فى ظل حالة «الهستيريا» التى تسود وسائل الإعلام الأجنبية، بسبب عدم اكتراث المصريين بما تنشره وتبثه هذه الوسائل الإعلامية المعادية لمصر، بشأن قضية التعديلات الدستورية، وتحولها إلى مرحلة «التطاول» على مصر وقيادتها بألفاظ شنيعة، برز من بين تغطية وسائل الإعلام الغربية نفسها حالة من البرود وعدم المبالاة تجاه فضيحة حقيقية تورطت فيها تركيا لم يلتفت إليها أحد، وربما لو كانت مصر هى الدولة المتورطة فى فضيحة كهذه، لصارت مادة خصبة لعشرات التقارير التى يبثها هذا الإعلام «المسموم». تتضح هذه التغطية غير النزيهة من خلال عملية الرصد التى يمكن أن يقوم بها أى متابع لأداء وسائل إعلام غربية مرموقة تجاه الشأن المصرى من ناحية، وتجاه الشأن التركى من ناحية أخرى. فقد بثت وكالة «رويترز» للأنباء بتاريخ 11 فبراير 2019، تقريرا مقتضبا، وعلى استحياء بعنوان «وسائل الإعلام الرسمية الصينية تنشر فيديو، يثبت أن الشاعر الأويجورى لم يمت بعد الدعوة التركية لبكين لإغلاق معسكرات الاعتقال»، حول إذاعة وسائل الإعلام الرسمية الصينية مقطع فيديو قالت عنه إنه يثبت أن الشاعر والموسيقى الأويجورى عبد الرحيم هايت لا يزال على قيد الحياة، بعد أن استشهدت تركيا حامية حمى المسلمين ومقر دولة الخلافة المزعومة بتقارير ادعت وفاته فى الحجز، فى محاولة من نظام رجب طيب أردوغان لتوجيه إدانة شديدة اللهجة لانتهاكات حقوق الإنسان المزعومة فى إقليم شينجيانج الصيني. جاء هذا التقرير بعد يوم واحد من بث «رويترز» نفسها خبرا بعنوان «تركيا تدعو الصين لإغلاق معسكرات الاعتقال التى تحتجز فيها المسلمين»، حول الدعوة «التمثيلية» التى وجهتها أنقرةلبكين لإغلاق معسكرات الاعتقال التى تحتجز فيها المسلمين، زاعمة أن هذه المعسكرات التى تضم وفقا لما تردد مليون شخص على الأقل من أصل أويجورى تمثل «مصدرا للعار الإنساني». وفى الشأن نفسه، بثت وكالة «أسوشيتدبرس» على استحياء أيضا تقريرا بتاريخ 11 فبراير بعنوان «الصين تشجب تركيا بسبب ادعاء وفاة موسيقى شهير»، حول شجب بكين لادعاءات تركيا بوفاة الموسيقى الشهير من الأقلية الأويجورية فى سجنه، حيث نشرت السلطات الصينية مقطع فيديو مصورا قالت إنه يثبت إنه لا يزال على قيد الحياة، رغم محاولات تركيا الإتجار بقضيته! وبثت هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي» تغطية خجولة أيضا للفضيحة نفسها بتاريخ 11 فبراير 2019 بعنوان «الصين ترد على الادعاءات التركية بمقطع فيديو عن عبد الرحمن هايت». وسقطت فى فخ «مجاملة» تركيا والمداراة على هذه الفضيحة السياسية والإعلامية أكثر من وسيلة إعلامية أجنبية من التى اعتادت على بث التقارير المعادية للدولة المصرية، والتى تتضمن إصرارا شديدا على تضخيم السلبيات وتقليل الإنجازات، وتشويه صورة مصر وقيادتها ومؤسساتها وشعبها، وإظهارها أمام العالم على أنها دولة قمع وانتهاكات، فى حين لم تنجح هذه الوسائل نفسها فى كتابة أى تعليق، أو توجيه أى انتقاد، إلى السلطات التركية التى «كذبت» على العالم أجمع، واستخدمت قضية عبد الرحمن هايت لمحاولة تحقيق مصالحها فى تجميل صورتها أمام كثير من «السذج» فى العالم الإسلامى المنبهرين بالنموذج التركي، دون سبب مفهوم. تأتى هذه الفضيحة فى الوقت الذى نشرت فيه شبكة «بي.بي.سي.» تقريرا بعنوان» تركيا تأمر باعتقالات جماعية جديدة بشأن الانقلاب الفاشل»، بتاريخ 12 فبراير، حول أوامر الاعتقال التى أصدرتها حكومة أنقرة ضد 1112 متهما للاشتباه بانتمائهم إلى منظمة «فتح الله جولن» المقيم فى الولاياتالمتحدة، غير أن تقرير «بي.بي.سي». كان مهذبا وودودا ولطيفا ورقيقا للغاية مع حبس 1112 شخصا، فى الوقت الذى تقيم فيه الشبكة نفسها، وباقى زميلاتها، الدنيا ولا تقعدها عند اعتقال متهم بالإرهاب فى مصر، وتفرد صفحات ومساحات واسعة جدا لنشر تفاصيل ما تنشره المنظمات الحقوقية مثل العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش من أكاذيب وتفاهات عن أوضاع الحريات فى مصر. وربما كانت فضيحة «عبد الرحيم» الصينى واحدة من بين عشرات الأخبار السلبية التى تحرص وسائل الإعلام الأجنبية على إخفائها، على طريقة «إكفى على الخبر ماجور»، لتجنب إظهار كذب وضعف الدولة التركية، فى الوقت الذى لا تفعل فيه ذلك، ولا حتى ربع ذلك، فى قضايا مشابهة مع دول أخرى بالمنطقة، وعلى رأسها مصر. فقط، أردنا أن نذكركم هذه المرة بالوجهين المتناقضين اللذين تتعامل بهما وسائل الإعلام الأجنبية مع أوضاع معينة فى دولة «مستهدفة»، ومع الأوضاع نفسها، أو أقل منها، فى دولة تحظى بالرضا السامي! إنه الإعلام ذو الوجهين، أو إعلام الألف وجه!!