عن القطن الهيرسيوتم متوسط التيلة، وبالتالى أصبح غزل القطن المصرى على ماكينات الغزول الخاصة بالأقطان متوسطة التيلة مكلفا دون جدوى ،وفى الوقت نفسه ترتب على تحرير التجارة أيضا، أن صار لدينا شركات غزل خاصة كثيرة وشركات تجارة أقطان أكثر، وأغلب هذه الشركات تقوم باستيراد القطن قصير التيلة من الخارج بسبب سعره الرخيص غير عابئة بفرق الجودة ، ثم تقوم بغزله هنا للاستفادة بمميزات الاستثمار فى مصر والطاقة الرخيصة ثم تعيد تصديره، بالإضافة لمشكلة المساحة غير الثابتة .
سر تراجع زراعات القطن د. محمد رزق أستاذ بحوث القطن بجامعة الأزهر رأى أن العدوان على الأراضى الزراعية من أجل المبانى والعقارات كان من أهم أسباب تراجع المساحة المزروعة بالقطن، بالإضافة للتوسع فى استيراد أقطان أجنبية ، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، والتذبذب الشديد فى أسعار شراء القطن الزهر، وعدم تقديم الدعم الكافى للمزارعين، و تطورات السوق العالمية للقطن التى جعلت الاتجاه لخفض نصيب القطن فى الصناعات النسجية لمصلحة الألياف الصناعية الكيماوية منذ سبعينيات القرن الماضى، لكن دعنا نمر بالزمن حتى نهاية 2011 ، لنجد قطن جيزة 88 يسجل 155 سنتا للرطل، فيما يسجل الجيزة 86 ، 139 سنتا للرطل ، فى الوقت الذى سجل البيما الأمريكى 192 سنتا للرطل فى العام نفسه، ما يعنى انقلاب موازين التسعير لمصلحة البيما على الأقطان المصرية، وظلت أسعار الأقطان المصرية تنخفض حتى وصل رطل الجيزة 86 المصرى فى منتصف 2015 إلى 112 سنتا، فى مقابل 162 سنتا لرطل البيما الأمريكى فى التوقيت نفسه، فهل إرتدت المصانع المصرية للقطن المصرى أو فقد البيما الامريكى سوقه فى العالم وحل محله الطلب على القطن المصري؟